فلسطين أون لاين

"جهّز قبره قبل ارتقائه بأيّام"

"رمزي" اشتاق لنجله "محمّد" فالتحق به شهيدًا

...
غزة/ جمال خضر

قبل أيام قليلة من استشهاده، كان الثلاثيني رمزي مقداد، مشغولاً بتنظيف قبر جده في مقبرة الشيخ رضوان بمدينة غزة، مانعًا أي شخص من الاقتراب منه، قائلاً بثقة: "هذا القبر لي، لا أحد يقترب منه"، وفقًا لما رواه والده الستيني أحمد مقداد.

تلك الكلمات التي قالها "رمزي" جعلت والده يعيش في قلق دائم، مترقبًا كل حركة وكلمة تصدر من ابنه، مدركًا أن الأيام الأخيرة لرمزي قد اقتربت، وأنه سيلحق بابنه "محمد" الذي استشهد في ديسمبر من العام الماضي، مع أولاد عمه "قصي" و"أحمد".

على الرغم من أن مشاعر الخوف كانت تسيطر على قلب العم أبو شادي، إلا أنه لم يستطع إيقاف قدر الموت الذي يتربص بأهل غزة في كل لحظة.

"رمزي" الذي عاش فاجعة فقدان ابنه "محمد" كان يعرف في داخله أن نهايته قد تكون قريبة، وفق والده.

وفي قلب حي الشيخ رضوان، حيث بيت العائلة، تجمع عددًا من الأقارب والأصدقاء لمواساة الأسرة في مصابها الجديد.

فراق صعب

أمام منزل العائلة، استقبل العم أبو شادي، المُعزّين، ويطلب من الله عز وجل، أن يصبّرهم على الفراق الكبير، فقد خسر ثلاثة من أحفاده قبل استشهاد ابنه "رمزي": "قصي وأحمد أبناء ابنه ابراهيم، ومحمد ابن الشهيد رمزي، الذين استشهدوا معًا في مجزرة ارتكبها الاحتلال في ديسمبر الماضي.

كانت الكلمات تخون مقداد، أحيانًا، لكن العيون كانت تتحدث بألم الحزن والفراق على ابنه وأحفاده، بينما أخذ العم أبو شادي، ينظر بين حين وآخر إلى أولاده المتبقين، ثم يعيد النظر إلى صور رمزي وأحفاده، غير قادر على استيعاب حجم الفقد الذي ضرب عائلته.

ويقول أبو شادي، لمراسل "فلسطين أون لاين" وهو يحاول السيطرة على حزنه: "ما الذنب الذي ارتكبه رمزي ليتم استهدافه وهو جالس أمام المنزل؟، فشظايا القصف اخترقت جسده وجسد جيرانه، ومعهم عدد من النازحين الذين لجأوا إلى منطقتنا بعد المجازر التي ارتكبت بحقهم في مخيم جباليا.

ويضيف الأب: "كان رمزي يجلس أمام المنزل كما يفعل في مرات كثيرة، لكنه لم يكن يعلم أن تلك الجلسة ستكون الأخيرة فطائرات الاحتلال استهدفته، عند الساعة السابعة والنصف مساء الخميس الـ10 من الشهر الجاري، هو وعدد من الجيران الذين كانوا يجلسون معه.

وأسفر الاستهداف عن استشهاد ستة أشخاص، بينهم رمزي مقداد، وخالد القطناني وابنه محمد، وأحمد مسعود، وجابر ومحمد ثابت، كما أُصيب عددٌ آخر من السكان الذين تواجدوا في المكان.

وأعادت تلك الحادثة ذكريات فاجعة ديسمبر الماضي، حينما ودّع العم أبو شادي، ثلاثة من أحفاده وها هو اليوم يودع نجله "رمزي"، متمنياً أن تنتهي الحرب، وأن يحفظ الله عز وجل، أولاده وأحفاده المتبقين، مردفًا بأسى: "يكفي ما نعيشه من مآسٍ، لقد فقدنا الكثير".

ورغم أن الفقدان ثقيل، إلا أن أبو شادي، يجد عزاءه في أن "رمزي" كان محبوبًا من الجميع، فكان فكاهياً، محبوباً، ملتزماً بالصلاة، ويدعونا دائماً للصبر والصمود على ما نعيشه من مجازر، وكان يؤمن أن النصر قريب".