بعد عامٍ كامل من معركةٍ فائقة التعقيد، قادتها المقاومة ضدّ المحتلين الصّهاينة بدأت بغزوة غير مسبوقة في تاريخ الصّراعات، وجَبَ علينا إجراء مراجعاتٍ دقيقة للمكاسب والخسائر، والتّخطيط لما هو آت.
لا تخضع صراعات الوجود للمراجعات الاعتيادية المعتمدة على الكم الظاهري بين المكسب والمخسر، فصراعُ الوجود تحرّكه مبادئ طبيعية بشرية في الإصرار على الحياة ومقاومة كل من يقف في وجه الحياة بكل تفاصيلها الإنسانية والمكانية والزمانية والمعنوية والروحية، فالتضحيات الجسام وسقوط عشرات الآلاف يصير في عرف أصحاب الحقوق مكسباً وليس خسارة، فالشهداء الذين اختارهم الله يتحولون إلى رصيد حيوي كبير، وتضحياتهم ليست مجرد وقائع تاريخية، بل هي رمز للصمود والتحدي والإصرار على تحقيق الأهداف النبيلة، وانطلاقاً من هذا المبدأ؛ فالضحايا يدخلون في حسابات المكسب المعنوي.
أمّا الخسائر المادية الأخرى من هدمٍ تام للمدن والبيوت والمؤسسات، وجرف الأراضي وتدمير البُنى التحتية، فلها قراءة خاصة بأدبياتنا الدينية والأخلاقية، أن الله سيعوضنا عنها خيراً. من هنا نرى نحن الفلسطينيون الخسائر في الأرواح والممتلكات مكاسب مطلقة.
في الميدان؛ لم يحقّق العدو الصهيوني شيئاً من أهدافه، على الرغم من تسخيره لأحدث الأسلحة المدمرة وكل التقنيات الحديثة التي أنتجها الغرب للقتل والإبادة، والكلُّ يشهد أنه طوال عامٍ كامل استقوى العدو على المدنيين فقط، أمّا سلاح المقاومة فكان مُعجِزاً تماماً فقد تفوقت الصناعة العسكرية الفلسطينية ذات الموارد المحدودة جداً إن لم تكن معدومة، على ترسانة الحرب الغربية بكاملها، ويمكننا القول هنا أننا نحن الفلسطينيين قد انتصرنا بالفعل بعوامل الوقت والتحكم بالميدان.
ويمكننا الآن أن نترك للخبراء العسكريين المقاومين موضوعات التقييم وحسابات الميدان، ونترك للقادة الحسابات السياسية فهم أولى بها، حيث لا يمكن لقاعد أن يفتي لمقاتل، ولكن دعوا لنا مساحةً للرأي المنطلقة في قراءة المشهد من بعيد، وبزوايا أكثر اتساعاً.
فبعد أن أثبتنا مقدرتنا الميدانية؛ هناك أسلحة غير تقليدية علينا أن نستخدمها، فكرية وإعلامية، وتكنولوجية بالدرجة الأولى، وسياسية وتعبوية وعسكرية بالدرجة الثانية.
بالنسبة للسّلاح الفكري الفلسطيني، نحتاج جميعاً: أساتذة التاريخ والجغرافيا والأديان وعلوم الاجتماع وعلماء العلوم الإنسانية، وضع خارطة علمية لمراجعات كل التزييف الذي حدث للرواية الفلسطينية الإنسانية والدينية، وكيفية الرد عليها بلغات العالم الكبرى، وهذا يحتاج إلى حراكٍ تقوده إحدى الجامعات الفلسطينية الكبرى، فهو مشروعٌ كبير له مكاسب جمة في تغيير الأفكار عند الرأي العام العالمي عن القضية الفلسطينية. عن طريق المؤتمرات العلمية واللقاءات والخطط البحثية والمؤلفات والمنشورات عالمياً.
وبالنسبة للسّلاح الإعلامي؛ فليس من العيب أن ننتهج خطة اليهود عبر التاريخ الحديث في السيطرة على وسائل الإعلام، الفلسطينيون في العالم يمتلكون النفوذ والمال الكافي للسيطرة على وسائل الإعلام الفضائية والصحافية، ولأن وسائل التواصل الاجتماعي باهظة جداً بمئات المليارات من الدولارات، فإنه تُرسم لها خطة أخرى، تعتمد على النفوذ السيبراني الذي سنتكلم عليه لاحقاً.
أما السلاح التقني السيبراني؛ فهو من أهم أسلحة العام الثاني للطوفان، فنحن لا تنقصنا الخبرة، ولا حلفائنا، وقد أشار لهذا السلاح المجاهد أبو عبيدة الناطق باسم كتائب عز الدين القسام، بدعوته لشن أكبر هجوم سيبراني ضد العدو من خبراء الحرب الإلكترونية، في كلمته بمناسبة الذكرى الأولى لانطلاق طوفان الأقصى، وهذا يعطينا فكرة عامة عن الأسلحة التي ستضاف لطوفان الأقصى في عامه الثاني، وهنا لا يتوقف الأمر على تعطيل المواقع الإلكترونية ومنظومات التّحكم والسيطرة، بل على حث المئات من (النّحل الإلكتروني) (وليس الذباب باعتبارهم جنودنا نحن) بحيث يكون الضخ المعلوماتي بالعبرية والإنجليزية للتحكم في العقل الصهيوني القابل الآن أكثر من أي وقتٍ مضى للتوجيه والتركيع.
إنّ شن حرب سيبرانية سيشكل تهديداً متزايداً على البنية التحتية الحيوية لدولة الكيان (الأوهن من بيت العنكبوت) تلك المقولة الخالدة للشهيد المجاهد حسن نصر الله، التي ثبتت صحتها في معركة طوفان الأقصى.
خلاصة القول إذن؛ إن أسلحة العام الثاني الجديدة يجب أن ترتكز على مقوماتٍ ثلاث: الفكر – الإعلام – التكنولوجيا السيبرانية. إضافة إلى تطوير الأسلحة الفلسطينية التقليدية العاملة الآن في الميدان. فالمعركة الآن هي معركة عقول.