قائمة الموقع

هشام الرجبي.. مقدسيٌّ يوثق التاريخ بـ"كنزٍ" من الصور

2017-10-17T06:36:22+03:00
هشام الرجبي (أرشيف)

ملامسته للواقع ومعايشته للاحتلال، وإدراكه لحجم المؤامرة بكل تفاصيلها ضد زهرة المدائن، وحبّه لها بطريقة استثنائية وفريدة، لتاريخها ومعالمها وشوارعها وقبابها ومساجدها وكنائسها، أبوابها وأسوارها، كلّها عناصر اختلطت في حياة المقدسي "هشام الرجبي"، فما كان منه إلا أن يترجم حكاية عشقه للمدينة المقدّسة بالبحث عن كل ما ينتمي لها من حجر وبشر وتاريخ، وعزز هذا التوجه يقينه بأن المعرفة "سلاحٌ" ينبغي إشهاره في وجه الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى لفرض روايته للسيطرة على المدينة وسرقة تاريخها، لذلك فهو يحمل في جعبته ثمانين ألف صورة قديمة عن المدينة المقدسة، وقد جمعها على مدار 22 سنة، وتتحدث الصور عن موضوعات مختلفة متعلقة بالمدينة سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا.

الرجبي (47 عامًا)، من سكان البلدة القديمة، خاض تجاربه الأولى في النضال والثورة، والتي نتج عنها تعرضه للاعتقال عدّة مرات، بمجموع أحكام بلغ ثماني سنوات، افتقد فيها حضن القدس وحنانها، ليعود لها بقرار تغيير مساره نحو البحوث التاريخية حول المدينة.

في اللوحات والصور

في بداية بحثه، لم يحصل الرجبي سوى على عدد قليل من الصور، ولكنه تأكد من أهمية التصوير الفوتوغرافي في توثيق تاريخ القدس.

وقال الرجبي في حوار مع "فلسطين": "أهمية الصورة تكمن فيما بعد، وبالحاضر أيضًا، لكونها الوثيقة، والسجل الذي يحفظ المشهد والمرحلة والتاريخ والحدث، كما أنها تؤرخ للأجيال القادمة، وتؤكد لهم أن هذه الأرض كان بها شعب، وما زال، وأن هذه المجتمعات لم تكن بدائية متوحشة كما صوّرها بعض المصورين، وأنها مجتمعات بالية متفرقة، بل على العكس الصور تظهر مجتمعا متكاملا مثقفا، له تاريخ وحضارة وصناعة".

وأضاف: "ليس غريبًا حجم الاستمتاع والدهشة لمن يبحث في تاريخ مدينة قد تكون من أصغر مدن في العالم، إلا أنها تحتوي على معاجم التاريخ كله، ومن خلال بحوثي عثرت على مجموعات لصور فوتوغرافية قديمة لجميع أنحاء فلسطين، وكانت هذه البداية بعد بضع سنوات من البحث التاريخي المجرد".

وخلال دراسته لهذه الصور، تبين له أنها لم تكن مجرد صور فوتوغرافية فحسب، بل كانت حقيقة يغفل البعض عنها، إذ أوضح: "كشفت من خلال بعض مجموعات الصور عن مؤامرة كانت مُبيّته لدى الرحالة المصورين، مما دفعني للعودة للرسامين الذين حضروا إلى البلاد قبل اختراع الكاميرا".

ومن الأمثلة التي استشهد بها الرجبي في حديثه عن تلك "المؤامرات": "الرسام الاسكتلندي ديفيد روبرت الذي زار المشرق العربي عام 1840، أسس منهاجا اتبعه الرسامون فيما بعد لنقل مشاهد مذهلة، ولكنها في الحقيقة مركبة، ففي بعض الرسومات أشخاص بلباس وزي مختلف عن لباس وزي السكان المحليين لمشهد الصورة، وفي إحدى اللوحات، رُسم المسجد الأقصى وقبة الصخرة في الخلفية، بينما يصلي أشخاص على هضبة عالية، ولكنهم حسب زاوية الصورة يصلون نحو الغرب، وفي الحقيقة القبلة نحو الجنوب".

وما لفت انتباه ضيفنا لأهمية الصورة، هو أن المصورين فيما بعد كانوا يحملون نفس الأفكار، نظرا لكونهم حضروا من مجتمعات مهتمة بالبلاد المقدسة للمشرق الساحر، بالإضافة إلى عناوين الصور التي حملت أسماء توراتية، وعناوين من الكتاب المقدس الانجيل، فمثلًا المصور "أوغوستا سيلزمان" التقط لمدينة القدس في عام 1856 ما يقرب من 177 صورة فوتوغرافية، وإحدى هذه الصور بانوراما للمدينة تُظهر قبة الصخرة والمسجد الأقصى، ومدينة القدس الفسيفسائية، بأبنيتها ومعالمها وقبابها، وكتب أسفل الصورة "جبل الهيكل"، وفي مجموعة أخرى حاول قدر الإمكان إخفاء السكان المحليين من المشهد.

