مني جيش الاحتلال بفشل عسكري واستخباري تاريخي يوم 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023 لم تشهده دولة الاحتلال، بدءً بالفشل في توقع الهجوم رغم امتلاكه كل منظومات المراقبة من طائرات حربية واستطلاع ومراقبة وأقمار صناعية، وأبراج وثكنات عسكرية لا تغفو لحظة عن تتبع كل ما يجري في غزة، الأمر الذي يجعل نجاح الهجوم معجزة عسكرية أحدثت انتكاسة لدى جيش الاحتلال بجميع أذرعه العسكرية والاستخبارية.
وبعد أن خفض الاحتلال قواته الموجودة على السياج الفاصل مع غزة، بعد تقييم للوضع قدمه قادة فرقة غزة لرئيس أركان الاحتلال هرتسي هاليفي خلال زيارته للفرقة يوم 12 سبتمبر/أيلول 2023، وقال هاليفي حينها: إن "حماس تم ردعها لكن القوات الموجودة على الحدود مستعدة لأي حدث مفاجئ"، مثل الهجوم انتكاسة أخرى لحالة التخدير التي مارسها جيش الاحتلال معتقدا أن "حماس ضعيفة وجرى ردعها".
وبالواقع كانت الحركة تمارس عملية تضليل وخداع، جعلت قادة الاحتلال يصلون لتلك القناعة، لكنها ووفق خبراء عسكريين ومراقبين، كانت تحضر نفسها ومقاتليها بعيدا عن كل وسائل المراقبة للهجوم التاريخي الذي شارك فيه نحو 3 آلاف مقاتل، نصفهم قاموا بالهجوم والنصف الآخر قام بالإسناد عبر اطلاق قذائف الهاون والصواريخ لتثبيت مواقع الطائرات الحربية القريبة من المكان لمنع إقلاعها أو أي عملية اسناد.
وعلى مدار عدة ساعات فقد فيها جيش الاحتلال التواصل مع جنوده المتواجدين في المستوطنات المحاذية للقطاع، سادت حالة من التخبط والإرباك لدى جيش الاحتلال، ما مكن المقاومين من اقتحام المستوطنات ومراكز جيش الاحتلال وقتل وأسر مئات الضباط والجنود والمستوطنين.
وتظهر التحقيقات الإسرائيلية فشلا استخباريا كبيرا في توقع الهجوم، فكان من المفترض أن تتمركز ثلاث كتائب مشاة وكتيبة مدرعة على الحدود مع غزة الممتدة لمسافة 59 كيلومترا، ولكن شعبة العمليات بالجيش قررت السماح لنحو ثلث القوات بالذهاب إلى منازلهم، وأن مسؤولي فرقة غزة قرروا إعادة أكثر من نصف القوة الموجودة هناك إلى منازلهم خلال عطلات السبت.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، كشفت القناة 11 العبرية عن بعض نتائج تحقيقات سلاح الجو "الإسرائيلي" في الفشل يوم 7 أكتوبر، وقالت : إن "4 طائرات فقط كانت على أهبة الاستعداد وقت الهجوم ولم تنجح في فعل شيء."
وأشارت القناة العبرية إلى أن طائرة مسيرة "إسرائيلية" واحدة فقط في أجواء قطاع غزة وقت الهجوم دون أن يلاحظ أحد طبيعة الصور التي أرسلتها.
وأوضحت أن طائرات مروحية هرعت لحماية مواقع استراتيجية خارج غلاف غزة ولم تصل إلى الغلاف. وأكدت أن سلاح الجو فشل في بلورة صورة واضحة للأحداث، ومستوطني الغلاف كانت لديهم معلومات أكثر من ضباطه.
أطاحت بكبار الضباط
وأطاحت المعركة بكبار ضباط جيش الاحتلال بعد فشلهم في المعركة، بدء بالوزير بيني غانتس الذي كان يشغل منصب رئيس نائب رئيس حكمة الاحتلال في "حكومة الطوارئ"، واستقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" اللواء أهارون هاليفا، على خلفية فشله في التنبؤ بالهجوم، كذلك استقالة قائد الوحدة العسكرية (8200) البريغادير يوسي ساريئيل، بسبب مسؤوليته عن إخفاق الوحدة في إعطاء إنذار مبكر عن هجوم أكتوبر.
