"اعتقلني جيش الاحتلال من داخل مكان عملي في معبر (كرم أبو سالم)، ثم اقتادني إلى مكان مجهول، وهناك ألبسوني ملابس عسكرية ووضعوا كاميرا فوق رأسي، وطلبوا مني الدخول إلى منازل المواطنين في رفح"، كانت هذه جزء من رواية الأسير المحرر عبد الفتاح سعد حول استخدامه "درعًا بشريًا".
وروي سعد لمراسل "فلسطين أون لاين" بأن جنديًا "إسرائيليًا" يتحدث اللغة العربية "المكسرة" طلب منه ارتداء ملابس وخوذة الجيش والسير نحو عشرات المنازل في إحدى المناطق السكنية بمدينة رفح.
ووجد الأسير ذاته مجبورًا على تنفيذ طلب جنود الاحتلال، وبدأ بالدخول إلى المنازل التي حددها الجنود له في اليوم الأول من اعتقاله.
ولم يستخدم جيش الاحتلال الأسير "سعد" وحده درعًا بشريًا بل استخدم معه أسرى آخرين كدروع بشرية لـ32 يومًا.
و"الدروع البشرية": مصطلح عسكري يعني استخدام مجموعة من المدنيين أو العسكريين، بهدف حماية وحدات قتالية معينة أو منشآت حساسة في وقت الحرب، وذلك بنشرهم حولها لوضع الخصم أمام حرج أخلاقي يمنعه من استهدافهم.
ويذكر أنه "أخطر ما مر به هو دخوله لمنزل أحد المواطنين برفح مرتديًا ملابس جيش الاحتلال، وتعرضه لقذيفة أطلقها عناصر المقاومة الفلسطينية في المنطقة".
كما يذكر مشهدًا آخر لاستخدامه "درعًا بشريًا"، حينما أطلق جندي "إسرائيلي" النار عليه خلال انتهائه من تفتيش أحد المنازل وإصابته برصاصة في ظهره خرجت من أعلى صدره.
وحول ذلك اليوم يقول سعد: "انتهيت من تفتيش أحد المنازل وعندي وصولي لمكان الجنود أطلق أحدهم النار علي، ولم أفيق إلا وأنا على سرير مكبل اليدين والقدمين، وأمام جنود مدججين بالسلاح".
وأفرج جيش الاحتلال عن سعد بعد اعتقال دام 4 شهور (إبريل/ نيسان – يوليو/ تموز) بحاصة صحية سيئة نقل على إثرها لمجمع ناصر الطبي لإكمال علاجه.
و"سعد" واحد من عشرات المواطنين الذين استخدمهم جيش الاحتلال "دروعًا بشرية"، وفقاً لإفادات وثقها معد التحقيق مع أسرى محررين، وأكدتها جهات حقوقية فلسطينية و"إسرائيلية".
ويتم استخدام أشكال مختلفة من "الدروع البشرية"، كاستخدام رهائن أمام قوات متقدمة لمنع الخصم من التصدي لها، وهذا السلوك يستخدمه الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
غير قانوني
الناطق باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر هشام مهنا، أكد استخدام جيش الاحتلال أسرى من غزة "دروعًا بشرية"، لكن رفض الإفصاح عن أي معلومات لتعارض ذلك مع السياسات العامة للمنظمة الدولية.
وشدد على أن استخدام المدنيين كـ"دروع بشرية" خلال القتال هو "محرم بالقانون الدولي".
ويحظر القانون الإنساني الدولي، وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، استخدام الدروع البشرية والهجمات العشوائية التي تتسبب في مقتل وإصابة وتدمير أعداد غير متناسبة من المدنيين.
ولا تستطيع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وفق مهنا، الكشف عن هوية فلسطينيين استخدمهم جيش الاحتلال كدروع بشرية خلال القتال بغزة إلا بعد الحصول على موافقة منهم من أجل الحفاظ على حياتهم.
تفتيش المستشفيات
مسعود منصور مواطن آخر اعتقله جيش الاحتلال من منزله فبراير/ شباط الماضي خلال عملياته البرية غرب مدينة خان يونس.
واقتاد جنود الاحتلال منصور وشقيقه وأحد جيرانه وفق إفادته لمراسل "فلسطين أون لاين" إلى مقر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني الرئيس في خان يونس، وهناك قام الجنود بتوجيه أوامر لهم بضرورة دخول غرف المستشفى داخل مقر الجمعية.
وأفاد منصور بأن جنود الاحتلال "هددونا بالقتل معا إذا رفضنا تنفيذ الأوامر".
