فَرَض الواقع المعيشي الصعب والدمار الذي طال البيوت والأسواق تغييرات غير مسبوقة على مفهوم الزواج وتكاليفه في قطاع غزة، حيث أصبحت المهور أقل بكثير مما كانت عليه، وتراجع شراء الذهب والملابس الفاخرة، كما لم يعد السكن المستقل أولوية لدى الكثير من الأزواج الشباب وهذا جعل الزواج في متناول اليد.
الشاب الثلاثيني أحمد جبر كان يخطط للزواج في نهاية ديسمبر الماضي، بعد أن ينتهي من تشطيب شقته، لكن اندلاع الحرب قبل شهرين من موعد الزفاف أجبره على تأجيل الفرح.
زادت الأزمة تعقيدًا بعدما تعرضت شقته لأضرار بالغة نتيجة استهداف عشوائي للمبنى السكني الذي يقطنه، واستشهد شقيق خطيبته، مما جعل فكرة الزواج مؤجلة حتى إشعار آخر.
ومع مرور قرابة العام على الحرب، قرر الخطيبان إقامة مراسم زفافهما بشكل بسيط في منزل العريس، بحضور عدد محدود من الأقارب، ودون تكاليف الحجز في صالة الأفراح أو إقامة وليمة أو حجز الكوافير أو حتى تنظيم السهرة الشبابية المعتادة.
ورغم أن الفرح لم يكن كما كانا يحلمان به، إلا أن الظروف القاهرة في غزة جعلتهما يختاران هذا الخيار، وفي نهاية المطاف دخلا قفص الزوجية دون تحمل أي تكاليف إضافية أو ديون.
يقول جبر لـ"فلسطين أون لاين": "كنا في البداية نحلم بزفاف كبير يشمل كل ما هو متوقع من عرس تقليدي، من شراء الذهب وتحضير الولائم الكبيرة، لكن عندما اندلعت الحرب، أدركنا أن أولوياتنا تغيرت، وأن الظروف لا تسمح لنا بذلك."
ورغم ضراوة الحرب، فقد تسببت في كسر الكثير من القيود الاجتماعية التي كانت تعرقل رغبة الشباب في الزواج، مثل ارتفاع المهور واشتراط الأهل توفير منزل مستقل.
هذه القيود كانت تمثل عقبات كبيرة أمام الشباب، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والحصار "الإسرائيلي" المستمر منذ عام 2007.
ومع تغير الواقع، أبدى أولياء أمور الفتيات مرونة ملحوظة تجاه المتقدمين للزواج، ومن الأمثلة على ذلك، قصة الأب أبو خليل الذي أتم مؤخراً خطبة ابنته على شاب فقد زوجته وابنتيه في الحرب الحالية.
أوضح الأب لـ"فلسطين أون لاين" أن ابنته البكر وافقت على الزواج من هذا الشاب، وتم الاتفاق على مهر رمزي فقط، مما سمح لها بشراء بعض الملابس، بالإضافة إلى خاتم ذهبي ودبلة، لتنتقل معه إلى شقة مشتركة مع أسرته التي تعيش حالياً في منزل عائلة نازحة.
وأشار الأب إلى أنه لولا الظروف الحالية، لكانت مراسم الزفاف قد تمت بشكل أكثر احتفالية، لكن الوضع الراهن حال دون ذلك.
أم إياد أبو مونة تشجعت على البحث عن عروس لابنها في ظل الظروف الحالية، لتفرح به وتدخل البهجة على قلب العائلة.
تقول أبو أمونة لـ"فلسطين أون لاين":" إن الشباب كانوا يشكون من تكاليف الزواج الباهظة التي تعرقل إتمامه، حيث يمتنع الأهل عن تقليل المهر، معتبرين أن المهر القليل ينقص من قيمة الفتاة، رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال أقلهم مهرا أكثرهم بركة."
وأضافت أبو أمونة أن ابنها قد أعد شقة بمساحة 150 متراً، ولم يتبقى سوى الدهان، إلا أن الحرب دمرت المنزل بالكامل، مما جعلهم يعيشون حالياً في خيمة.
وأشارت إلى أنها وعندما يتقدمون لأي فتاة، يتم إبلاغها بأنها ستسكن في خيمة، وهذا قد يدفع البعض للرفض والبعض الآخر لتقبل الامر.
ولفتت أم إياد إلى أن المهر قبل الحرب كان يصل إلى 5 آلاف دينار، في حين كانت تكلفة صالة الاحتفالات تتراوح بين 300 و500 دولار في المتوسط، بالإضافة إلى تكلفة الوليمة التي تتراوح أيضاً بين 300 و500 دولار في المتوسط، فضلاً عن تكاليف الكوافيرة وأجرة النقل وغيرها من النفقات.