قائمة الموقع

بحيص لـ"فلسطين أون لاين": معركة الطُّوفان كرّست المسجد الأقصى في صدارة الوعي

2024-10-08T13:04:00+03:00

 أكد الخبير في شؤون القدس زياد ابحيص، أن عملية طوفان الأقصى كرست موقع المسجد الأقصى في صدارة الوعي الفلسطيني والعربي والإسلامي، وعنواناً لمعركة الحق الناصع الذي لا ينطمس ولا يتبدل. 

وقال بحيص في مقابلة مع فلسطين أون لاين: إن معركة الأقصى اليوم تجسد رسالتنا الخالدة للبشرية بأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه، وهي معركة تجدد الشهود الحضاري لهذه الأمة ورسالتها إلى البشرية، وهذا ما كرسه العبور العظيم في طوفان الأقصى. 

وحذّر بأن الخطر المركزي المحدق بالمسجد الأقصى اليوم هو الإحلال الديني، والذي يعني إزالة المسجد الأقصى من الوجود وتأسيس الهيكل في مكانه وعلى كامل مساحته التي يدور عليها السور، مع تبني استراتيجية تدريجية للوصول إلى هذه الغاية من خلال كبدأ التقاسم، أي تحويل هوية المسجد الأقصى المبارك من مقدس إسلامي خالص إلى مقدس مشترك تمهيداً لتغيير هويته بالكامل. 

وأشار إلى أن الاحتلال يحاول تغليف الكثير من مشاريع تغيير الهوية الدينية للمقدسات الإسلامية بقشورٍ إنسانية يتحدث فيها عن تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة مثلاً كما في مشروع المصعد في ساحة البراق وفي المسجد الإبراهيمي. 

وأكد أن حقيقة الأمر أن هذا ليس مجرد مصعد بل هي محطة تهويدية متكاملة مع تأسيس سوق مسقوف داخله وقاعات عرض مقرر تأسيسها لاحقاً، ما يجعله جزءاً من عملية التغيير العمراني الشامل للجهة الغربية للأقصى ومشروعاً حيوياً في زيادة أعداد المستوطنين الوافدين إلى ساحة البراق وزيادة أعداد مقتحمي المسجد الأقصى بالتالي خصوصاً وأن نهايته العلوية ستكون مقابلة لمدخل جسر المغاربة الذي أقامه الاحتلال لتعزيز الاقتحامات. 
  
فيما يلي نص الحوار: 

 س. تواتر الحديث عن إقامة الاحتلال قطار هوائي ومصعد كهربائي في المسجد الأقصى.. هل بدأ الاحتلال تنفيذ هذا المخطط؟

يأتي مشروع المصعد الكهربائي لساحة البراق ضمن محاولة ربط الساحة بالحي اليهودي المجاور لها والمقام على أنقاض حارة المغاربة وحارة الشرف، فساحة البراق التي نشأت عن هدم تلة المغاربة لم تكن مرتبطة بالحي الاستيطاني اليهودي المستحدث إلى الغرب منها، بل كان باب المغاربة في سور المدينة جنوباً مدخلها الوحيد، ومع تطور مشروعات تهويد القدس ما بعد طرح رؤية القدس القديمة في 2007 كان ربط الحي الاستيطاني اليهودي بساحة البراق هدفاً مركزياً، بدأ بحفريات وتأهيل لأدراج حجرية عريضة، ثم تلاه مباشرة في عام 2010 اقتراح تأسيس مصعد كهربائي مجاور، استغرقت مرحلة تخطيطه وإقراره 7 سنوات لتبدأ الحفريات التأسيسية له في 2017، وقد أعلن الاحتلال في 22-9-2024 عن انتهاء مرحلة الحفريات الاستكشافية –والتي دمر خلالها كثيراً من الآثار الإسلامية- وبدء مرحلة البناء، ما يعني في المحصلة أن المشروع قيد التطبيق منذ سبع سنوات، وانتقل الآن من مرحلة الاستكشاف الآثاري في موقع الحفر له إلى مرحلة البناء والتأهيل. 
 
