فلسطين أون لاين

​التعلّق بالماديات

...
صورة تعبيرية
بقلم / نجلاء السكافي

يحدُث غالبًا أن نتمنى الحصول على شيء ما لدرجة التعلّق، وكلما بدأت تتيسر الدروب للوصول إليه وأصبحَ قاب قوسين أو أدنى لا يتم، وأضرب مثالا على ذلك فيما يتعلق بالفتيات على سبيل الفكاهة، فاللواتي يكن يتمنين الزواج ويحلمن به ويُفكرن بالأمر طويلًا يتأخر حصولهن عليه لسنين عديدة، واللواتي لا يفكرن بالأمرِ إطلاقًا يخطبن ويتزوجن بسهولة.

في الحقيقة، إنني أدرك تمامًا جانب النصيب والقضاء والقدر والمكتوب، وأؤمن جيدًا بحكمة الله البالغة في تأخير وتقديم وتسهيل وتعسير الأمور، لكنني أتحدث عن جانب محدد يتخصص بـ"التعلّق بالأشياء المادية" من جانب نفسي مدروس، بحيث يقول علم النفس أنه كلما زاد ارتباطك وتعلقك بأمور مادية كلما قلت إمكانية حصولك عليها!

والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة، لا تختص بمثال الزواج فقط، وإنما تتعدى إلى كل الماديات وأقصد بها أنها عكس الروحانيات، فالزواج، الأصدقاء، النجاح، السفر، الحصول على سيارة، شراء هاتف محمول، امتلاك مبلغ من المال والعديد من الأمور المادية، ولا يرتبط هذا بالطموح والسعي للأفضل لأن التعلّق بشدة بأمرٍ يعني أن تربط سعادتك وراحتك بها هي فقط.

ويبدو الأمر تمامًا كأقطاب المغناطيس المتشابهة التي كلما اقتربت منها أكثر كلما تنافرت عنها بقوةٍ أكبر، ويحضرني هنا حديث أمي ذات مرة عن "الرضا" وهو قاعدة جميلة وذات صلة قوية بموضوع التعلّق، حيث إنها أخبرتني ألا أرى الجمال في الأشياء طالما لم أتملكها وطالما هي بيدِ غيري، فإذا ما حصلت عليها أرى حينها كل مميزاتها.

وهنا يتجلى مفهوم الرضا فإذا رضيت أحببت نفسي كيفما كانت وبأي حال بدت عليه وإذا لم أرضَ فلن أرى الجمال إلا لدى الآخرين.

بالعودة إلى نقطة التعلّق، فإن علم النفس يُفسر حالة الارتباط بالأشياء هذه بأن الدماغ البشري إذا وجد إصرارا شديدا من المرء ورغبة جامحة وتعلُّقا قويا إزاء شيء محدد فإنه يوقف سعادته إلى أن يتحقق ذلك؛ ما يدعه يُعاني دائمًا من توتر وقلق مستمر يُصاحبه عدم الشعور براحة بال ويفقده لذة الأشياء الممتعة من حوله، وإذا ما حصل على مبتغاه يشعر بسعادة بسيطة ثم تختفي، وربما إذا حصل عليه يجده شيئا عاديا ثم يبدأ التعلّق بأمر آخر وتستمر الكرة في دورانها ويزداد الصراع ولن يستطيع إشباع رغباته أبدًا.

لوهلة يبدو الأمر صعبا للغاية ومعقدا، وقد يجده بعض الناس مرضا ويحتاج لعلاج، لكنه أبسط من ذلك بكثير فبشكل منطقي بعيدًا عن الأساليب العلمية والأبحاث والدراسات فإن النفس البشرية كما درسنا في المدرسة مذ كنا صغارًا تتكون من روح وجسد ولا يجوز تغليب أي منهما على الآخر لتبقى كفتا الميزان متساويتين وحتى لا ترجح إحداهما على الأخرى فنشعر بعدم الاتزان ونلهث وراء الفراغ.

إذن، بدايةً عليك معرفة أن المرء الذي يتعلّق بالماديات هو شخص يُعاني من نقص معين ويحاول إكماله كالذي يرتبط بالروحانيات تمامًا وينسى أنه مخلوق من طين يُصيب ويخطئ ولن يصل مراتب الملائكة مهما تخلى عن حاجاته المادية؛ لذلك لا داعي لتسألني: وهل نحن كاملون؟ فكل البشر لو أجمعوا قوتهم في رجلٍ واحد لن يحصلوا على درجة الكمال.

إلى هنا نحن نتفق على أن الذي يتشبث بالماديات يُعاني من نقصٍ ما ويُحاول تعويضه بأي شكل من الأشكال المادية التي سردت أمثلة عديدة في بداية مقالي، وإذا ما اتفقنا على ذلك فإننا نصل إلى المفتاح الذي يحل هذه المشكلة وهو أنك كلما وجدت منك تعلّقا كبيرا بالأشياء المادية وتخرج من معركة تحصيل أمر إلى التشبث بآخر ما يكلفك جهدا وأرقا ووقتا جديدا عليك إدراك أن الأمر يعني رجاحة كفة المادة على الروح.

ومن هنا يتطلب ذلك منك إعادة بسيطة لحساباتك بشكل هادئ ومتزن ستجد حينها أن تعلُّقك بالماديات جاء نتيجة انحرافك قليلًا عن الارتباط المباشر بالخالق وهو الله "عزّ وجل", وذلك لا يعني الالتزام بالفروض فقط التي يوجبها علينا دين كلٍ منّا على اختلاف أدياننا، وانما تعزيز ذلك بالأعمال التطوعية التي تشعرك برُقي نفسك وسمو ذاتك لما هو أفضل وأبهى وأجمل.