قائمة الموقع

"ليش تصاوبت يمًّا!؟"... جواب مرير لسؤال طفل فقد أصدقائه

2024-10-14T17:50:00+03:00
"ليش تصاوبت يمًّا!؟"... جواب مرير لسؤال طفل فقد أصدقائه

داخل أحد الفصول بمدرسة "الفتي" شمال مخيم النصيرات وسط القطاع، تحتضن والدة الطفل حمزة شاهين (5 أعوام) طفلها مع توالي سقوط القذائف المدفعية الإسرائيلية على المدرسة مساء الأحد الموافق 13 أكتوبر/ تشرين أول 2024، وافتراش الغبار سماء المدرسة ورافقه وميض انفجارات كسر عتمة المكان، مع صوت انفجارات زلزلت الأرض وقلوب النازحين، وتطايرت شظايا في كل مكان، ونيران تتمدد وتحترق داخل الفصول من أثر تلك القذائف.

لم يكن جدران الفصل حائلاً أمام اختراقه من قذائف المدفعية الإسرائيلية، ولم يكن حضن الأم كافيًا لمنع وصول إحدى الشظايا التي وصلت لرأس "حمزة" وتدفقت الدماء من رأسه وغطت وجهه وملابسه، و"ليتها جاءت لي ولم تصل لابني" عبارة قالتها الأم وهي تحاول إيقاظ طفلها الذي بدأ يغيب عن الوعي في لحظة لم يستطع أحد الخروج من المدرسة مع توالي سقوط القذائف.

ممر الموت

لكن الأم والأب، اتخاذا قرارا بالمرور من طريق الموت نفسه، والخروج من أحد فصول المبنى المستهدف، "فتحنا الباب وكان حمزة ينزف، تفاجأنا بالغبار الكثيف التي حجبت الرؤية، كانت النار مشتعلة، ركضنا وكان الشهداء على الأرض وغالبيتهم أطفال بعمر طفلي أو أصغر، بعض أطرافهم مبتورة وبعضهم شهداء ملقون على الممرات والدرج " تروي شاهين لـ "فلسطين أون لاين" بصوت خافت بعد ليلة دامية لم تقذ طعما للنوم.


 

تجاوزا الأبوان جثث الشهداء والمصابين، وهربوا بأطفالهم من بين الحمم، ووصلوا إلى المدرسة المجاورة والتي منها نقل "حمزة" لمستشفى العودة في لحظة سابقا فيها الزمن، وأدخل العناية المكثفة الساعة العاشرة والنصف مساءً نظرًا لخطورة حالته وخشية من تمدد الشظية في الرأس.

على مدارس ساعتين اتكأت شاهين على أحد الجدران المقابلة لغرفة العناية، تناجي المولى عز وجل أن ينجي لها طفلها من الموت، لتعود إليها الحياة التي توقفت لساعتين متواصلتين، تجمدت فيها حروفها عن الكلام، فنابت عيناها في ذرف شلال من دموع ترافق مخاوفها وقلقها.

بمجرد أن فتح الطبيب غرفة العناية المكثفة، وخلع القفزات الطبيبة، هرت شاهين نحو تسأله: "ابني بخير!؟" كانت تصغي بكل حواسها إلى الطبيب، والقلق يدق مساميره داخل قلبها تخشى من أن يكون الجواب مغايرا عما تنتظر، ليبتسم الطبيب "ابنك بخير" ودخلت لتحتضن ابنها المصاب، ولم تعلم أن ابتسامته لها يختبئ خلفها دمعات ذرفها على جثامين شهداء مروا عليه، بنفس عمر طفلها، في مجزرة راح ضحيتها أكثر من 21 شهيدا بينهم 15 طفلا وامرأة فضلا عن 60 مصابا.

جواب مرير

"ليش تصاوبت يما! أنا إيش سويت؟ ليش قصفونا اليهود؟" قفز سؤال الطفل حمزة لأمه عن مشاهد كثيرة كان فيها غائبا عن الوعي، لم يرَ فيها القذائف وهي تتساقط على المدرسة التي كانت تؤوي العائلة وآلاف النازحين، ولا على صرخات الأمهات وأصدقائه الأطفال وهم يحرقون، يستغرب من وجوده داخل المشفى.

ببراءة يقول الطفل المصاب برأسه وبالكاد يقوى على رفع حاجبي عينيه للأعلى "بدي ألعب مع أصحابي"، بينما كانت أمه تنظر من نافذة الفصل الدراسي على المدرسة التي هجرها أهلها بعد مجزرة دموية حدثت ليلة أمس، واستشهد أصدقاء طفلها الذين كان يلعب معهم في ساحة المدرسة، وأصبحت الساحة التي كانت تعج بحركة الأطفال وأصواتهم خالية وموحشة.

تعلق الأم وهي تجلس بجوار ابنها الذي تلف الجبيرة رأسه "منذ ليلة أمس وهو يستمر بطرح الأسئلة فتساءل: "ليش قصفونا اليود،  أنا إيش ستويت!" ويسأل عن الناس التي كانت بالمدرسة".

لم تتخيل شاهين أن يقصف الاحتلال مدرسة تؤوي نازحين وتتبع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" وأن تصبح مراكز الإيواء التي يفترض أن تحظى بحماية دولية "غير آمنة"، مع قرب حلول فصل الشتاء الأمر الذي يضع آلاف النازحين أمام تحديات كبيرة في منطقة مكتظة لا تتوفر فيها مساحات، كذلك لا تتوفر للعائلة خيمة بالتالي ليس لديها خيار سوى البقاء في المدرسة.

شواهد بالذاكرة

في كل ركن من المدرسة، وفي كل زاوية تمر عليها شاهين، تتحرك أمامها مشاهد الأطفال وهم يصرخون من الإصابة، وصور أطفال تقطعت أطرافهم واستشهدوا، وكانت شواهد على المجزرة تجثم على ذاكرتها.

بقلب مشحون بالقهر تقول: "إضافة لوضع إصابته، الآن يعيش حمزة في وضع نفسي صعب بعدما علم أن أصدقائه الذين كان يلعب استشهدوا".

يغلف الحزن صوتها وهي تستعيد ذكريات طفلها مع أصدقائه الشهداء "كانوا يلعبون في ساحة المدرسة، يركضون وراء بعضهم، وأحيانا يلعبون بالبالونات التي يلقونها على بعضهم بساعدة، أو في كرة القدم، والآن استشهد الأطفال واختفى طيفهم، وغادرت الكثير من العائلات المدرسة وكأن الحياة توقفت فيها".

عن الحياة داخل المدرسة، توضح بصوت يكتسي بالأسى "كانت تعج بالحياة رغم الذل والإهانة والجوع الذين عشناه، لكننا تأقلمنا على الوضع والحياة في مراكز الإيواء".

نزحت العائلة من حي الزيتون بمدينة غزة، وعاشت أكثر من 12 مرة نزوح، وهي على أعتاب نزوح جديد في رحلة متنقلة هذه المرة كانت قريبة من الموت وأصيب أحد أبنائها، ولا تعلم ما "تكتبه الأيام لهم". تقول

 

 

اخبار ذات صلة