قائمة الموقع

محمد وسمية .. شهادةٌ أكبر وسفرٌ تغيّر مساره

2024-09-02T13:02:00+03:00

سرعان ما تلاشت ملامح الفرح التي رسمتها وجوه الأطفال لين (10 سنوات) وشقيقيها الأصغر مريم (8 سنوات) وعزيز (4 سنوات) وتغيّرت لهفة الشوق لعناق والدهم الصحفي محمد عبد ربه، عندما وصلوا المقبرة صباح الأربعاء 28 آب/ أغسطس 2024 فلم يكن والدهم يفرد ذراعيه لاستقبالهم كما فعل قبلها بيوم. لم يستوعب الأطفال صدمة رؤية قبر حديث الإنشاء مكتوب عليه ورقة تحمل اسم والدهم وعمتهم "سمية".

بنظرات لم تتحمل مشهد رحيل والدهم الذي كانوا في زيارته قبلها بيوم وأمضوا معه لحظات عائلية جميلة رسمت الفرح على وجوه الأطفال رغم ظروف الحرب، كانت قلوبهم أصغر من حمل ثقل نبأ كهذا، جلس ثلاثتهم رفقة أمهم على القبر يقرأون الفاتحة على روحه، ويطرحون أسئلة "كيف استشهد أبي!؟".

الساعة العاشرة والنصف من مساء الثلاثاء الموافق 27 آب/ أغسطس، كان محمد (35 عامًا) يجلس على فرشته بينما تتصفح شقيقته سمية (32 عاما) هاتفها المحمول، في شقة سكنية في الطابق الرابع بمول "أبو دلال" بمخيم النصيرات بمحافظة الوسطى، قبل لحظات من استهداف الشقة بصاروخ من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي استشهدا على إثرها، بينما كانت زوجته واطفاله في زيارة لعائلتها في دير البلح فنجوا من الجريمة.

داخل مستشفى شهداء الأقصى وقبل الدفن، تجمع صحفيون وأفراد من العائلة على جثمان محمد وألقوا نظرة الوداع الأخيرة، ووضعوا درعًا صحفيًا يذكّرون العالم بجريمة استهداف الصحفيين الفلسطينيين، لم تتخيل زوجته "كفاح" أن تقف هذا المشهد، وتكمل محطة النزوح بعيدًا عن منزلهم في شمال القطاع بلا زوجها محمد، فضلت العائلة أن تبعد أطفاله عن مشاهدة والدهم مسجى بدمائه يلفه الكفن وأن تكون الزيارة الأخيرة قبلها بيومهم آخر استقر في ذاكرتهم.

صورة لم تشفِ القلب

أما شقيقه عثمان ووالده الأكاديمي د. عبد الفتاح عبد ربه، المتواجدين في منزلهم بشمال القطاع فحرموا من نظرة الوداع وعناق الشهيدين محمد وسمية، واكتفوا برؤية المشهد السابق عبر فيديو أرسل لهم عبر الإنترنت.

ترك محمد المكنى "أبو عزيز"، بحسب شقيقه عثمان، بصمته الواضحة في ميادين العمل، نال شهادة البكالوريس والماجستير بدرجة (الأول على الدفعة) متفوقًا على أبناء دفعاته الأكاديميّة، عمل موظفًا حكوميًا، ومحاضرًا جامعيًا، وصحفيًا، ومهندسًا في (الأونروا)، ولم "يترك بابًا للعمل والرزق، إلا وقد نال منه حظًا وخبرةً طويلة". يقول شقيقه عثمان لموقع "فلسطين أون لاين"

كان محمد شديد الاهتمام بحسن التربية والتعليم لأبنائه، وهذا كان له أثر في ثباتهم وصبرهم عند رحيل أبيهم، إيمانًا وتسليمًا بقضاء الله، وقد عزّ عليهم الفراق.

