فلسطين أون لاين

خاص الخبير أبو زيد: الاحتلال يفشل استراتيجيًا في غزة والمقاومة تهاجم وتدافع باستبسال

...
غزة، عمان / علي البطة

أكد الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد، أن الاحتلال الإسرائيلي يفشل استراتيجيًا في قطاع غزة، ولحقت به خسائر فادحة أمام المقاومة التي تغير تكتيكاتها وتقاتل معها الأرض في أكبر ملحمة وصمود في التاريخ الحديث.

 ويرى أبو زيد في مقابلة مع "فلسطين أون لاين"  أن المقاومة نجحت بجر قوات الاحتلال إلى قتال طويل، الأمر الذي يشير إلى أنها تدرك أن العقيدة القتالية للاحتلال لا تسمح له للقتال لفترات طويلة، وأن كل الحروب التي خاصها الاحتلال كان يبني الرؤية العملياتية للقتال لفترات لم تتجاوز في مجملها أيام قتال، وكان أطولها قبل طوفان الأقصى حصار بيروت.

يضاف إلى ذلك -حسب أبو زيد- أن قوات الاحتلال وقعت في عدة أخطاء تكتيكية، حيث قاتلت قتالًا تقليديًا في معركة غير تقليدية بالإضافة إلى الافراط بالقوة النارية منذ بداية الهجوم العسكري؛ لأنها دخلت العملية العسكرية بمنطق المنتصر ما يشير إلى حسابات استخبارية خاطئة بنيت عليها تقديرات العمليات ما وضع الاحتلال امام مشاكل تتعلق بالخسائر والامداد اللوجستي ونقص الذخائر خاصة ذخائر المدفعية 158 ملم والدبابات 122ملم.

فشل استراتيجي

وأكد أبو زيد أن الاحتلال بعد 319 يومًا لم يحقق أيًا من الأهداف التي وضعها المستوى السياسي لا هو نجح في القضاء على حماس ولا تجريد المقاومة من قدراتها العسكرية ولا خلق واقعا أمنيا جديدا في غزة ولا حرر الأسرى، مشيرا إلى أن الاحتلال قد يكون حقق بعض النجاحات التكتيكية لكنه فشلا استراتيجيا.

ورأى أبو زيد أن الاحتلال يتبع خطة تضليل إعلامي واضحة موجهة للشارع الاسرائيلي وبروباغاندا يحاول من خلالها مخاطبة الغرب إلا أن هذا الخطاب الإعلامي فشل؛ نتيجة تفوق المقاومة إعلاميا في مشهد يمكن وصفه بأننا أمام معركة إعلامية الاحتلال بات فيها يتموضع خلف الإعلام الدفاعي، والمقاومة تتبع أسلوب الإعلام الهجومي.

ودلل على ذلك أنه كلما خرج الناطق باسم المقاومة أبو عبيدة يخرج بعده الناطق باسم جيش الاحتلال يفسر ويبرر ما يصدر من خطاب للمقاومة.

وفي ضوء المجازر التي يرتكبها الاحتلال قال الخبير العسكري: إن الخيارات باتت ضيقة أمام قوات الاحتلال ولم يعد لديه القدرة على إنتاج بنك أهداف عملياتي لذلك تحول من استراتيجية تحقيق الأهداف إلى الانتقام ما يفسر الجرائم التي يرتكبها تجاه المدنيين في محاولة للعب على وتر الحاضنة الشعبية للمقاومة.

وشدد على أن هذا التكتيك فشل أمام صمود أهالي غزة الأسطوري، واستخدم الاحتلال القنابل الغبية غير الموجهة مثل GBU بمختلف أنواعها والتي تم تزويده بها من الولايات المتحدة لاستخدامها ضد الأنفاق؛ إلاّ أن هذا النوع من القنابل يحدث تدميرا كبيرا ويقتل الأفراد في دائرة قطرها 100م ما يفسر حجم الخسائر في صفوف المدنيين في مجزرة الفجر التي حدثت قبل أسابيع شمال غزة.

أداء المقاومة

وحول أداء المقاومة قال الخبير الاستراتيجي، إن المقاومة درست الاحتلال بشكل جيد وتعرف الخطوة التالية للاحتلال ما يفسر نجاحها في إيقاع خسائر كبيرة في آليات وأفراد جيش الاحتلال.

وأشار إلى أن القيادة والسيطرة لدى المقاومة لاتزال متماسكة بعد 319 يوما، ويشير تنوع خيارات المقاومة في العمليات العسكرية بين المواجهة المباشرة وتكتيك النقطة صفر والكمائن التي برزت مؤخرا بشكل ملفت إلى أن المقاومة قادرة على التكيف والتأقلم مع منطقة العمليات حسب جغرافية الأرض ولأن الأرض تقاتل مع أصحابها نجحت المقاومة في جر الاحتلال إلى كمائن محترفة والتي كان آخرها كمين نتساريم.

