لم تستطع المعلمة ختام أبو عوض أن تحتمل رؤية الأطفال في سن الروضة وهم غير قادرين على الالتحاق بالدراسة، وهي التي كانت قبل حرب الإبادة "الإسرائيلية" المستمرة لعامها الثاني على التوالي تشرف على مبادرة روضة الكترونية مجانية تهدف للوصول لكل طفل لا يستطيع والداه دفع ثمن التحاقه برياض الأطفال إيماناً منها بحق كل طفل في التعلم مهما كانت ظروفه المادية، فكيف الحال في ظل حرب إبادة لم يرحم فيها الاحتلال طفلاً ولا كبيراً، ليبقى عائق عدم توفر الانترنت لتواصل مشروعها القديم لتفكر في التحول لطريقة أخرى لخدمة الأطفال وتعليمهم في منزلها لأهل المنطقة المحيطة بها والنازحين إليها.
تغيُّر الحال
فبعد أن كانت أبو عوض مندمجة قبل الحرب الأخيرة بشكل تام في تعليم الأطفال عبر الانترنت تجتمع من خلال روضتها الالكترونية "أحباب من كل مكان" بأطفالٍ أقعدهم العوز أو المرض عن الالتحاق برياض الأطفال كأقرانهم فتقضي معهم ساعات طويلة من المرح والتعلم، تبذل جهوداً مضنية في توصيل المعلومات لفئةٍ يرى الأخصائيون التربويون أن التعليم الوجاهي هو الأكثر فعاليةً لها، لكن أبو عوض كسرت القاعدة وحققت نتائج مُرضية في تعليم هذه الفئة الكترونياً.
تقول لـ"فلسطين أون لاين" : " أحباب من كل مكان " كانت الضوء المميز في حياتي خلال خمس سنوات خلت، كرست حياتي ووقتي للأطفال ومع الأطفال عبر الشاشات الالكترونية، فكانت الأيام مليئة بالتفاؤل والحب مع الأطفال، كنا ننتظر بعضنا البعض على أحر من الجمر لقضاء وقت من الفرح والمرح والتعليم".
وبعد أن بدأت الحرب على غزة ورغم مرارة ما مرّت به أبو عوض كغيرها من أبناء الشعب الفلسطيني إلا أن افتقادها للحظات الجميلة التي كانت تقضيها مع الأطفال، وحسرتها على حالهم وهم مشردون فاقدون لبيوتهم وللأمان وكل مقومات الحياة والتعليم.
تعقب أبو عوض بالقول:" فبعد الحرب انطفأ حلم الروضة الالكترونية الجميل، وتوقفت الحياة وكل شيء جميل"، مستدركة بالقول:" بعد شهرين من اندلاع الحرب حاولت أن أستعيد طاقتي، حاولتُ مراراً رغم الخوف الكبير والفقد والنزوح أن أكون متواجدة مع الأطفال طالما لدي القدرة على إسعادهم".
فبادرت لتعليم الأطفال في كل مكان تواجدت فيه من أماكن النزوح في الخيام والبيوت والمدارس، بتطوع شخصي منها وتخفيف الضغوطات التي يعيشونها، لتلمس أن الأطفال دائمي السؤال عن كيف يمكن لهم أن يعودوا للدراسة والتعليم وأنهم ليسوا بحاجة للترفيه فقط بل "تغطية الفاقد التعليمي" أيضاً.
قرار صعب
فاعتملت في نفس أبو عوض فكرة أنْ تقوم بإنشاء مبادرة تعليمية تستهدف الأطفال في محيط سكناها لكنها كانت متخوفة بشكل كبير جداً من القرار، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية الصعبة وإمكانية حدوث طواريء أو إخلاء في أي وقت ما قد يجعل الأطفال عاجزين عن العودة لمنازلهم بشكل سريع.
لكن أبو عوض فوجئت أنه بمجرد إعلانها عن فكرة المبادرة التعليمية أنها لاقت قبولاً كبيراً لدى أهل المنطقة وأنهم أرسلوا أبناءهم للتعلم، تقول:" في البداية واجهت صعوبة بتوفير المكان، فلم يكن أمامي سوى تخصيص غرفة من منزلي لهذا الغرض".
وتضيف:" كنا نجلس أنا والأطفال في البداية على الأرض إلى أن استطعتُ توفير طاولات وكراسي مصنوعة من الخشب (...) وتستهدف مبادرتنا الأطفال من الروضة حتى الصف السادس الابتدائي".
وشيئاً فشيئاً تطورت المبادرة وأصبح هناك فريق من المعلمات المتطوعات من كافة التخصصات يعملن معها، ويزداد إقبال الأطفال على الالتحاق بالمبادرة من أهالي كانوا متخوفين من إرسال أطفالهم للمبادرة، لكنهم وجدوا أن الحرب طويلة وأن الوقت يمر دون أن يتعلم أبناءهم شيئاً مفيداَ.
وتشير أبو عوض إلى أن المبادرة تلقى دعماً من مؤسسة " أمة واحدة" التي تساعد الطلاب والمتطوعين، لافتة إلى أن هناك تحديات كبيرة تواجههم مثل صعوبة توفير القرطاسية وضيق المساحة وقلة الإضاءة لكنهم مستمرون رغم ذلك في تقديم خدماتهم التعليمية.
وأقسى ما مرّ بـ"أبو عوض" خلال هذه المبادرة استشهاد ثلاثة من الأطفال الملتحقين بها، "كانت لحظة صعبة جداً، لكنها زادت من إصراري على الاستمرار في العمل من أجل أطفال غزة الذين يستحقون كل الدعم والرعاية".
وتتابع:" من خلال "أحباب من كل مكان" أؤمن أن التعليم هو الضوء الذي يمكن أن ينير دروب أطفالنا، وسنواصل العمل لتحقيق هذا الحلم رغم كل التحديات