عن شخصيته الاجتماعية، يفتح شقيقه قلبه "صداقاته ومعارفه غير محدودة المكان والزمان، قد عرفوه صغيرًا وكبيرًا بشخصيّة محوريّة في إتقان العمل، يقدّم وقته وجهده في خدمة الوطن، مع أنّه عاش ظروفًا اجتماعية صعبة، وفقرًا محدودًا، لكن لم يمنعه ذلك من التفرغ للغير، ولو على نفسه وعائلته الكريمة". 

لدى محمد العديد من البحوث العلمية المنشورة في مجلات دولية كألمانيا وأمريكا، وهو حاصل على درجة الماجستير في العلوم البيئية من الجامعة الاسلامية وكان الاول على ابناء دفعته ودرس البكالوريوس نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد في الكلية الجامعية وكان الاول ع دفعته. وفق شقيقه 

يصفه شقيقه بأنه مهذب، مؤمن زاهد، خفيف الظل، كان شخصًا ذكيًا جدًا لدرجة أنّ خبراته فاقت العادة، ترك بصماته الواضحة في ميادين العمل الرسميّة/الشخصيّة، "كان معلما لنا ومرشدا، يحبه الجميع، الجار والصديق والزملاء وكل من عمل معه".

‎حلم العودة

كان  محمد على موعدٍ مع الموت بغارة إسرائيليّة ليلة 27 أغسطس/آب مع شقيقته سميّة، وقد أدّى واجباته وحقوقه، حائرًا متعبًا من الحرب، حالمًا بالعودة إلى شمال غزّة وحارته القديمة، افتقده الأصدقاء والأحباب والزّملاء الصحفيّون، و"عزاؤنا الوحيد سيرته الطيّبة وبصماته الواضحة، وسيبقى حيًا في قلوبنا، رحمه الله". بكلمات ممزوجة بالألم يردف شقيقه.

أما شقيقته سمية فهي من مواليد 1992، الناشطة الصحفيّة، تفرغت للعمل الإغاثي والخيري في حرب غزة عبر فريقها في غزة التابع لـ(مؤسسة بيت المقدس الخيريّة) ومقرها القدس، فكانت "سمية الخير" كما وصفها شقيقتها،  

كانت سمية تقدّم وقتها وجهدها لخدمة الفقراء، وخاصةً لخدمة مرضى "السرطان"، حيث أخذت عهدًا على نفسها بخدمتهم بعد وفاة والدتها قبل عامين إثر مرض عضال، والتي تعلّقت جدًا بها، ولم تكن تستنكف عن حزنها الدائم، وعطاياها المستمرّة عن روحها الطاهرة. 

درست سمية الإعلام في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، فهي تنحدر من أسرة صحافيّة، وقد شارفت على نيل شهادة البكالوريوس، لكن استكماله يتطلب مناقشة مشروع تخرجها في الحرب بعنوان: "اعتماد الجمهور الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات خلال حرب الإبادة الجماعية على غزة عام (2023-2024)"، ولم يكتب له النور بسبب الموت.

‎عاشت سميّة ظروفًا اجتماعية معقّدة، ومعاناة نفسيّة إثر وفاة والدتها، وأخيرًا تشرّدها برفقة إخوتها جنوبًا في مسلسل النزوح، كانت تحبّ الحياة والخروج من أجواء الحرب ، فرغبت السّفر والاستقرار في الخارج خلال الحرب، لكن لم يحالفها الحظ بعد إغلاق معبر رفح قبل يومٍ واحدٍ من موعد سفرها المحدد، لكن لم تفقد أملها، وظلّت تنتظر فتح المعبر مجددًا، لكن سبقها الموت. 

لم يتخلَ محمد عن طموح إكمال دراسة الدكتواره بالخارج، كما لم تتخلَ سمية عن حلمها بالسفر، فكان الموت أسرع بالوصول إليهم من الحلمين، فتغير مسار سفر سمية نحو العلياء، وحصل محمد على شهادة أكبر.

 

اخبار ذات صلة