هنا الحياة يشتد عودها ويفتل ساعدها وتكبر فتية عصية على الكسر، هنا الإبداع يقتات من الروح، فلا دوي القنابل يوقفه ولا أزيز الرصاص مسموح له أن يحول دون الشغف.
هنا غزة، الحلم الذي يتتلمذ ويهندم ياقته ويقف محاذيًا مرفوع الرأس ناهض الصدر.
هنا هشام! على مقربة من خطوط النار يسكن، بعد فقدانه بيته، صنع له والده قبوًا من فرح، علقوا عليه وشاح المحطة الأخيرة في الصعود تخال الركن الذي يسكنه أنه قلعة.
من داخل مركز إيواء "بنات الصبرة"، بشمال غزة، يجلس الطفل هشام أبو عاصي (12عامًا)، على طاولة مهترئة وكرسي متواضع، يعمل على صناعة المجسمات الكرتونية والورقية لينمي موهبته بأدواته البسيطة.
ويقول هشام لـ "فلسطين أون لاين"، إنني "بدأت صناعة الألعاب والمجسمات الكرتونية والورقية منذ نعومة أظفاري، حينما كنت أشاهد شقيقي الأكبر "سهيل"، يعمل على صناعتها بأدوات بسيطة، لكنها تطورت بشكل لافت خلال فترة نزوحي في مدرسة "بنات الصبرة".
والمبدع هشام، طالب في الصف السادس الابتدائي، ظهرت موهبته في بداية مرحلة الدراسة، وتطورت خلال مرحلة النزوح، حيث استطاع تحويل مخلفات الكرتون والورق إلى ألعاب يعشقها جميع الأطفال مثل: الطائرات بجميع أنواعها والسيارات والشاحنات والمنازل والمناشير الكهربائية والميداليات بجميع الحروف والأشكال.
ويضيف، "موهبتي صنع الألعاب والمجسمات الكرتونية والورقية، والتي أحلم أن تكون حقيقية في يوم من الأيام في سبيل خدمة ديني ووطني وقضيتي".
وأوضح أبو عاصي، أنه يبيع المجسمات التي يقوم بصناعتها للأطفال بأسعار رمزية داخل مدرسة "بنات الصبرة"، التي ينزح وأسرته فيها بعد تدمير طائرات الاحتلال لمنزلهم الجديد، وتهجير اثنين من أشقائه إلى جنوب قطاع غزة، بسبب حالة النزوح القسرية.
يتابع: "في ظل الحرب الشرسة على قطاع غزة، قررت أن أكون جزءًا من الحدث، فأصبحت أجسد كل شخصية أو شكل خيالي يخطر على بالي من خلال قصاصات الورق والكرتون".
وأشار هشام، إلى أن مبالغ المجسمات والأشكال التي يبيعها يقوم بتحويلها لوالدته التي بدورها تقوم بشراء الاحتياجات اللازمة ومتطلبات أعماله وأشغاله، لافتًا إلى أن طموحه فتح محل باسم "هشامكو" لبيع الألعاب والهدايا.
من ناحيته، قال السيد أبو سهيل، والد الطفل "هشام"، "إنني وفور علمي بموهبة "هشام"، قمت بدعمه ومساعدته معنويًا وماديًا وتوفير ما يلزم لعمل المجسمات والأشكال مثل: الأدوات الهندسية والكاوي والصمغ والألوان والبويا والسيلكون والخرز والكثير من الاحتياجات لتعزيز عمل "هشام" في سبيل تنمية موهبته وهوايته".
وأضاف، أبو عاصي، لـ "فلسطين أون لاين"، أن هشام يعاني من مرض مزمن منذ صغره، حيث يعاني من "تليف كيسي على الرئتين وشلل في الأهداب"، ما يؤثر عليه سلبًا في بعض الأحيان، لكن الله عوضه خيرًا بهذه الموهبة الجميلة.
يتابع: تم بيع أعمال "هشام" بـ 200 شيقل في "مزاد" بمعرض أقامه مركز إيواء "بنات الصبرة"، حيث رعت المدرسة الإبداع والتميز كما يقول هشام ووالده.
ودعا أبو عاصي، المؤسسات الأهلية والدولية ومؤسسات المجتمع المدني للاهتمام برعاية مواهب الأطفال وتنمية قدراتهم العقلية والنفسية لخدمة وطنهم وقضيتهم.
من جهته، قال مدير مركز إيواء "بنات الصبرة" عبد الله السبتي، "نحن أمام جيل واعد وصاعد فترى حبه للحياة وشغفه للعيش ولا حدود لطموحه، ولولا الظروف التي نمر بها لرأيتهم يزاحمون عظماء العالم في كل الميادين".
وأضاف السبتي، لـ "فلسطين أون لاين"، أن إدارة المدرسة ساعدت على تنمية الموهبة لدى "هشام" من خلال تقديم بعض من القرطاسية والألوان، بهدف تشجيعه وتنمية موهبته.
وأوضح، أن الفتى "هشام"، عند حضوره إلى مركز الإيواء استطاع بناء علاقات جيدة مع العديد من الأطفال والتأثير عليهم وخلق بيئة من الفرح من بعض أعماله وأشغاله، التي نالت إعجاب جميع النازحين بالمدرسة وخارجها.
وأشار السبتي، إلى أن إدارة المدرسة أقامت معرضًا لأعمال الأطفال وبيع أعمالهم في "مزاد" من باب تشجيعهم وتنمية موهبتهم وإبداعاتهم.
وشدد، على ضرورة اختلاط هذه المواهب بالعالم الخارجي خاصة العربي والإسلامي، لإمكانية التقدم بهذه الموهبة وتبني إبداعاتهم وصرف مكافأة مالية لهم وخلق جيل مبدع، يستطع تمثيل وطنه في المحافل العربية والدولية.
ترى كم "هشام" في مدرسة الصبرة، ممكن أن يكون رسامًا أو خطاطًا أو رئيس دولة أو رائد فضاء؟، وكم من يد ممكن أن تقدم لأجل أن يرى النور هشامات جدد!
ويشهد قطاع غزة منذ أكثر من 350 يومًا حرب إبادة شرسة، من قبل الاحتلال الإسرائيلي راح ضحيتها أكثر من 40 ألف شهيد نصفهم من الأطفال والنساء، و100 ألف إصابة وتدمير البنية التحتية والمنظومة الصحية وانتشار واسع للأمراض.