قائمة الموقع

هل صارت الحرب خلف ظهر أهالي غزة؟

2024-08-31T20:31:00+03:00
هل صارت الحرب خلف ظهر أهالي غزة؟

وخاب فعل إسرائيل، وخابت حساباتها في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، وخابت سياسة الضغط، والمزيد من الضغط التي اعتمدتها قيادة الصهاينة، طوال أحد عشرة شهراً من العدوان على غزة، فقد تأقلم أهل غزة مع الحرب، وراحوا يرتبون أيامهم وحياتهم ضمن معطيات الواقع القائم، غير مبالين بالقصف والموت والدمار والمحرقة الصهيونية.

لقد بدأ طلاب الجامعات في غزة دراستهم عن طريق النت، وباستثناء الكليات العملية، التي أجلت ساعات الدراسة، فقد استأنفت بقية الكليات والجامعات النظرية الدراسة، ويسجل الطلاب ساعات العمل، ويمارسون القراءة تحت القصف، ويتقدمون للامتحانات بين القذائف الصاروخية، حتى أن بعض طلاب الجامعات قد استشهدوا، وهم يتقدمون للامتحانات وسط التجمعات الشبابية التي تتحلق في المناطق التي يتواجد بها النت، لقد استشهدوا، وهم يتقدمون للامتحانات الجامعية.

وقد بدأ طلاب الثانوية العامة الدراسة مبكراً، وبدأ بعد المدرسين يعطون دروساً خصوصية عبر النت، ودروس وجاهة مرة أو اثنتين في الأٍسبوع، رغم الدمار، ورغم انقطاع المياه والكهرباء، ورغم الأوضاع الأمنية المضطربة، والأحوال المعيشية الصعبة.

وبدء بعض المدرسين في تنظيم حلقات دراسية لطلاب المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، في عملية تحد، وانطلاق حياة في وجه الموت الإسرائيلي.

أما التجار فهم يمارسون حياتهم الربحية بلا توقف، وقد وفرت لهم الحرب طرقاً ووسائل ربح لم تخطر على بالهم، لقد استأسدوا على الناس، وتحكموا بالأسعار دون رقيب أو حسيب أو متابع، وهذه فرصة اغتناء سريعة، وهؤلاء لا تشغلهم الحرب، ولا يعملون لقصف الطائرات حساب، فالمال يشغلهم عن التفكير بالموت.

أما بحصوص المزارعين، فمن تمكن منهم أن يزرع أرضه، وتوفرت لديه الطاقة، ومصادر المياه، فقد اغتنى دون أن يدري، فأسعار الخضروات لم تخطر على بالهم، وما كان سعره 2 شيكل للكيلو، صار سعره 18 شيكل للكيلو، فقد جاءت الفرصة الذهبية لأولئك المزارعين، في الوقت الذي حرم فيه الكثير من المزارعين والفلاحين والمشتغلين في الأرض من ممارسة حرفتهم بفعل العدوان الإسرائيلي المتواصل على أرضهم، وبحكم نزوحهم عن بيوتهم وأرضهم الزراعية.

وقد استأنفت المحاكم الشرعية في غزة أعمالها، وإن كان ذلك في أكشاك على الطرقات والشوارع التي نزح إليها الناس، فعقود الزواج والطلاق وما يشابه ذلك، تجري إلى مستقر لها، ولم تتوقف حياة الناس في هذا الشأن.

وهناك الباعة المتجولون، وأصحاب البسطات على الطرقات، ويكاد أن يشكل هؤلاء الأغلبية العظمى من المهن، فهم كثر، ولاسيما بعد اضمحلال وظيفة سائق سيارة أجرة، والاستعاضة عنها بالكارة التي يجرها حمار، وذلك بعد انقطاع الوقود.

وقد يكون الموظفون في حكومة غزة، وحكومة رام الله هم الأكثر تضرراً في هذه الحرب، فالرواتب التي تصل من رام الله بعد خصم 20%، يصير الخصم عليها 20% أخرى لسماسرة البنوك، أولئك الذين استغلوا زحمة البنك الوحيد العامل في قطاع غزة، واستغلوا انقطاع السيولة، فراحوا يصرفون للموظف جزءاً من راتبة بنسية خصم تصل إلى 20% من قيمة الراتب، أما موظفو غزة، فما زالت حكومة غزة تصرف لموظفيها ما يزيد قليلاً عن ألف شيكل شهرياً.

في المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي، بدأت البلديات في العمل لتوفير المياه للناس، وتسليك مجاري الصرف الصحي التي دمرها الاحتلال، في عمل مضنٍ، يدلل على التحدي والإرادة الصلبة.

المستشفيات والعيادات في غزة تعج بالمرضى، والأطباء لا يتوقفون عن العمل، والأسواق في خان يونس تكاد تكون كيوم الحشر من كثرة الناس الغارقين في البحث عن أرخص الأسعار، ولاسيما بعد ان صار سعر كيلو البندورة 5 دولارات، وهكذا صار سعر كيلو الخيار والبطاطس، والسبب يرجع إلى دخول دبابات العدو إلى المناطق الزراعية بين خان يونس ورفح، مما أدى إلى انحباس المياه، وجفاف المزروعات.

في غزة هناك الأغلبية من الناس لا تمتلك قوت يومها، ولا دخل لهم، ولا مورد رزق، ولا مدخرات لديهم، وهؤلاء وحدوا ضالتهم المعيشية من خلال الجمعيات الخيرية، ومن خلال الأونروا، ومن خلال من يقدمون وجبات الطعام الساخنة، وهؤلاء المحتاجون يفتشون عن مصادر المياه، ويصطفون في الطوابير، وكل ما يشغلهم توفير لقمة الخبز، وشربة الماء، وأخر ما يجول في خاطرهم، وآخر ما يشغلهم الدبابات الإسرائيلية، وأين وصلت، وأين تقدمت، ولا ينتبهون لدوي الطائرات الإسرائيلية، ولا أين تحلق، ولا من ستقصف، فهم مشغلون بدوي البحث عن لقمة العيش.

هذه هي غزة التي ترفض أن تموت، وتصر على البقاء، ومهما كانت الحياة صعبة، فالناس في غزة من طينة تختلف عن بقية البشر، الناس في غزة تصنع يومها بالأمل، وتفترش ليلها بغدٍ بخلو من الوجود الإسرائيلي الذي لا يحمل لأهل غزة غير الجوع والخراب، وتلال من العذاب.

اخبار ذات صلة