قائمة الموقع

مجزرة مدرسة "المُفتي" .. أجساد الأطفال كانت حطب نار أضْرمها الاحتلال

2024-10-14T14:27:00+03:00

تغير شكل الهدوء مساء أمس الأحد، بمدرسة أرض المفتي الواقعة شمال مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وفي لحظة مفاجئة قبالة الساعة التاسعة والنصف مساءً، كسر وميض قذيفة مدفعية إسرائيلية عتمة المكان مصحوبًا بنار اشتعلت بقصف صف يؤوي نازحين بالطابق الثالث، ليتغير وتسود حالة من الهلع والخوف في قلوب الأطفال والنساء أدت لتفرق العائلات، مع تمدد النيرات واشتعالها فكانت أجساد النازحين ومقتنياتهم حطبًا لهم.

لم تمر سوى خمس دقائق حتى قصف الاحتلال مدخل درج المدرسة، وبعدها بدقيقتين قصف صفين متجاورين ثم قصف صفا ثانيا في الطابق الثاني، بهدف محاصرة الجميع والحكم عليهم بالموت حرقًا ومنع أي نجدة وإسعاف لهم، وجميع الصفوف كانت تؤوي نازحين حاولوا الاحتماء بها من لحظة سقوط القذيفة الأولى.

في ليلة دموية شاهد النازحون الموت بأعينهم، رأوا وميض القذائف تنهال على رؤوسهم لعدة دقائق متتالية، كلما احتموا في مكانٍ لاحقتهم القذائف الإسرائيلية بداخلهم، فاحترقت جثث الأطفال والنازحين داخل الفصول، وبين الممرات وعلى الأدرج.

ليلة دامية

لحظة سقوط القذيفة الأولى احتمت رزان طاهر مع طفلها في أحد الفصول، كانت تشاهد جمرات النار وهي تشتعل في سماء المدرسة، وفي اجساد الأطفال كمشهد من "أهوال يوم القيامة"، تضم طفلها إلى حضنها وتحكم قبض ذراعيها عليه خوفا من أن تأتي أي شظية أو قذيفة وكأنها "كانت تنتظر دورها في الموت" كما حال الجميع الذي احتموا في الفصول أو بين الممرات والأدرج.

لم يمنع وجود مئات الأطفال والنساء الاحتلال من ارتكاب واحدة من أبشع مجازره الدموي، التي تضاف لقائمة طويلة من مدارس الإيواء التي قصفها، راح ضحية المجزرة بمدرسة أرض "المفتي" 22 شهيداً بينهم 15 طفلاً وامرأة إضافة إلى 80 إصابة.

تروي  طاهر لموقع "فلسطين أون لاين" ما جرى: "عندما قصفوا الطابق الثالث، ثم اتبعوا ذلك بأربعة قذائف أخرى، كنت بالمبنى المجاور للمبنى المستهدف، أرى القصف والنار والكل بدأ يصرخ، دخلنا في صف مليء بالأطفال، المشهد كان مرعبا، صراخ الأطفال وهم يحترقون أحياءً يوجع قلبي لا أستطيع تجاوز تلك المشاهد".

تضيف "في صفنا عائلة ونازحون كثير، عشنا لحظات مرعبة ومبكية، انتظرنا موتنا، أطفالنا لم يستطيعوا النوم بعدها من الخوف والبكاء".

في صبيحة اليوم التالي عادت طاهر إلى المدرسة ، لتجد الكثير من العائلات تحزم حقائب الرحيل وتبدأ موجة نزوح جديدة، ترفض أن تعيش في مكان علقت في كل ركن فيه دماء أطفال، كما علقت في ذاكرتهم صرخات الأطفال وهم يحرقون أحياءً، وتتفحم جثثهم الصغيرة.

من زاوية أخرى للحدث قبل وقوع المجزرة، كانت عائلة "عويضة" التي نزحت من شمال القطاع  تجتمع في لمة عائلية، تتابع أخبار من تبقى من العائلة في الشمال التي تتعرض للتجويع والحصار والقتل من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

لم تكن تعلم العائلة أن الاحتلال يحضر لهم الموت ويجهز الأكفان ومحرقة أخرى، وأنهم وهم في مدرسة تؤوي النازحين ليسوا بعيدين عن المشهد الحاصل في شمال القطاع ولكن بأسلوب قتل مختلف.

مع سقوط القذائف المتتالية على رؤوس من في المدرسة، تفرقت العائلة وانفضت الجلسة العائلية، ولمدة ساعة كاملة ظلت تبحث عن شقيقتهم اكتمال الحاج أحمد (43 عاما).

