بات من الواضح أن هناك بطئًا وتلكؤًا، كما يرى مراقبون ومتابعون، من قبل السلطة في تنفيذ اتفاق المصالحة الذي وقعته حركتا فتح وحماس في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري برعاية وضمانة مصرية، إذ تتجه أنظار المواطنين في القطاع نحو قيام السلطة بإلغاء العقوبات التي فرضتها على القطاع قبل ستة أشهر، وتقديم مؤشرات إيجابية على نيتها الالتزام ببنود اتفاق المصالحة.
وتثير بعض التصريحات من مسؤولين بالسلطة وقيادات فتحاوية، استغراب هؤلاء المراقبين والمتابعين، والتي قد تقود إلى توتير أجواء تنفيذ اتفاق المصالحة أو حتى عرقلته.
القيادي في حركة فتح عبد الحميد المصري والمقرب من النائب محمد دحلان يقول: "إن التلكؤ الشديد في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين حماس وفتح في القاهرة، سببه تلكؤ عباس في تنفيذ الاتفاق، ما أشعر الناس بالملل وتكرار مسلسل فشل المصالحة".
ويعتقد المصري في حديثه مع صحيفة "فلسطين" أن عباس كان مجبرًا على المصالحة وأنه يتلكأ في تنفيذ الاتفاق كنوع من أنواع عدم الرضا عما تم في القاهرة يوم الخميس الماضي، متوقعًا أن يكون هناك تلكؤ شديد في التنفيذ من قِبله.
وحول الدور المصري في حسم المسائل والإسراع في تنفيذ اتفاق المصالحة، رأى القيادي الفتحاوي أن الكرة في ملعب الضامن المصري لتنفيذ الاتفاق حتى تنتهي ما وصفها "بالمهزلة"، خاصة أنه لم يتم تغيير أي شيء بخصوص أزمة الكهرباء ولا الموظفين ولا العقوبات التي فرضت منذ ستة أشهر على القطاع من قبل السلطة.
وأشار إلى وعود السلطة السابقة بأنها ستقوم برفع العقوبات عن غزة إذا قامت حركة حماس بحل اللجنة الإدارية، مبينا أن هذا الموضوع كان يجب أن ينتهي في اللحظة التي أعلنت فيها حركة حماس حل اللجنة الإدارية.
وأعلنت حركة حماس عن حل اللجنة الإدارية في غزة في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي في أثناء مباحثات أجرتها قيادة الحركة مع مسؤولين مصريين.
وشدد المصري على ضرورة أن تمارس السلطة صلاحياتها ومسؤولياتها فورا ودون تأخير، متمما: "على السلطة ألا تنتظر أن تعود حماس عن الاتفاق، فحماس لن تعود عنه لأنها قدمت خطوة وطنية جريئة في اتجاه تحقيق الوحدة الوطنية، والمسؤولية أصبحت على كاهل السلطة ويجب أن تقوم بمسؤولياتها كاملة تجاه القطاع".
إلا أنه ذكر أن السلطة لن تستطيع التراجع أيضا ولكن تتلكأ في التنفيذ، محذرا من عدم المصداقية في تنفيذ اتفاق المصالحة، "نتيجة حسابات خاصة لمسؤولين بالسلطة".
وعن أدوات الضغط بيد المسؤولين المصريين، بين أن لدى مصر أدوات ضغط يجب أن تمارس على كل من يتلكأ في تنفيذ اتفاق المصالحة، أبرزها بأن تقوم بفتح معبر رفح وإنشاء منطقة تبادل تجاري مع غزة، ورفع الحصار عن القطاع، باعتبار أنها ستكون خطوة ضاغطة لتولي السلطة لمسؤولياتها ورسالة للجميع أن القطاع ليس يتيمًا وبأنه أمن قومي مصري.
ضغط مصري
ويتوافق رأي الخبير المصري في الشؤون العربية والدولية سيد خلاف مع كلام سابقه، مؤكدًا أن جهاز المخابرات العامة المصرية لن يسمح لرئيس السلطة محمود عباس أو لفتح بالتلاعب باتفاق المصالحة.
وقال خلاف لصحيفة "فلسطين": "هناك ضمانات قدمتها مصر لحماس لتنفيذ الاتفاق، وهناك ضغوط مصرية مورست على عباس لتنفيذه"، مؤكدًا أن المصالحة الفلسطينية هي الخيار المصري الوحيد، للم الشمل الفلسطيني، في محاولة لإحياء عملية التسوية في الشرق الأوسط، كما قال.
وتابع: "مصر تريد أن تحافظ على أمنها الحدودي مع القطاع، وتسعى لرفع الحصار المفروض على القطاع نتيجة معاناة الفلسطينيين"، مشددا على أهمية الأمن القومي بالنسبة لمصر، وأن بلاده جادة وحريصة على تنفيذ اتفاق المصالحة بشكل كامل.
وتوقع خلاف أن يتم تحقيق الاتفاق على الأرض من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات للمجلس الوطني، وانتخابات تشريعية ورئاسية، قائلا: "لن يجرؤ عباس وغيره على التراجع عن الاتفاق، خاصة أنه وقع برعاية مصرية، ومصر جادة بتنفيذه في ظل وجود تأييد دولي له".
وأشار إلى وجود ضغوط كثيرة على عباس للالتزام بالاتفاق، لافتا إلى أن مصر تدير عملية التسوية السياسية "بشكل استراتيجي يخدم مصالح المنطقة والأمن القومي والحقوق والثوابت الفلسطينية".
تباطؤ مقصود
من جانبه، انتقد فريح أبو مدين، وزير العدل في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، تباطؤ السلطة في تنفيذ اتفاق المصالحة، داعيا إلى تطعيم مجلس الوزراء بشخصيات من القطاع، كي يكونوا قادرين على اتخاذ القرارات بشكل آني.
وقال أبو مدين لصحيفة "فلسطين": "القرار الحقيقي الذي يجب أن يتم، هو إزالة العقوبات المفروضة على غزة، وهذا يجب أن يسبق كل شيء بخصوص اتفاق المصالحة".
وأعرب عن استغرابه من البطء الذي وصفه بالمميت والقاتل للمصالحة، في ظل الحالة الصعبة التي يعيشها سكان القطاع.
وشدد أبو مدين على ضرورة أن يكون هناك رأي عامّ في القطاع، وخاصة من أبناء فتح، نحو التحرك مع بقية الفصائل، داعيا حركة حماس إلى وقف العمل بكل الدوائر الحكومية عدا دوائر الصحة والتعليم ودعوة السلطة لاستلام مهامها.
وأشار أبو مدين إلى أن رئيس المخابرات المصرية خالد فوزي طلب من عباس مؤخرا الإسراع في تنفيذ اتفاق المصالحة، موضحا أن الدور المصري هو الضاغط الوحيد على السلطة لتنفيذ الاتفاق الذي ينهي ما يزيد على عشر سنوات من الانقسام الفلسطيني.