السنوار هو الثقة بالنفس والتوكل على الله، إنسان لا يعرف الخوف، ولا يعرف التردد، غير هيّابٍ، فإذا اقتنع بالفكرة تبناها، وإذا آمن بقضية، صار جزءاً منها، جريء إلى حد الإقدام، شجاعٌ إلى حد الشهادة، لا يهاب الموت، ولا يلهث خلف مغريات الحياة، نذر روحه لفلسطين، دون أن يهتم بشكل ثيابه، ولا بمظهره الخارجي، فهو مسكون بالوفاء للشعب، وهو مقتنع تماماً، ومؤمن بانه صاحب الحق في كل أرض فلسطين، وان عدوه غاصب معتد ٍإرهابي حاقد، لذلك قاتل بشراسة، بعد ان انتمى بصدق ووفاء، وخاض معارك الحياة السياسية والأمنية والقيادية ولا هدف له إلا فلسطين، وتحرير فلسطين، والتخلص من الصهاينة المعتدين.
في حفل غذاء أقامته الحركة للمخاتير والشخصيات الوطنية في خان يونس، قبل عدة سنوات، وقف إلى جانبي يحيى النسوار، وكان ينظر إلى تجمع الوجهاء والمخاتير، وهم يتناولون طعام الغذاء، وقال لي:
أسأل الله أن يلهمني الصبر، ويقدرني على الصواب، ويمد في عمري، حتى أقدر على أن أقدم شيئاً يخدم أبناء شعبي، ويحفظ لهم مكانتهم بين الشعوب، إن كل ما يشغل بالي في هذه الأيام: كيف نخدم هؤلاء الناس؟ كيف نساعد أبناء شعبنا في كسر الحصار عنهم؟ كيف نتخلص من عدونا؟ وكيف نتغلب على المؤامرة التي تحاك ضد الأرض والشعب الفلسطيني؟ هذا ما يشغلني كل الوقت، وهذا هو محور اهتمامي.
وفي لقاء آخر، قال لي يحيى السنوار بثقة: لا نعد أنفسنا لمعركة قصيرة المدى مع العدو، نحن نستعد لمعركة طويلة الأجل، معركة التحرير، ونعد رجالنا تحت ضوء الشمس، نقوم بتدريبهم، وإعدادهم، وتنظيمهم تحت عين العدو، الذي يعرف عدد فتحات النفق التي ندخل ونخرج منها مواد البناء والتسليح، ويراقب عدونا بطائراته كل صغيرة وكبيرة ندخلها إلى الأنفاق، ويعرف عدونا كل شيء يجري حولنا فوق الأرض، ولكن عدونا لا يعرف شيئاً عن استعدادنا تحت الأرض، تحت الأرض مغلق أمام المخابرات الإسرائيلية، وهناك يتم الاستعداد الجدي، والإعداد المحكم، بعيداً عن عين العدو.
قلت له: سأنشر ما ذكرته لي يا يحيى، أنا لا أكتم خبراً، فقال: انشر، ولكن لا تذكر اسمي في منشورك.
وفي آخر لقاء مع يحيى السنوار، قال ذات مساء في إحدى بيوت العزاء في خان يونس، جميعكم سيذهب بعد قليل إلى بيته، ويرتاح بين أهله وأسرته، هناك يتمدد على الفرشة، وينام، أما أنا، فعندي عشرات المهمات، وعشرات الواجبات، وعشرات التقارير والقرارات، أما أنا، فلا أعرف النوم حتى الفجر، فطالما اصطفاني الله على رأس حركة المقاومة، فلن أبيت ليلتي إلا بعد أن أطمئن على كل صغيرة وكبيرة على هذه الأرض، وبعد أن أراجع المظالم والشكاوى، وبعد أن أتفقد مواقع المقاتلين وحاجاتهم، وبعد أن أرسم الأفق لغد أكثر أمناً واستقراراً ومكانته للشعب الفلسطيني البطل.
نعزي أنفسنا بغياب يحيى السنوار، ونعزي شعبنا الفلسطيني، ونعزي أمتنا العربية والإسلامية بفقدان هذا البطل، الذي ظل على رأس المقاومة حتى اللحظات الأخيرة من حياته، لم يختبئ في الأنفاق كما ادعى المشككون بالمقاومة، لم يهرب إلى مصر كما اتهمه الأعداء، لم يحتمي بالأسرى الإسرائيليين كما قال عدونا، لم يهرب من المواجهة، لقد ظل أبو إبراهيم القائد المقدام كما عرفه رجال المقاومة، وحتى اللحظة الأخيرة، وهو يرسم النموذج الأمثل للقائد العربي الذي خرج من كتب التاريخ، القائد الذي لا يهاب لقاء عدوه، ولا تشغله إلا المصلحة العليا للوطن، لذلك كان يحيى السنوار أميناً على الكلمة التي نطقها، وكان أميناً على فعل البطولة الذي آمن به.