جثث محترقة

مر الأشقاء على جثث الشهداء، وتنقلوا بين المصابين وتجولوا داخل الفصول، لعلهم يجدون ملامح اختهم داخل أحد الفصول، وتنقلوا بين أسرة المستشفيات وثلاجة الشهداء إلى أن وجدوها داخل غرفة العناية "المكثفة" بمستشفى شهداء الأقصى.

على غرفة العناية المكثفة بالمشفى، يقف والدها وأشقاؤها يرقبون تحسن حالتها الصحية، بعد إصابتها بحروق وشظايا بجسدها في حالة صحية صعبة، تحملت قبل ذلك اعتقال زوجها منذ عام، وكذلك زوج ابنتها، فضلا عن استشهاد زوج ابنتها الأخرى.

وبأدوات بسيطة كان النازحون وطواقم الإسعافات والدفاع المدني تنقل الشهداء والجرحى للمشفى، على مدار نحو 40 دقيقة لم تتوقف الإسعافات من نقلهم للمشفى.

تقفز مشاهد المجزرة أمام صبحي عويضة وهو يروي لموقع "فلسطين أون لاين" قائلًا: "كنت أجلس بالطابق الأول مع أبي وأخوتي وأولادهم وكنا نحو 30 فردًا، لحظة سقوط القذيفة الأولى أدخلت أبي وأولادي في داخل الفصل، ثم صعدت للطابق الثالث الذي سقطت فيه القذيفة الأولى وكان يرافقني بعض الشباب وكنا نريد إسعاف المصابين ونقل الشهداء فحدثت ضربة أخرى بالطابق الثاني فنزلنا وحدثت خمس ضربات".

يصف تلك اللحظات المروعة ويرافق القهر صوته "أين ما نذهب كان يتم القصف، المشهد كان صعبا كل ما تمشي بمنطقة تجد شهيدا ملقى على الأرض أو مصابا مبتور اليد، استمرينا ساعة في انتشال المصابين، كنا نشاهد الأطفال يموتون وهم يحرقون ولا نستطيع إطفاء النار. دخلت الغرفة التي كانت بها أختي وكانت النار تحول بيني وبينها حتى أمسكت بملاءة واستطعت إخراجها من بين النار وهي الآن مصابة بحروق خطيرة".

ورغم أن عويضة عاش في شمال القطاع وشاهد الانفجارات التي تحدث صواريخ الاحتلال، لكنه لأول مرة يرى قذائف حارقة بهذا الشكل لا تنطفئ إلا من تلقاء نفسها، الأمر الذي حال دون إسعاف العديد من الشهداء، وبعضهم استطاع الأهالي الوصول إليهم صباح اليوم.

وبالرغم من وقوع المجزرة، بقيت الكثير من العائلات في المدرسة، يتساءل عويضة "لو بدنا نطلع وين نروح؟ في الشارع في البحر؟ فش مكان وفش خيمة تؤوينا".

تنقلت العائلة من مدرسة إلى أخرى حتى استقرت بمدرسة أرض "المفتي" بمخيم النصيرات، على أمل أن توفر أسوارها حماية لهم من بطش الاحتلال، فتحملوا الاكتظاظ، وضيق الحياة وصعوبتها، الاصطفاف على طوابير المياه، والمشقة في توفير الطعام، إلا أن ختم المشهد الدموي بحريق أشعله الاحتلال داخل المدرسة ليكتوي النازحون بنيران الفقد أضرمها الاحتلال في أجسادهم وقلوب الناجين.

لم تكن مشاهد الوداع للشهداء والمصابين صباح اليوم الاثنين أقل ألما عن احتراق الجثث، فهذه السيدة كانت تغلي من القهر وهي تودع طفل صغير بين جموع من النسوة المواسين لها تردد بقهر "أنا اللي ربيته"، بينما كان ذلك الشاب يبكي بصمت وهو يحمل طفلا رضيعا شهيدا بين يديه، ترتخي يدا الطفل للأسفل وتخترق جسده الشظايا، أحد المصابين كان يجلس على كرسي بلاستيكي ويلقي نظرات الوداع على جثامين أقربائه يكتوي ألما لعدم قدرته على احتضانهم.

تجاوز الاحتلال بقتل الأطفال بمدرسة أرض "المفتي "  كافة الخطوط الحمراء والمحرمات الدولية، بدءًا باستهداف مدرسة تؤوي نازحين وتابعة لـ "الأونروا" التي تعد إحدى مؤسسات الأمم المتحدة، ومكانا يضم مدنيين وأطفال توفر لهم قوانين حقوق الإنسان حماية خاصة، ليعطي دليلا جديدا على أن هدف الحرب الأساسي الإبادة الجماعية لأهالي قطاع غزة.

اخبار ذات صلة