فلسطين أون لاين

حقوقي: الاحتلال حول الصَّحفيِّين لأهداف عسكريَّة غافلاً الحماية الدَّوليَّة لهم

تقرير استهداف العاملين بمجال الإعلام الدَّوليِّ.. قتل ممنهج للرِّواية الفلسطينيَّة

...
استهداف العاملين بمجال الإعلام الدَّوليِّ.. قتل ممنهج للرِّواية الفلسطينيَّة
غزة/ يحيى اليعقوبي:

بالأمس كانت الصحفية وفاء العديني تعد آخر تقاريرها باللغة الإنجليزية عن جرائم الاحتلال المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، لكن زملائها اليوم استيقظوا على خبر أليم باستهداف وفاء وطفليها وزوجها، لتدفع الصحفية ثمن تغطية جرائم الاحتلال من دمائها وتكتب الخبر الأخير بحبر الدم.

ارتفع عدد شهداء الصحافة بقتل الاحتلال للصحفية العديني إلى 175 صحفيًا، وهو رقم لم تسجله أي دولة خلال الحروب في العصر الحديث، مما يثبت أن الاحتلال يتعمد استهداف الصحفيين بطريقة ممنهجة لمنع التغطية الصحفية.

وصعد الاحتلال في الآونة الأخيرة استهدافه للإعلاميين العاملين في حقل الإعلام الدولي، وكانت العديني أحد هؤلاء الصحفيين مما يثبت الدور المؤثر الذي لعبته في فضح انتهاكات الاحتلال والتواصل مع المجتمع الدولي.

وتعمل العديني في مجال الإعلام الدولي وهي مراسلة لموقع "ميدل إيست أي" البريطاني حيث يظهر ملفها الشخصي بالموقع توثيقها لقصص عديدة لمعاناة النازحين وقصص أخرى توثق جرائم الإبادة بحق العائلات فضلا عن استهداف الأطفال والأضرار التي أصابت البنية التعليمية والقطاع الصحي.

مسيرة حافلة

بمجرد اتصال الصحفية وعد أبو زاهر بشبكة الانترنت، حتى قفز إليها اسم زميلتها العديني وصورتها اعتقدت في البداية أنه رابط لتفاصيل تقرير صحفي أعدته الأخيرة كما جرت العادة، إلى أن دققت بالخبر الذي كان ينعى فيه العديني وأفاقت على صدمة جديدة تودع زميلتها.

تقول أبو زاهر لموقع "فلسطين أون لاين": "بدأت علاقتي بوفاء في 2019 بترجمة لغة إنجليزية وكانت تدرب فئة من الفتيات بمجال الترجمة وبدأت بالعمل معها وكانت بالنسبة لي مثال يحتذى به، قوية، صابرة، طموحة، تحب أن ترفع فلسطين لكل العالم وتوجه صوتها للخارج وتترجم الكثير من المقالات وتكتب التقارير".

تعتبر أبو زاهر استشهاد العديني "خسارة حقيقية" نظرا لقلة الصحفيين العاملين في مجال الإعلام الأجنبي، وكذلك من يمتلك مهارة العديني الملمة باللغة الإنجليزية فضلا أنها صاحبة قلم وصوت قوي.

وتعتقد أن الدور المؤثر للعديني في نشر الرواية الفلسطينية في الصحف الدولية، جعلها هدفا لجيش الاحتلال بهدف اسكات صوتها وتجفيف حبر قلمها الذي لم يتوقف عن توثيق انتهاكات الاحتلال منذ بداية الحرب.

لم تكن العديني أول العاملين بمجال الإعلام الدولي واستهدفهم جيش الاحتلال، فسبقها كوكبة من الصحفيين من بينهم رئيس مؤسسة بيت الصحافة بلال جاد الله.

كان جاد الله أشبه بسفير للصحفيين ينقل رسالتهم في كل لقاءاته مع ممثلي القنصليات الأوروبية الذين كان يستقبلهم في غزة؛ فأسس بيت "الصحافة" وجعلها نافذة مستقلة ومظلة تفرد أجنحتها لكافة الصحفيين الفلسطينيين الذين فرقتهم التجاذبات السياسية مع تراجع دور نقابتهم، وفتح أبواب بيته الإعلامي لخدمة الصحفيين وتطوير مهاراتهم وجعله منبرًا للتفاعل مع قضايا فلسطينية عديدة.