وبيّن الرجبي: "عندما نتحدث عن ميادين عامة في مدينة القدس، مثل باب العامود أو باب الخليل أو أسواق المدينة، في وضح النهار ليس بها أي شخص فهناك خدعة، وهذا المصور أسس فكرة (أرض بلا شعب)، في كتابه الذي احتوى مجموعة صوره، والذي نُشر في أوروبا".

وأكد: "الصور الفوتوغرافية للقدس لم تكن صور نزيهة، بل جزء من المؤامرة، لذا نقل المصورون المشاهد لمجتمعاتهم المتعطشة لهذه المادة المرئية المبنية على معتقداتهم وأفكارهم ودينهم، وكانت الصور احتكارا أوروبيا حتى عام 1900، أي حتى ظهور بعض المصورين المحليين، والذين لا يستطيعون مجاراة المصورين الأوروبيين، مهما بلغت مهاراتهم".

وأشار إلى أن المصور المحلي لم يتعامل مع الصورة بأكثر من كونها صورة شخصية أو جمالية للمعالم، ولم تكن الصورة التي يلتقطها للقدس ذات هدف، كما هي بالنسبة للمصور الأوروبي الذي ترك بصمة خاصة به.

الاحتفاظ بالكنز

وفي عام 1995، اقتنى الرجبي أول مجموعة من الصور، من خلال شرائها من عائلات تمتلكها، وبالمقايضة مع مجموعة من المؤسسات والجمعيات والكنائس، وبلغ عددها 320 صورة، ومنها توسع بحثه في الصور، تزامنًا مع البحث التاريخي.

ومما يملكه حاليا، "مجموعات تسرد حقيقة الانتداب البريطاني والعمل بمكيالين، وتتحدث أيضًا المجموعة عن فترة الحكم الأردني ما بين 1948 وحتى 1967، وأخرى تتناول احتلال مدينة القدس عام 1967، وتمتد حتى عام 1970 تقريبًا".

الصور في مجموعته اقتربت من 83 ألف صورة فوتوغرافية قديمة، بعضها "نيجاتيف زجاجي"، أو "جلاتين" بأحجام مختلفة، أو "سلايدات"، وصور فوتوغراقية قديمة مطبوعة، ونسخ إلكترونية، لصور أصلية محفوظة في الحاسوب.

ولفت إلى أن الصور تشمل جميع محافظات فلسطين دون استثناء، ونحو 60% منها خاصة بمدينة القدس، وذلك لأن المصورين الأوائل كان اهتمامهم يتمحور حولها.

يعمل الرجبي، بكل ما أوتي من قوة، على المحافظة على "الكنز" الذي يمتلكه، والاحتفاظ بالصور، بالنسبة له "مسألة صعبة ومربكة"، وفي سبيل هذا الهدف نظّم عشرات المعارض والمحاضرات عن تاريخ التصوير الفوتوغرافي في فلسطين، بالإضافة إلى عدّة معارض في مصر والكويت والأردن.

وقال: "هذه المجموعات مكدسة في بيتي، بالإضافة لتخزين نسخة عنها على جهاز الحاسوب، وهي ملك شخصي، لا يشاركني فيه أحد"، مضيفا: "المجموعات تتزايد، وكأني أصبحت مغناطيسا لجذبها، حتى طفحت مخازني وشحت مواردي لجلب المزيد".

كما أنه لم يتوقف عن بحثه التاريخي، إلى جانب البحث عن الصور الخاصة بمرحلة معينة، وأثناء بحثه في اتجاه ما، قد يجد شيئًا لا يتعلق ببحثه، ولكنه مرتبط بفكرة جديدة، فتُفتح له آفاق أخرى، "حتى أصبح عقلي عبارة عن شبكة خيوط من الأهداف، تفرعت وكبرت عن المادة التي أبحث فيها"، وفق قوله.

عقبات وأهداف

وخلال عمليات جمع الصور، واجهت الرجبي العديد من العقبات، أبرزها أنه لم يكن يمثل أي جهة، "وفي العادة الجهات التي تحتفظ بمثل هذا الأرشيف تتعامل مع جهات اعتبارية وليس مع أفراد، وهذه العقبة نتج عنها عدم ثقة الجهات التي تمتلك مثل هذه المجموعات بي، ولم أستطع إقناعها بأخذ نسخ عن بعض الصور أو شرائها"، وفق حديثه.

شُح الموارد المالية لتمويل البحوث من أهم العقبات التي واجهته، فكل ما أنجزه خلال 22 عامًا كان بمجهود شخصي.

ويهدف من خلال جمع الصور، لنشر العلم والتاريخ مدعّمًا بالصورة الفوتوغرافية، والتعريف بأهمية الصورة كوثيقة ومرجع تاريخي.

ويحاول أن يستمر في عمله، رغم "عدم المبالاة" من الجهات المختلفة في دعمه بإقامة المعارض ونشر البحوث وعقد المحاضرات.

اخبار ذات صلة