في حجرة صغيرة داخل مدرسة تحولت لمركز إيواء وسط قطاع غزة، يلعب الرضيع أسامة القريناوي مع أقرانه، لكن خلف ضحكاته يكمن ألم فقدان والديه.
استشهدت والدته أماني خلال مجزرة إسرائيلية استهدفت مكان عملها في دير البلح، تاركةً له ذكريات مؤلمة قبل وداعها الأخير، بينما تسبب قصف طيران الاحتلال الحربي بيت والده فوق رؤوس ساكنيه، فاستشهد هو، وعمه وأخرون.
والدا أسامة عاشا حياة من المعاناة، حيث انتظرا 16 عامًا ليبصر النور، لكن الفرح جاء وسط حرب إسرائيلية لم تترك شيئًا على حاله، ليتحول إلى حزن مبكر بفقدانهما.
تقول خالة أسامة لـ"فلسطين أون لاين": إن "ولادة أسامة مثلت بصيص أمل لأماني بعد فقدان شقيقها وسلفها، لكنها حُرمت من السعادة الكاملة".
وتضيف الخالة هناء "لم تُوزّع الحلوى على أهل الحي كما كانت تتمنى، ولم تسمع زغاريد الفرح بقدومه".
وتشير إلى أن شقيقتها أماني انتقلت من منزلها في مخيم البريج إلى مخيم النصيرات لدى أقربائها كي تكون قريبة من المستشفى عندما يحين موعد ولادتها".
وتوضح أن أسامة وُلد نازحًا، دون أن ينعم بحضور والده الذي استشهد بعد عشرة أيام فقط من ولادته.
ورغم ذلك، اشترى والد أسامة كل ما يحتاجه رضيعه قبل أن يبصر النور: حفاضات بمختلف الأحجام، علب الحليب، الملابس، وحتى الألعاب التي لم يعيها بعد. لم يترك شيئًا لم يحضره له، حتى زجاجات المياه تقول هناء (36 عامًا).
تنظر الخالة إلى الطفل وتكمل وهي تذرف الدموع: "كأنهم كانوا يشعرون بأنهم سيستشهدون، فاشتروا له كل شيء".
استشهاد والد أسامة مع شقيقة ووالدته بعد أن دمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزلهم المكون من خمس طوابق في مخيم البريج نهاية العام الفائت وفق هناء.
أما الأم أماني -بحسب شقيقتها- فقد لفظت أنفاسها الأخيرة مع أخرين إثر غارة إسرائيلية استهدف مدرسة خديجة بدير البلح في تموز/يوليو الماضي، حيث كانت تعمل في رعاية أيتام الحرب، وتخرج كل يوم من الساعة الثامنة صباحًا حتى الثانية ظهرًا، وتقضي تلك الساعات في مساندة الأطفال الأيتام الذين فقدوا ذويهم في الحرب".
وتضيف الخالة هنا: "كانت أماني خفيفة الظل في أيامها الأخيرة، ووجهها كان يشع نورًا. تعامل الجميع بحنان غريب، وحتى مع طفلها كانت تتحدث بأسلوب جميل، تحاوره وكأنه شاب ناضج، وتخبره بتفاصيل يومها كاملة".
"قبل استشهاد الأم أماني كانت تصر على الهمس في إذن رضيعها بأن والدة استشهد في غارة إسرائيلية وتشير إلى شاشة الهاتف إلى أن هذه صورة والدك وعليك أن تعرفة جيدًا" توضح هناء.
وتابعت: "أماني كانت تحب الأطفال وتعمل في رعاية الأيتام، وعندما كانت تنظر إلى أسامة، كانت تشعر بأنها ستتركه وحيدًا."
تواصل الخالة هناء الآن مهمتها، وتقوم برعاية أسامة، وتعهدت بأنها ستضعه في عينيها وتوفر له كل ما يحتاجه وستبلغه عندما يكبر بأن الاحتلال قتل والديه بدم بارد.