مثل الصحفي بلال جاد الله (45 عاما) واجهة لقطاع غزة، يرافق الوفود الأوروبية الزائرة لغزة خلال فعاليات افتتاح مشاريع أو لتنظيم جولات تفقدية لمشاريع قائمة، يكرس معظم وقته في نقل الوضع العام في قطاع غزة ويقد، بجعلهم يتعايشون عن كثب فكان له الأثر الكبير في تمويل العديد من المشاريع الأخرى وفتح أفاق تعاون جديدة، فمثل أحد الواجهات الإعلامية المعروفة لممثلي القنصليات.

مساء 6 نوفمبر/ تشرين ثاني 2023 كتب جاد الله آخر منشوراته على صفحته على "فيسبوك" ينعى فيه زميله الصحفي في نفس المؤسسة محمد الجاجةالذي استشهد في قصف إسرائيلي، فكتب راثيا له "كان محمد نموذجا للأخلاق والمهنية، وكان خير من يكتب باللغة الإنجليزية عن معاناة شعبه للإعلام الدولي".

لم يكن يدرك جاد الله أن الاحتلال يريد إغلاق باب "بيت الصحافة" عن التواصل مع الأوروبيين، بقتل مفتاح التواصل فاستهدف بشكل مباشر مساء 19نوفمبر/ تشرين ثاني من الشهر ذاته أثناء قيادته سيارته في طريقه للنزوح من مدينة غزة نحو جنوب القطاع الذي أدعى الاحتلال أنه "ممر آمن"، بعد أسبوعين من منشوره الأخير الذي نعى فيه "الجاجة" ونُعي جاد الله من صحفيين فلسطينيين ودوليين ومؤسسات حقوقية عديدة.

صمت وتخاذل

"يا وحدنا" أدرك الصحفي محمد الجاجة بمنشور اختصره بكلمة ممزوجة بطعم القهر والحزن على حال أبناء شعبه، حجم الصمت الدولي والتخاذل على جرائم الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء شعبه حينما نشر آخر منشور له على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في تاريخ 4 فبراير، تشرين ثاني 2023.

لم يدرك الجاجة أنه سيكون الهدف التالي لجيش الاحتلال، ولم يدرك أن الإعلام الدولي الذي خاطبه باللغة الإنجليزية عبر سنوات عديدة سينحاز للجلاد ويترك رواية الضحية ويمنع إيصالها للرأي العام الدولي.

عمل الجاجة في مؤسسة بيت الصحافة لحرية الإعلام، وكان يجيد الترجمة للغة الإنجليزية ويخاطب الأجانب ويعرفهم على تفاصيل ما يجري من أحداث في قطاع غزة خلال الحروب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.

ويؤكد رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" د. صلاح عبد العاطي، أنه منذ بداية حرب الإبادة الجماعية والعدوان الإسرائيلي على القطاع، تعمد الاحتلال استهداف الصحفيين والصحفيات ووسائل الإعلام الفلسطيني إجمالاً لمنع التغطية وحجب الحقيقة وضمان وقف عمليات توثيق جرائم الإبادة وفضحها أمام المجتمع الدولي لما لذلك العمل من قيمة في مستوى التوثيق بمتابعة مستمرة على المستوى الدولي لفضح تلك الجرائم.

وقال عبد العاطي لـ "موقع فلسطين أون لاين": إن "جيش الاحتلال حوّل الصحفيين لأهداف عسكرية غافلا الحماية التي منحتها قواعد القانون الدولي الإنساني للصحفيين ووفرت حماية خاصة لهم، لا سيما أحكام اتفاقية جنيف ومواثيق حقوق الإنسان وتنكر لها الاحتلال وتعمد استهداف الصحفيين وعائلاتهم بتدمير المؤسسات الصحفية واستهداف 175 صحفيا آخرهم الصحفية وفاء العديني التي تعمل بالمجال الدولي".

وأشار إلى أن جيش الاحتلال قتل عددا من الصحفيين الذين يعملون بمجال الإعلام الدولي لمنع هؤلاء من التواصل مع المجتمع الدولي ووقف نشر الحقيقة بعد انهيار السردية الإسرائيلية أمام مشاهد المجازر والإبادة الجماعية.

وأكد أن الاحتلال يرتكب جرائم إبادة وجرائم حرب بحق الصحفيين والمدنيين عموما مما يتطلب تدخلا حاسما من المجتمع الدولي، مشددا، أن هذا العجز سمح للاحتلال بمواصلة استهداف الصحفيين ولا بد من فرض عقوبات على الاحتلال وطرده من الأمم المتحدة ومحاكمته أمام الجنايات الدولية.