في أزقة البلدة القديمة بنابلس، عاش عبد الحكيم شاهين مطاردًا من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي وأجهزة أمن السلطة على حد سواء. لم يكن شاهين مجرد مقاوم عادي، بل كان رمزًا للصمود والمقاومة، وواجه ضغوطًا متعددة انتهت باستشهاده بعد معركة طويلة مع الاحتلال.
منذ خروجه من سجون الاحتلال في أغسطس 2023، عاد عبد الحكيم شاهين إلى المقاومة المسلحة بكل إصرار. عمل على إعادة تنظيم صفوف المقاومين في نابلس وتوحيدهم مع زملائهم في جنين وطولكرم. لكن أجهزة أمن السلطة كانت تلاحقه أيضًا، محاولة إقناعه بالاستسلام والانضمام إلى صفوفها. رفض شاهين هذا العرض، مما جعل الأجهزة الأمنية تسعى لاعتقاله أو حتى اغتياله، وهو ما حدث بالفعل في عدة محاولات، آخرها قبل استشهاده بساعات قليلة.
برز عبد الحكيم شاهين لأول مرة في المشهد المقاوم في نوفمبر 2021، عندما اعتقله جيش الاحتلال بعد محاصرته في منزله بنابلس. أثناء محاولة هروبه، أصيب برصاص قناص إسرائيلي وجرحته كلاب بوليسية تابعة للاحتلال. خضع شاهين لتحقيقات قاسية في مركز "بتاح تكفا" العسكري الإسرائيلي، وحُكم عليه بالسجن لمدة عامين. بعد الإفراج عنه، عاد إلى العمل المقاوم بشكل نشط، متحديًا الاحتلال وأجهزة أمن السلطة.
التنسيق مع المقاومين
بعد خروجه من السجن، كثّف شاهين جهوده لتوحيد صفوف المقاومة في الضفة الغربية. تمكن من التنسيق مع مجموعات مقاومة في جنين وطولكرم ونابلس، بما في ذلك "كتيبة نابلس" و"عرين الأسود"، اللتين قادتا العديد من العمليات ضد الاحتلال. كان شاهين هدفًا رئيسيًا للاحتلال الذي سعى لاعتقاله أو اغتياله، بالإضافة إلى ملاحقات أجهزة أمن السلطة التي لم تتوقف عن ملاحقته.
وفي فجر يوم استشهاده، اندلعت اشتباكات بين عبد الحكيم شاهين ورفيقه ضياء دويكات وبين قوات الاحتلال التي نصبت لهم كمائن في البلدة القديمة بنابلس. تمكن الاحتلال من استدراج المقاومين، حيث أصيب شاهين برصاصات في صدره وفخذه، وترك ينزف حتى الموت بعد أن منع جيش الاحتلال طواقم الإسعاف من الوصول إليه. احتجز الاحتلال جثمانه بعد استشهاده، ما أثار غضبًا كبيرًا بين الأهالي والمقاومة.
على الرغم من تأكيد عبد الحكيم في مقاطع فيديو نُشرت قبل استشهاده أنه لن يوجه رصاصه نحو عناصر أمن السلطة، كانت الأجهزة الأمنية تسعى وراءه باستمرار.
ونعت حركة حماس الشهيد شاهين واتهمت السلطة بمحاولات سابقة لاعتقاله أو اغتياله، مؤكدة أن هذه الملاحقات خدمت الاحتلال.
من جانبها، اتهمت عدة فصائل فلسطينية السلطة بالتنسيق مع الاحتلال ضد المقاومين، معتبرة أن ملاحقات الأجهزة الأمنية تعرقل المقاومة وتصب في مصلحة الاحتلال.
المهندس والمقاوم
وُلد عبد الحكيم شاهين في نابلس عام 1990 لأسرة متعلمة. درس هندسة الميكاترونكس في جامعة فلسطين التقنية (خضوري) وتخرج مهندسًا.
بعد تخرجه، عمل لفترة وجيزة في جهاز الدفاع المدني الفلسطيني، لكنه سرعان ما استقال وبدأ يعمل بشكل خاص.
كان شاهين معروفًا بحفظه الكامل للقرآن الكريم، وغالبًا ما كان يؤم الناس في صلاة الفجر بمسجد النصر في نابلس. إضافةً إلى نشاطه المقاوم، كانت له بصمة دينية بارزة حيث ظهر في عدة مقاطع فيديو وهو ينشد آيات قرآنية.
استشهاد عبد الحكيم شاهين كان لحظة مؤثرة في نابلس، إذ خرجت العديد من البيانات التي تندد بدور أجهزة أمن السلطة وتطالب بمحاسبة من يسهم في ملاحقة المقاومين. كما أعادت هذه الأحداث الجدل حول التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، واعتبره البعض خيانة لتضحيات الشهداء والمقاومة.