كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بالنسبة للمراقبين والمتابعين باتت أحد أهم المعادلات العسكرية في المنطقة، يضع جيش الاحتلال الإسرائيلي وقيادته السياسة المجهر عليها بشكل دائم، يرقبون تطورها المتصاعد ويخشون من تعاظم قدرتها العسكرية.
وبات من الواضح أن كتائب القسام التي بدأت سلسلة عملياتها مع بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت في 8 ديسمبر/ كانون أول عام 1987، بوسائل قتالية بسيطة، ثم انتقلت إلى بداية التسعينيات بالعمليات الفدائية وإطلاق النار التي قادها الشهيد عماد عقل، ثم عمليات التفجير التي قادها الشهيد المهندس يحيى عياش، تشكل تهديدًا حقيقيًا على جيش الاحتلال.
بعد ذلك دخلت القسام مرحلة مهمة في الانتفاضة الثانية عام 2000، من خلال تصنيع صواريخ القسام التي كانت بمدى قصير استهدفت من خلاله مستوطنات الاحتلال في غزة، وكان استشهاد قائد القسام الشهيد صلاح شحادة من النقاط الفارقة في تاريخ الكتائب، الذي اغتالته طائرات الاحتلال في 22 يوليو/ تموز 2002.
ولكن محمد الضيف حمل لواء قيادة القسام من بعده ونمت قوة القسام تحت قيادته، إلى أن سببت قوتها في طرد جيش الاحتلال ومستوطنيه من القطاع والانسحاب من غزة عام 2005، وبعد ذلك أسرت الكتائب الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، واحتفظت به أكثر من خمسة أعوام وأفرجت عنه عام 2011 مقابل إفراج الاحتلال عن قرابة 1027 أسيرًا فلسطينيًا.
وتصدت كتائب القسام مع فصائل المقاومة في غزة لثلاثة حروب إسرائيلية كبيرة (معركة الفرقان عام 2008)، و(معركة حجارة السجيل عام 2012)، ( ومعركة العصف المأكول عام 2014)، وكان من أبرز الشخصيات التي اغتيلت من كتائب القسام خلال الحروب الثلاثة هو اغتيال قائد أركان المقاومة أحمد الجعبري في 14 نوفمبر/ تشرين ثاني 2012، والذي كان اغتياله سببًا لاندلاع المعركة.
وفي الثلاثة حروب استخدمت الكتائب أسلحة دروع مختلفة وصواريخ بمديات قصيرة ومتوسطة، ظهرت في أقصى مدى لها خلال معركة العصف المأكول عندما ضربت حيفا التي تبعد عن غزة 160 كيلو متر.
ونفذت عمليات خلف خطوط العدو في قاعدة زيكيم البحرية شمال القطاع، وموقع ناحل عوز شرق غزة، وموقع أبو مطبيق العسكري شرق المحافظة الوسطى، وموقع صوفا شرق رفح، وموقع 16 شرق محافظة الشمال، ولم تفصح القسام حتى الآن بمدى خسائر الاحتلال الحقيقية في هذه الاقتحامات.
واستخدمت المقاومة خلال العصف المأكول صواريخ M75، وصواريخ J80-90، وصاروخ R160 الذي ضرب حيفا، وصاروخ S55، وقذائف الهاون، وراجمات صواريخ 107، وغراد والكاتيوشا.
وتمتلك المقاومة في غزة صواريخ موجهة ضد الدبابات والمدرعات منها قاذف: كونكرس، كورنيت، وفونيكس، الفاغوت، والتاندوم، وقاذف RPG وقاذف RPG29 ، SDG9 كما لديها صواريخ سام 7 المضاد للطائرات.
وكان نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، قال خلال تشييع جنازة سبعة شهداء من أبناء القسام استشهدوا بانهيار نفق في 29 يناير/ كانون ثاني الماضي إن "قوة القسام أضعافا مضاعفة عن قوتها في العصف المأكول".
وفي الذكرى الأولى للعصف المأكول أعلنت القسام عن دخول صاروخين جديدين للخدمة لديها، يحملان مواصفات متطورة، الأول: صاروخ من نوع "شمالة" ويحمل الرمز "SH" تيمنًا بالقائد الشهيد محمد أبو شمالة، والثاني: صاروخ من نوع "عطّار" ويحمل الرمز "A" تيمنًا بالقائد الشهيد رائد العطار، اللذين اغتالتهما طائرات الاحتلال في 21 آب/ أغسطس 2014م.
تطور
الخبير العسكري اللواء المتقاعد واصف عريقات يقول "إن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ قرابة أحد عشر عامًا، وسيطرة جيش الاحتلال الجوية والبحرية والبرية، لا يعطي أجواء مريحة للتدريب ولا يعطي المقاومة في غزة إمكانية تصنيع وإنتاج بمواصفات قياسية عالمية".
وأضاف عريقات لصحيفة "فلسطين": إن ما طورته المقاومة استغل بشكل جيد، وكانت أسلحتها فعالة"، موضحًا، أن ميزان القوة بين المقاومة وجيش الاحتلال مختل لصالح الاحتلال.