وكانت مهمة "منصور" تفتيش جميع غرف مستشفى الهلال الأحمر ومرافقه، والعودة للجنود بين فترة وأخرى، وتنفيذ مهام أخرى من خلال الدخول في بئر المياه، وحفر خطوط شركة الاتصالات.
ولم يكتف جيش الاحتلال باستخدامه ومن معه "دروع بشرية" داخل مستشفى الهلال الأحمر، بل اقتاده لاحقًا إلى مجمع ناصر الطبي لتنفيذ مهام أخرى أيضًا.
وداخل مجمع ناصر الطبي، وجد الأسير نفسه مطلوب منه أيضا الدخول إلى غرف المجمع وتفتيشها مع تعريض حياته للخطر والموت بأي وقت.
وإلى جانب شهادات "سعد" و"منصور"، بثت قناة الجزيرة يونيو/ حزيران الماضي، مشاهد حصرية لاستخدام الاحتلال أسرى من غزة دروعاً بشرية في عملية البحث عن المتفجرات والأنفاق.
وتظهر المقاطع أسيرين وقد ربط على أحدهما كاميرا مراقبة، وهما يتجولان في بنايات سكنية بغرض استكشاف المكان، بينما يتحصن الجنود داخل دباباتهم.
كما تظهر الصور ربط أسرى بحبالٍ وإجبارهم على الدخول إلى نفق، فيما يسمع صوت أحد الأسرى يستنجد بالمقاومة.
وبحسب تلك المشاهد، شوهدت جثث لفلسطينيين قتلهم الاحتلال في أكثر من مكان، كما تظهر الصور استخدام جيش الاحتلال لأسير جريح درع بشري وإجباره على دخول منازل مدمرة في غزة.
وسبق أن وثقت منظمة "بتسليم" الإسرائيلية الحقوقية استخدام جيش الاحتلال فلسطينيين كـ "دروع بشرية"، وأمرهم بتنفيذ أعمال عسكرية محفوفة بمخاطر حقيقية على حياتهم.
وتوثق "بتسليم" عبر موقعها الإلكتروني، أن الجيش أجبر مواطنين فلسطينيين على إزالة أجسام مشبوهة من الشارع، وعلى مناداة فلسطينيين مطلوبين ليخرجوا من بيوتهم لاعتقالهم، وعلى الوقوف "سواتر" يختبئ وراءها الجنود أثناء إطلاق النيران، وغير ذلك.
دخول الأنفاق
حكيم صاحب حساب عبر موقع "تويتر"، نشر تفاصيل صادمة حول استخدامه من قبل جيش الاحتلال "درعًا بشرية".
وذكر "حكيم" قيام جنود الاحتلال بوضع "حزام متفجر حول جسدي، وكاميرا فوق رأسي .. وأدخلونا إلى نفق للمقاومة .. كنت أفكر بالموت في كل لحظة داخل هذا النفق، ولكن بعد دقائق قام الجندي بسحبي بالحبل".
وأفاد بأن جنود الاحتلال أطلقوا سراحه بعد "أوقات عصيبة من استخدامه كدرع بشرية داخل أحد الأنفاق في غزة".
وتحظر القوانين الدولية استخدام أشكال الدروع البشرية خلال الصراعات والحروب، بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949، وتعد المحكمة الجنائية الدولية ونظام روما الأساسي استخدام الدروع البشرية جريمة حرب.
ويمنع البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف (المادة 7) منعًا كليًا استخدام الدروع البشرية خاصة الأسرى، كما أن اتفاقية جنيف لعام 1929 تُلزم الطرف المسيطر على الجبهة بإخلاء أسراه في أسرع وقت ممكن وإبعادهم عن جبهات القتال، ومن ضمن الأسباب الكامنة وراء هذا الإلزام الخوف من استخدام الأسرى دروعا بشرية.
ويفرض القانون الدولي الإنساني على أطراف النزاع المسلح أنْ تميز بين المدنيين والعسكريين، وبين المشاركين في القتال وغيرهم بموجب مبدأ التناسب.
ومن هذا المنطلق يفرض القانون الدولي حماية الأسرى والمصابين لأنهم لم يعودوا طرفا في القتال، لكن الاحتلال يخترق هذا التصنيف بشكل فج، إذ قام مرات عدة باستخدام أسرى مصابين بجروح دروعا بشرية.
ويعد حماية المدنيين أحد أسس القانون الدولي الإنساني، ومن ثم تحظر مجموعة متنوعة من القوانين استخدام الدروع البشرية بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949، كما تعد المحكمة الجنائية الدولية ونظام روما الأساسي استخدام الدروع البشرية جريمة حرب.