قائمة الموقع

شهيد مجزرة "التَّابعين" عبد اللَّه العرعير .. وداعٌ بلا عناقٍ

2024-08-10T17:14:00+03:00
شهيد مجزرة "التَّابعين" عبد اللَّه العرعير .. وداع بلا عناق

كانت جثَّته متراصَّةً بين عشرات الجثث الَّتي امتلأت بها أرضيَّة المستشفى المعمدانيِّ بعد مجزرة جديدة هزَّت قلوب أهالي قطاع غزَّة باستهداف مدرسة التَّابعين بحيِّ الدَّرج بمدينة غزَّة استشهد على إثرها أكثر من 100 نازح.

يتجوَّل الشَّابُّ محمود العرعير بين أقسام المشفى يبحث بين وجوه المصابين عن ملامح شقيقه الَّتي لم يعثر عليها بين مئات المصابين ، وعلى الهاتف تنتظر عائلته الَّتي نزحت لجنوب القطاع ما يبرد قلبها على عبد اللَّه العرعير ( 35عامًا) في لحظات تجمَّدت الحياة لديهم واسودَّت.

انتقل محمود للبحث عن شقيقه بين جثث الشُّهداء وهو خيار الأهالي الأصعب ، فمعظم جثث الشُّهداء تحوَّلت لأشلاء ، بعضها احترقت بفعل الصَّواريخ الأمريكيَّة المحرَّمة دوليًّا الَّتي استخدمها الاحتلال بالمجزرة .

سار بين الجثث المتراصَّة على الأرض لم يتعرَّف على أيِّ منها ، قبل أن يتراجع خطوتين للوراء يشعُّ النُّور من ملامح وجه شهيد ينظر باتِّجاه الجانب الآخر ، فاقترب منه وعدَّل ملامح وجهه ، تقابلت النَّظرات وتاهت عيناه بين سيل من الدُّموع . " عبد اللَّه " صرخةً دوَّى صداها في قلب شقيقته إسراء وأمُّه وزوجته وأطفاله الَّذين يتواجدون جنوب القطاع في لحظة كانوا يستمعون إلى الهاتف ، ليتأكَّد خبر استشهاده .

أكذوبة "الممر الآمن"

حرمت أكذوبة " الممرِّ الآمن " الَّذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه العائلة من وداع ابنها ، فكانت مراسم الوداع عبر الهاتف ، فاضت بها السَّنة أمَّه وشقيقته وزوجته بكلمات المواساة والحزن الَّتي لم يسمعها الشَّهيد الغارق في سباته ونومته الأخيرة كان فيها ك " الملاك " كما رأته " إسراء " ، تمنَّين للحظة أن يزول هذا الحاجز ويتمكَّن من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة ، فكانت نظرة صوت بلا صورة .

استشهد عبد الله وهو يؤدي صلاة الفجر بين عشرات المصلين، الذي اغتالهم الاحتلال بمدرسة التابعين لتكون إحدى مجازر الاحتلال خلال حرب الإبادة التي تعكس دمويته كما عكستها المجازر السابقة.

أمضى الطفل نور الدين وأشقاؤه سمير وحمزة وسلامة ليلتهم على صوت والدهم سعداء بسماعه، وبسماع كلماته التي لم تفارق أي مكالمة هاتفية بينهم "والله يابا مشتاقلكم كتير" لم يتمكن خلالها الأطفال من تلبية طلبه بإرسال صور لهم عندما غلبه الشوق فأراد رؤيتهم، وتعذر ذلك بسبب انعدام الرؤية وعدم تمكنهم من التقاط صور تظهر ملامحهم بوضوح.

لكن الصباح كان مختلفا عن المساء،  أطلت فيه شمس الحزن على قلوب الأطفال الأربعة وأشرقت بلا غروب، ليتحمل نور الدين (11 عاما) مسؤولية رعاية أمه وأشقائه بعيدا عن والده، وبعد فقد والده "زاد الحمل والمسؤولية وأصبح رجل البيت الأول" هذا ما تقوله إسراء بكل مرارة.

إبعاد قسري

في فبراير/ شباط الماضي، اضطرت زوجته وأطفاله للنزوح لجنوب القطاع بعد محاصرتهم من قبل جيش الاحتلال في جامعة الأقصى غرب مدينة غزة، وكان عبد الله، كما تروي شقيقته إسراء لموقع "فلسطين أون لاين" ينزح من مدرسة إلى أخرى، فعاش التشرد والحرمان من العائلة، ولم يكن له "أي مأوى".

تخنق الدموع صوت العرعير قائلة "كان أهلي أخر من نزح من الجامعة، وعندما جاؤوا إلى جنوب القطاع، كان مشتاقا لنا ولأطفاله وزوجته، كان يتمنى أن يعانقنا، ودائما يقول: "اللقاء حلو".

مع كل استهداف جديد بمدينة غزة، وارتقاء شهداء، كانت قلوب إسراء وعائلتها تتجه للبحث عن اسم عبد الله، وكانت المخاوف تساورهم في كل مرة كما اجتاحت قلوبهم في مجزرة التابعين التي كانوا يعلمون بنزوحه بالمدرسة.

رغم فاجعة الفقد التي أضيفت لفقد أول بعد استشهاد شقيقه ضياء بداية الحرب إلا أن ما يبرد قلب "إسراء" استشهاده أثناء تأدية صلاة الفجر وهي "أكبر نعمة وكرامة وعلامة للقبول"، تتعالى على جراحة مهنئةً شقيقها "على هذه المنزلة" ومعتبرةً إياها، "أكبر نعمة بالاستشهاد أثناء الصلاة، ونحن نعيش في هذه الأرض مرابطين".

لا شيء يسعف ذاكرة إسراء التي غابت في الحزن، واختنق صوتها في دموع الحسرة والفقد، لكنها تستذكر ملامح "عبد الله" في الفترة الأخيرة قبل استشهاده، تعلق وقد امتزج صوتها الذي تغلفه الدموع بالابتسامة: "كنت أقول له: "وجهك نور. والله شكلك شهيد".

منذ طفولته حرم عبد الله من حنان والده الذي اعتقله الاحتلال ولم يتجاوز الطفل ثلاث سنوات، ثم تلقى تعليمه ودرس الصحافة والإعلام لكنه لم يعمل بها لانشغاله بالأعمال الحرة، تقول إسراء عنه: "كان قريبا مني كونه الأخ الأكبر مباشرة لي، كل العائلة تحبه، الحسرة أننا حرمنا من إلقاء نظرة وداع عليه واستشهد وهو في غزة ونحن في الجنوب".

من استشهاد عبد الله وقبله ضياء، وقفت العائلة قبل شهر ونصف أمام صدمة جديدة عندما أصيب والدها وشقيقها الأصغر باستهداف إسرائيلي، لكن شقيقها عبد الله أصر على والده وشقيقه بالنزوح لجنوب القطاع لتلقي العلاج "وكأنه فعل ذلك حتى لا تسوء حالة والده في لحظة المجزرة".

اخبار ذات صلة