س. ما طبيعة هذا المخطط التهويدي؟

يحاول الاحتلال تغليف الكثير من مشاريع تغيير الهوية الدينية للمقدسات الإسلامية بقشورٍ إنسانية يتحدث فيها عن تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة مثلاً كما في مشروع المصعد في ساحة البراق وفي المسجد الإبراهيمي، لكن حقيقة الأمر أن هذا ليس مجرد مصعد بل هي محطة تهويدية متكاملة سيكون ارتفاعها 26 متراً مع نفق للمشاة طوله 65 متراً، وستوضع فيه عربتان للمصعد سعة الواحدة منها حوالي 30 شخصاً مع تأسيس سوق مسقوف داخله وقاعات عرض مقرر تأسيسها لاحقاً، ما يجعله جزءاً من عملية التغيير العمراني الشامل للجهة الغربية للأقصى ومشروعاً حيوياً في زيادة أعداد المستوطنين الوافدين إلى ساحة البراق وزيادة أعداد مقتحمي المسجد الأقصى بالتالي خصوصاً وأن نهايته العلوية ستكون مقابلة لمدخل جسر المغاربة الذي أقامه الاحتلال لتعزيز الاقتحامات.  
 
س. ما هي المخاطر المحدقة بالمسجد لأقصى حاليا؟

الخطر المركزي المحدق بالمسجد الأقصى اليوم هو الإحلال الديني، والذي يعني إزالة المسجد الأقصى من الوجود وتأسيس الهيكل في مكانه وعلى كامل مساحته التي يدور عليها السور، مع تبني استراتيجية تدريجية للوصول إلى هذه الغاية من خلال مبدأ التقاسم، أي تحويل هوية المسجد الأقصى المبارك من مقدس إسلامي خالص إلى مقدس مشترك تمهيداً لتغيير هويته بالكامل.
 
س. كيف يسعى الاحتلال لتحقيق ذلك؟

هذا التقسيم أخذ ثلاثة أشكال حتى الآن: التقسيم الزماني، والتقسيم المكاني، والتأسيس المعنوي للهيكل. والتقسيم الزماني يعني استثمار وجود شرطة الاحتلال للأقصى لتسهيل اقتحامات المتطرفين الصهاينة ولتقييد حركة المصلين والمرابطين أو حتى منعهم من دخول المسجد وقد بدأ في 2003 بفرض اقتحامات المستوطنين أفراداً، ثم في 2006 بتحويل الاقتحامات إلى أفواج جماعية تتراوح أعدادها ما بين 15-20 في الفوج الواحد، ثم في 2008 بفرض أوقات خاصة للاقتحامات من 7-10:30 صباحاً ومن 1:30-2:30 بعد الظهر، ثم العمل على زيادة هذه الأوقات بشكل تدريجي وصولاً إلى طرح فكرة المناصفة في الأوقات والأعياد في مشروعي قانون في 2012 و2013. 

تلا ذلك التقسيم المكاني والذي استهدف قضم الساحة الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى ووقف الرباط المؤسسي في وجهه ما بين 2008-2013، ثم انتقل التركيز إلى الساحة الشرقية للأقصى في محيط مصلى باب الرحمة وقد أفشلته باب الرحمة في 2019، وإن كان التعويل على اقتطاع الجهة الشرقية للمسجد الأقصى ما زال قائماً ومستمراً. 

التجلي الأخير للتقاسم والذي يشكل محور تركيز الجهود الصهيونية اليوم هو التأسيس المعنوي للهيكل، بفرض كامل الطقوس التوراتية في الأقصى والتعامل معه وكأنه هيكل حتى وإن كانت كل أبنيته ما تزال إسلامية، وهذا أدى لتكريس الاستفراد في الساحة الشرقية للأقصى وكأنها كنيس غير معلن فيه، تقام الطقوس التوراتية فيها على مدار السنة بواقع خمسة أيامٍ في الأسبوع، وهذا ما دفع بن غفير للحديث عن ضرورة بناء كنيس للأقصى، فهو يريد تحويل الكنيس غير المسقوف الذي فُرض شرق الأقصى إلى كنيس مسقوف.
 
س. هل نجحت سياسات الاحتلال وإجراءاته في فصل الأقصى عن المدافعين عنه؟

لا بد من التمييز بين المرابطين في الأقصى الذين هم الطليعة المكانية للدفاع عن الأقصى، وما بين المدافعين عن الأقصى عموماً والذين يخوضون معركته، وإذا ما نظرنا للفئة الأولى نرى أن التضييق عليها جفف منابعها أما إذا نظرنا إلى الفئة الثانية فنجدها توسعت إلى جبهات تضم الملايين في غزة وفي جنوب لبنان وفي الضفة الغربية، وهذا أحد التغييرات الكبرى في المعادلات التي تمكن طوفان الأقصى من فرضها.
 
