استنفرت سلطة النقد الفلسطينية خلال الأسبوع الجاري طواقمها، لإجراء جولات تفتيشية وزيارات على البنوك العاملة في السوق ومحال الصرافة الخاضعة لرقابتها، بسبب تطورات غير مسبوقة في أسواق الصرف.
تزامن ذلك مع ارتفاع في الطلب المحلي على الذهب، وبالتحديد المعدن الأصفر المصنع لأغراض الاستثمار، مثل الأونصة والليرة الذهبية.
فمنذ أكثر من أسبوع، تشتري محال صرافة عاملة في الضفة الغربية النقد الأجنبي (الدولار الأمريكي والدينار الأردني)، بأسعار تفوق الهوامش المسموح التحرك فيها، مقارنة مع أسعار الشاشة الصادرة عن "بنك إسرائيل" (المركزي).
والشيكل هو العملة الرئيسة في السوق الفلسطينية، إلى جانب الدولار الأمريكي والدينار الأردني، واليورو الأوروبي بنسبة أقل.
وكانت محال صرافة تشتري الدولار والدينار الأردني من المتعاملين بأسعار مرتفعة، وهي في عرف صناعة الفوركس، تعتبر مقدمة لظهور سوق موازية لأسعار تداول العملات.
وانتشر في الضفة الغربية سعرا صرف، الأول الذي تقدمه البنوك العاملة في السوق المحلية المرتبط بتحركات الشيكل أمام العملات الأخرى، والثاني قيام بعض محال صرافة بتداول العملات بهامش مرتفع.
وبينما أعلنت سلطة النقد الفلسطينية بيانين منفصلين حول إجراءات قامت بها لمنع محال الصرافة من تداول العملات بهوامش تفوق الحدود المسموح بها، إلا أنها لم تذكر أسباب فروقات أسعار الصرف.
ووفق مصادر مصرفية فإن هناك عدة أسباب اجتمعت في آن واحد ضغطت على وفرة النقد الأجنبي في أسواق الضفة الغربية، وزيادة الطلب عليه.
أولاً، غلق المعابر بين الأردن وفلسطين لمدة أسبوعين تقريباً، بعد مقتل ثلاثة إسرائيليين على معبر "اللنبي" الإسرائيلي، من قبل مواطن أردني، إذ تعد الأردن مصدراً للدينار والدولار في الضفة الغربية.
وفي السوق الفلسطينية، تنشط 5 بنوك أردنية من أصل 13 عاملة، وهي: البنك العربي، البنك الأهلي الأردني، بنك الإسكان، بنك الأردن، بنك القاهرة عمان.
بينما السبب الثاني، كان عمليات طلب على الدولار من فلسطينيين في الضفة الغربية وفلسطينيي الداخل (عرب إسرائيل)، بعد أن كشفت صحيفة غلوبس المختصة بالاقتصاد الإسرائيلي، مقترحا بين يدي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن مقترح لسحب فئة 200 شيكل (54 دولار) من الأسواق.
السبب في مقترح سحب الورقة - الفئة النقدية الأكبر في إسرائيل - أنها تسهل عمليات غسل الأموال بسبب ارتفاع قيمتها، وهو تصرف قام به البنك المركزي الأوروبي قبل سنوات، عندما بدأ بإلغاء ورقة 500 يورو.
وأصدر "بنك إسرائيل" أول تعليق علني على المقترح، وقال إنه "سيقدم موقفه المهني بشأن مثل هذه الخطوة إذا نشأت للمناقشة".
وأوضح أنه "بموجب القانون فإن سلطة إلغاء الأوراق النقدية تقع على عاتق المحافظ.. حتى الآن لم يتم تقديم مبرر مهني قوي بما فيه الكفاية لإلغاء هذه الورقة النقدية".
أمام هذه المعلومات، بدأ متعاملون بمن فيهم شريحة من فلسطينيي الداخل تبيع فئة 200 شيكل في أسواق الضفة الغربية، وشراء الدولار وفي مناسبات أقل "الذهب"، وهو ما يبرر ارتفاع الطلب على الذهب.
بينما هناك سبب ثالث ثانوي، مرتبط بخوض إسرائيل حربين على غزة ولبنان، وهو ما أذكى الإشاعات على منصات التواصل، بضرورة التخلي عن الشيكل.
كل ما سبق أدى إلى قيام بعض البنوك بتحديد سقوف السحب النقدي بالعملات الأجنبية، ودفع سلطة النقد الفلسطينية إلى التدخل لإعادة ضبط السوق.
وفي 24 سبتمبر/أيلول الجاري حذرت سلطة النقد شركات ومحال الصرافة من التلاعب بسعر صرف العملات، وأصدرت تعليمات يتم بموجبها تحديد هامش بين سعر البيع للعملة والسعر السائد لشرائها على الشاشات العالمية بواقع 200 نقطة أساس كحد أقصى.
وشملت التعليمات تنظيم عمليات بيع وشراء العملات الرئيسية المتداولة في السوق الفلسطيني (الدولار، الدينار، الشيكل)، وحظرت بموجب التعليمات تنفيذ عمليات وصفقات تفوق قيمتها 20 ألف دولار أو ما يعادلها بالعملات الأخرى.
وأكدت سلطة النقد أنها ستتخذ إجراءات صارمة بحق الصرافين المخالفين لهذه التعليمات، والتي تشمل إغلاق محلات الصرافة غير الملتزمة وصولا إلى سحب تراخيصها إن لزم الأمر ذلك.
كما أكدت عدم صحة الأخبار بشأن إيقاف الجانب الإسرائيلي التعامل بفئة 200 شيكل، مؤكدة أن لا مخاوف من استمرار حيازة والتعامل بهذه الورقة.