وبحسب عريقات، "فإن الصراع صراع إرادة؛ مقاتل فلسطيني يمتلك الحق أمام جندي إسرائيلي محتل، وهذا الأمر يعطي المقاوم قوة في مواجهة القوة الهائلة الإسرائيلية".
وأشار إلى أن المقاومة في غزة تحولت من الدفاع السلبي إلى الإيجابي ومن ثم لعمليات خلف خطوط العدو أرهقت الاحتلال الإسرائيلي، وردعته وبرهنت لقيادة الاحتلال أن هناك مقاومة فلسطينية لديها عزيمة وإصرار على التصدي وعدم الخنوع له.
وفي ظل قيادة احتلالية تدير ظهرها لأي تسوية سياسية، يرى عريقات أنه من الطبيعي أن تكون المقاومة قادرة على الدفاع عن نفسها وردع جيش الاحتلال، وعدم تمكينه من تحقيق عامل الأمن والاستقرار بل والتأثير على برامجه.
ووفق الخبير العسكري، فإن ما يميز المقاومة في غزة هي الحاضنة الشعبية والقرار الفلسطيني بالصمود والتصدي إضافة إلى إرادة المقاتلين، وهذه العوامل مكنت المقاومة من الوقوف في وجه العدوان وعدم قيامه بتحقيق أهدافه.
وبشأن حفاظ المقاومة على أسرارها العسكرية، قال عريقات إنه "يحسب للمقاومة أنها لم تخترق من قِبل الاحتلال، الذي يمتلك إمكانيات متطورة جدًا بالبحر والجو إضافة إلى العملاء على الأرض، ولكن مع كل هذه الأمور تمكنت المقاومة من الحفاظ على السرية وعدم إفشاء المعلومات".
وأكمل فيما يتعلق بمدى قوة ورقة جنود الاحتلال المفقودين في غزة التي تحتفظ بهم كتائب القسام، بأنه سلاح من أقوى الأسلحة في يد القسام، مبينًا أن قيادة المقاومة في غزة تتطلع لتنفيذ المزيد من عمليات خطف الجنود.
معركة عقول
في حين، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي جلال أبو رمانة أن استخبارات الاحتلال الإسرائيلي تنظر إلى قطاع غزة كتحدي حقيقي لم تستطع إزالته في حروبها الماضية مع غزة.
وقال أبو رمانة لصحيفة "فلسطين": إن تقارير الاحتلال الإسرائيلي الأخيرة تشير إلى أن المقاومة في غزة تعظم من إمكانياتها وتشير إلى أن المعركة أصبحت معركة عقول، خاصة حول الأسلحة الثلاثة التي تطورها المقاومة وهي الأنفاق التي شكلت تحديًا حقيقيًا خطيرًا وأصبحت تكنولوجيا قائمة بذاتها، والصواريخ، والطائرات بدون طيار.
ومن الممكن أن يضع الاحتلال، وفق المختص في الشأن الإسرائيلي، البدائل والحلول السياسية نتيجة الخوف من غزة ومقاومتها كوساطة تركيا مثلاً، ليكون اعترافًا ضمنيًا بعجز الاحتلال الإسرائيلي وتراجع المشروع "الصهيوني" وتآكل قوة الردع الإسرائيلية.
إلا أن الخطورة في الأمر، وفق أبو رمانة، أن غزة ليست الجبهة الوحيدة التي تشكل خطرًا على الاحتلال بل يمكن أن تندلع المواجهة مع حزب الله اللبناني لأسباب مختلفة في أي وقت.
غير أنه أشار إلى أن الحرب الأخيرة على القطاع عام 2014م التي استمرت 51 يومًا هي الأطول في تاريخ الصراع العربي مع الاحتلال، لافتًا إلى أن الكثير من الخبراء اعتبروها أخطر من حرب أكتوبر عام 1973م بين الجيش المصري وجيش الاحتلال.
وذلك بالرغم من أن حرب أكتوبر شكلت مفترقًا في تاريخ الصراع وجعلت دولة الاحتلال تدرك أنها ليست كما كانت عام 1967م، موضحًا أن الاحتلال في العدوان الأخير مع غزة أراد التأكد من مدى قدرة صواريخ المقاومة.
وقال "اتضح أن الاحتلال لم يكن لديه معلومات مؤكدة حول صواريخ المقاومة"، مشيرًا إلى أن المقاومة قدمت في العصف المأكول تكنولوجيا عالية.
وأكمل فيما يتعلق بالأنفاق، أن خطورتها بالنسبة للاحتلال هو دخول مئات المقاتلين من غزة إلى عمق الاحتلال داخل الأراضي المحتلة عام 1948، إن احتدمت أي معركة، والذهاب بدون إياب وخوض حرب الشوارع في المدن الفلسطينية المحتلة، وقد يصلون إلى عسقلان وبئر السبع وتخوم "تل أبيب".
والاحتلال الإسرائيلي، حسبما يؤكد أبو رمانة، في خطورة وتهديد دائمين، وأن غزة تشكل رأس حربة لهذا الشعور بالخطورة، مبينًا أن الاحتلال ينظر للقسام كجيش نظامي، وينظر لحماس أنها تشكل خطرًا وجوديًا عليه.