س. ما هي التحديات أمام أهلنا في القدس والضفة وأراضي 48 للدفاع عن الأقصى؟

لا شك أن أهلنا في القدس وفي الضفة الغربية وفي الأراضي المحتلة عام 1948 أمام تحدٍّ حقيقي بتجديد حالة الرباط دفاعاً عن الأقصى، وهي الحالة التي أثبتت التجربة التاريخية أنها لطالما تجددت وانتقلت مسؤوليتها من مركز إلى آخر لكنها لم تغِب في العموم عن الأقصى، إلا أن هناك مساراً صاعداً آخر يمضي على مستوى مختلف الجبهات هو صعود مكانة الأقصى وتوسع دائرة من يخوضون معركته، وهذه دائرة لا بد أن تمتد لتصبح عنوان تحريكٍ لجماهير الأمة الإسلامية وليس لشعب فلسطين وحده. 
 
س. هل تقوم الأوقاف الإسلامية بدورها في فضح انتهاكات الاحتلال للأقصى؟

تمكن الاحتلال بكل أسف من تهميش دور الأوقاف الأردنية في القدس إلى حد كبير، وحولها بالممارسة من الإدارة المسؤولة عن المسجد الأقصى بأسره إلى الجهة التي تدير "الحضور الإسلامي" فيه فحسب، بينما تتخذ شرطة الاحتلال معظم القرارات المصيرية المرتبطة بالأقصى وتفرضها بالقوة، وفي مواجهة ذلك ردت الأوقاف بالتمسك بالموقف المبدئي أحياناً وبالاستجابة الضمنية للشروط الصهيونية أحياناً أخرى كما في حالة منع الاعتكاف أو في الإغلاق الطويل لمصلى باب الرحمة، ولا بد اليوم من مزيج من الضغط على الأوقاف في مواضع هذه التراجعات ودعم دورها وحضورها في الأقصى بالعموم للحد من قدرة الاحتلال على تهميشها والحفاظ على موقعها ودورها بكل الأدوات الممكنة. 
 
 س. ما المطلوب فلسطينيا لتصعيد زخم الدفاع عن الأقصى؟

على مدى أربعة عقودٍ من الزمن تحول المسجد الأقصى إلى عنوان ثورات فلسطين، إذ شهد في تاريخه الحديث نحو عشر هباتٍ وانتفاضات وحروب كبرى كان المسجد الأقصى عنوانها المركزي، ومن بعد انتفاضة الأقصى 2000 ومحاولة كي الوعي الفلسطيني وتأسيس سلام اقتصادي قائم على المصالح الأنانية والهندسة الاجتماعية والرقابة العسكرية والأجهزة الأمنية للسلطة كان المسجد الأقصى العنوان الذي استعاد عناصر القوة والمقاومة في فلسطين، بدءاً من الفعل الشعبي في تجربة الحراك الشبابي الشعبي في القدس في 2013 وهبة رمضان 2014، ثم في استدعاء العمليات ذات الطابع الفردي في 2015 واجتماعهما معاً في هبة باب الأسباط 2017، وصولاً إلى التفاعل الخارجي واشتباك المقاومة من قطاع غزة وانخراط الداخل المحتل عام 1948 في تجربة حرب سيف القدس في 2021. 

أحد المستجدات الكبرى اليوم هي الكتائب المحلية في الضفة الغربية، في مخيم جنين ومخيم نورشمس ومخيم طولكرم ومخيم الفارعة وطوباس وعدد آخر من المناطق، والتي انطلقت من بعد سيف القدس لتؤسس حالة جديدة، لكنها منذ أن انطلقت في 6-9-2021 لم تحظى بحراكٍ شعبي واسع يمنحها مساحة أوسع للتحرك، وبظني أن اندفاعة شعبية في الضفة الغربية كفيلة اليوم بتجديد أشكال المقاومة ومدها بالإمكانات البشرية والمادية ومنحها الغطاء الأمني اللازم رغم كل ما حصل من هجمات على مقاومة الضفة الغربية مؤخراً.