كما استقال قائد قيادة القوات البرية في الجيش تامير يادعي من منصبه لأسباب "غامضة" وفق الإعلام العبري، وقدم قائد فرقة غزة في الجيش العميد آفي روزنفيلد استقالته من منصبه في التاسع من يونيو/ حزيران 2024؛ بعد "فشله في مهمة حماية منطقة غلاف غزة"، واستقال المسؤول عن رسم الشؤون الاستراتيجية في "مجلس الأمن القومي الإسرائيلي" يورام حامو، على خلفية الفشل في اتخاذ قرارات سياسية بشأن قضية "اليوم التالي" للحرب على غزة.
وعبر نحو ألف مقاتل من كتائب القسام لمستوطنات غلاف غزة ونحو 25 موقعا عسكريا تابعا لفرقة غزة بجيش الاحتلال أدى الهجوم لقتل مئات الجنود وأسر العشرات منهم وإسقاط الفرقة بالكامل في أكبر فشل استخباري وعسكري وأمني على مدار تاريخ دولة الاحتلال.
سنوات من التحضير
ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد أحمد حمادة أن هجوم المقاومة في 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023، سبقه سنوات من التحضير الأرض والانفاق، والقيام بأعمال تضليل وخداع لم يتمكن جيش الاحتلال من التقاط الإشارات التي كانت تقوم بها القسام وغيرها من فصائل المقاومة.
وقال حمادة لموقع "فلسطين أون لاين" إن "جيش الاحتلال لم يكن يتوقع أن يكون هناك هجوما من مناطق محاصرة لا توجد فيها أسلحة وقوة مقابلة لقوته، واعتمد على وجود السياج الأمني والكاميرات والتكنولوجيا وأقمار صناعية وطيران مما أدى لبث روح الأمان للجيش والمجتمع الإسرائيلي وصل لحد الغرور لذلك لم تتوقع أن يهاجمها أحد".
وعد الفشل الاستخباري والعسكري الإسرائيلي نكسة كبيرة بعد سيطرة المقاومة الفلسطينية على مناطق عديدة في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، وقتل وأسر مئات الضباط والجنود واقتحام مقرات جيش الاحتلال وأجهزة المخابرات.
ويعتقد أن دولة الاحتلال لن تستطيع أن تمحو آثار النكسة الكبيرة خاصة عندما دخلت غزة وتوقعت أن هذا الاجتياح لن يستمر أكثر من أسابيع تستطيع من خلالها القضاء على حركة حماس والمقاومة وأسر قادتها السياسيين والعسكريين وصنع حكومة معينة بغزة، لكنها فوجئت بمقاومة صلبة وأنفاق عديدة.
وهذا الأمر يمثل، وفق حمادة، فشلا آخرا لأنه لم يكن لديها المعلومات الكافية حول خطوط الدفاع في غزة والبيئة المتواجدة في تلك المنطقة ومخططات الأنفاق وقدرة المقاومة على الصمود طيلة كل هذه الأيام.
وحدثت المعركة في وقت كان الاحتلال يهيئ المناخ لحدوث عمليات تطبيع كبرى مع دول عربية عديدة، والبدء بسلام اقتصادي وأن تصبح كيانا مقبولا بالمنطقة وجعل القضية الفلسطينية عبارة عن سلطة فارغة المضمون، إلا أن المقاومة وبحسب حمادة، قلبت المشهد وخلطت الأوراق من جديد ووضعت القضية الفلسطينية على السطح مرة أخرى.
وحول خسائر جيش الاحتلال، أشار إلى أنها خسرت أكثر من 750 جنديا و1800 مدرعة وآلية، مما أفقد ثقة المجتمع الإسرائيلي بدولتهم وجيشهم، خاصة مع تجديد إطلاق الصواريخ اليوم من قطاع غزة وسقوطها بـ (تل أبيب) وغوش دان، ادت لخلق مزاج عام في (إسرائيل) أن المقاومة موجودة وأن المجتمع الإسرائيلي لن يعيش بأمان.
وإضافة للهزيمة العسكرية والفشل الاستخباري في المعركة، يشير حمادة إلى أن دولة الاحتلال فقدت صورتها أمام المجتمع الدولي بعد مظاهرات عديدة اجتاحت الجامعات الامريكية وحدوث مظاهرات في جميع دول العالم وظهرت أنها دولة تمارس الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني الذي يطالب بالحرية والحياة والكريمة.