وأشار إلى أن ذلك يدلل بكل وضوح على قدرات هندسية واستطلاعية وعملياتية عالية الاحتراف ويكذب الرواية الإسرائيلية التي صدرت على لسان وزير الجيش يواف غالانت في نيسان الماضي، حين زعم القضاء على ثلاثة أرباع المقاومة.

تجنيد 2024

ونبه إلى أن ظهور أحد عناصر المقاومة الذي اشار إلى أنه تجند في 2024، مؤشر إلى أن المقاومة قادرة على إعادة إنتاج نفسها على عكس الاحتلال الذي يعاني من نقص في الآليات والقوى البشرية ويؤكد ذلك استخدام جيش الاحتلال مؤخرا لآليات قديمة مثل ناقلات الجنود M123 أو كما ظهر في كمين نتساريم جيبات الهمفي خفيفة التصفيح، اضافة إلى قرار الاحتلال تجنيد الحريديم في محاولة لتعويض النقص الهائل في القوى البشرية.

عمليات زئبقية

وحول الشكل العام لخطة المقاومة أشار أبو زيد إلى أن المقاومة تدافع وتهاجم في آن واحد حسب طبيعة الأرض وقوات الاحتلال وتحركات قطاعاته وهذا التكتيك يمكن وصفه بأنه عمليات زئبقية تتحرك مثل حركة وشكل الزئبق.

وأشار إلى أن المقاومة تشغل المناطق التي ينسحب منها الاحتلال وهذا تكتيك محترف ويحتاج جهد عالي وسيطرة وتنسيق يبدو أن المقاومة تحترف فيه وترهق قوات الاحتلال بهذا الشكل من العمليات.

وتابع، "في المسار الدبلوماسي يحاول الاحتلال المراوغة وشراء الوقت أملًا في الوصول إلى أي انجاز ولو كان ذلك صوريًا وثبت استنادا إلى المؤشرات على الأرض بأن هذا الاحتلال لاسبيل معه إلى القوى لأن ما أخذ بالقوى لا يسترد إلا بالقوة وفشلت معه كل الوسائل الدبلوماسية.

وأضاف، "ظهر ذلك في خطاب متطرف لنتنياهو قبل أسابيع استشهد فيه بعبارات لعراب الصهيونية جابوتنيسكي والاكثر تطرفًا لأنه لا يؤمن بالحلول السلمية بقدر ما يدفع باتجاه استخدام العنف والقوة وهناك فرق شاسع بين الواقع وبين ما يسكن عقول جنرالات وسياسي الاحتلال".

وحول سؤال "فلسطين أون لاين" حول إمكانية توسيع دائرة  الصراع في المنطقة، أشار أبو زيد إلى أنه لا يعتقد أن المؤشرات تدعم خيار توسيع دائرة الصراع وهذا ما يريده نتنياهو ويحاول به جاهدا لتصدير الأزمة الداخلية إلى حرب إقليمية، فلا البيئة الدولية ولا الإقليمية تدعم خيار توسيع الصراع تحسبًا للانزلاق في عمليات عسكرية قد تكون غير محسوبة النتائج، وزيارة بلينكن والحراك الأمريكي في المنطقة يؤكد أن واشنطن لا تريد الانجرار وراء توسيع لدائرة الصراع والتفرغ للانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادمة، كما أن أوروبا منشغلة في أوكرانيا ولا تريد تحمل أعباء صراع جديد في الشرق الاوسط .

وأكد أبو زيد أن العامل الوحيد الذي يحدث تغيير لصالح المقاومة رغم تعنت نتنياهو هو استمرار المقاومة بإيقاع خسائر في الاحتلال لأن من يمسك الأرض ويوقع خسائر بالطرف الآخر سيفرض شروطه في النهاية.

بشكل عام، فإن طوفان الاقصى حققت نتائج أبرزها أنها كسرت تابوهات تاريخية حول فكرة الجيش الذي لا يقهر وإعادة القضية الفلسطينية على الطاولة الدولية وفرملت التطبيع العربي مع الاحتلال، وحققت صمودًا أسطوريًا وتكتيكات ستدوَّن في كتب التاريخ العسكري وتدّس كمفاهيم عسكرية جديدة بأن نجاح المقاونة في القتال تحت الأرض سيعيد التفكير في المفهوم الاستراتيجي للقتال فوق الأرض .