س. ونحن نعيش الذكرى الأولى لطوفان الأقصى.. ماذا حقق الطوفان للمسجد المبارك؟

أبرز ما حققه طوفان الأقصى هو أنه كرس موقع المسجد الأقصى في صدارة الوعي الفلسطيني والعربي والإسلامي، وعنواناً لمعركة الحق الناصع الذي لا ينطمس ولا يتبدل، فنحن أمة المبادئ والقيم، والاستعمار الغربي هو هجوم القوة الغاشمة المدججة بفائض المال والجند والحديد والنار، ومعركة الأقصى اليوم تجسد رسالتنا الخالدة للبشرية بأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه، وأن الحق مطلق وأن القوة والمادة تابعة له خاضعة له، ليست هي من تنشئه بل هو من يسود عليها، معركة الأقصى اليوم تجدد الشهود الحضاري لهذه الأمة ورسالتها إلى البشرية، وهذا ما كرسه العبور العظيم في طوفان الأقصى. 
 
رد الاحتلال بالمقابل بالتمسك بالتصفية الشاملة حلاً وحيداً مطروحاً أمامنا قبل الطوفان وبعده، وتصفية هوية الأقصى هي مقدمة هذه التصفية ولذلك يجعل تغيير هويته عنوان عدوانه المتكرر، فبات الأقصى بذلك عنوان معركة الوجود التي تتجلى في غزة بحرب الإبادة وفي الضفة بمخطط التهجير وفي الخارج بتصفية حق العودة وعربياً بإلحاق النظام الرسمي العربي بعصر الهيمنة الصهيوني؛ وفي الأقصى بمحاولة تبديل هويته، جاء طوفان الأقصى ليقول بأن التصفية لن تمر، وأن عصر التحرير والمبادرة قد بدأ من وسط أوهام التصفية، وسيثبت رغم الزمن والثمن الباهظ والتضحيات الجسام أنه تمكن من فرض هذه الحقيقة، فطوفان الأقصى بداية وليس نهاية، بداية مرحلة التحرير والتراجع الصهيوني، وما كل هذا التوحش الصهيوني إلا لمعاندة هذه الحقيقة. 
 
س. ما هو المطلوب عربيا واسلاميا لتعزيز الموقف الفلسطيني في الدفاع عن الأقصى؟ 

كما أصبح الأقصى عنواناً لتثوير فلسطين، فلا بد اليوم من أن يتحول الأقصى إلى قبلة وعي الأمة وعنواناً يستنهض طاقاتها وقواها لتلتحم في معركة الأقصى من موقعها وبكل ما تملك من إمكانات، فهذا إن حصل من شأنه أن يقلب وقائع المعركة وأن يبدل موازين القوى، ولا شك أن نخب الأمة وعلمائها أمام تحدٍّ كبير اليوم يتمثل بكيفية تحقيق ذلك، وتحويل الأقصى إل عنوان وحدةٍ واجتماع صف بعد سنوات من جدران الدم والاقتتال الداخلي. 
 
س. ما هو موقع المسجد الأقصى في خارطة القوى الصهيونية؟

الأقصى بوابة التصفية ومدخلها بالنسبة للصهيونية الدينية، فهي تعد أن تصفية هوية الأقصى وتحويله إلى هيكل هي أصعب عناوين معركة التصفية، وأن حسمها يشكل بوابة لحسم ما دونها، ولذلك تركز جهودها في تغيير هوية الأقصى كبوابة للتصفية الشاملة. 

تؤمن الصهيونية الدينية في الوقت عينه، ومعها حليفتها ونظيرتها الصهيونية المسيحية الأنجليكانية في الولايات المتحدة، بأن تغيير هوية المسجد الأقصى هو البوابة الأهم لاستجلاب التدخل الإلهي الإعجازي في المعركة وفي مجرى التاريخ، وفي تعجيل مجيء المخلص، فهي تيارات مسيحانية خلاصية، ولذلك تعتبر تغيير هوية الأقصى بوابة ضرورية للانتصار في هذه الحرب لأنها حرب يرون أنها لن تحسم إلا بمعجزة إلهية، وتغيير هوية المسجد الأقصى هو بوابة استجلاب هذه المعجزة.

اخبار ذات صلة