على نحو مفاجئ، دعا قادة مصر وقطر والولايات المتحدة "إسرائيل" وحركة المقاومة الإسلاميَّة حماس إلى استئناف محادثات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الأربعاء أو الخميس المقبلين بالدوحة أو القاهرة.
ومنذ أشهر، تقود مصر وقطر والولايات المتحدة مفاوضات غير مباشرة بين حماس والاحتلال، لكنها لم تسفر عن بلورة اتفاق بسبب تعنت رئيس وزاء الاحتلال بنيامين نتنياهو برفض مطلب حركة حماس بإنهاء الحرب وسحب قواتها من قطاع غزة وعودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال القطاع.
محللون سياسيون، قالوا في أحاديث منفصلة، إن البيان الثلاثي، ليس منفصلًا عن حالة القلق والشلل التي تهيمن على المجتمع و"الدولة الاسرائيلية" انتظارا لتنفيذ محور المقاومة تهديده بالرد على الاغتيال لقادته.
وتأتي ضغوط دول الوساطة لأجل وقف إطلاق النار في غزة، في وقت تحاول إدارة بايدن منع إيران وحزب الله من مهاجمة إسرائيل كجزء من الرد على الاغتيالات، وتسعى للتوصل إلى حل دبلوماسي بعد تعثر المفاوضات في الأسابيع الأخيرة، بسبب شروط جديدة فرضها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بجانب اغتيال القائد إسماعيل "هنية".
وبحسب مزاعم أمريكية، من شأن وقف إطلاق النار في غزة، أن يسهم في تخفيف التوتر القائم بين إيران ومحور المقاومة من جهة، و"إسرائيل" من جهة أخرى، والذي يثير المخاوف من اندلاع الحرب الواسعة، الذي تحاول واشنطن منعها منذ بدء العدوان على القطاع.
لتخفيف أجواء الاحتقان وشرعنة للقتل الذي تمارسه "إسرائيل"
الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة، إن البيان ظالم بامتياز، لأنه يضع نتنياهو و"حماس" في ذات الكفّة من حيث تعطيل الصفقة.
وأوضح الزعاترة، في تحليل نشره عبر منصة "إكس"، في سياق فهم الأمر، يمكن القول إن البيان جاء بضغط أمريكي على الوسيطين اللذين لا يجهلان نوايا نتنياهو، والتي كان استعادها في مقابلته التي نشرتها مجلة "التايم" أمس.
وأضاف، "هكذا يغدو البيان مجرّد خدمة مجانية لنتنياهو تسمح له بشراء مزيد من الوقت أمام ضغوط المؤسّسة الأمنية والعسكرية، وضغوط أهالي الأسرى وعموم الساحة السياسية، مع بث وهْم بإمكانية الاتفاق يخفّف من متابعة جرائمه اليومية في قطاع غزة، بل وفي الضفة الغربية أيضًا".
وأشار الكاتب الزعاترة، إلى أنه لا خلاف على أن الأمريكان يريدون "الصفقة"، تبعا لحساباتهم التي ذكرناها مرارا (أهمّها مخاوف الحرب الشاملة ووقف الحرب قبل الانتخابات وعودة الجامعات)، لكن المؤكّد أيضا أنهم يعرفون حقيقة موقف نتنياهو.
وبحسب الزعاترة، فإن للبيان (من حيث نوايا أمريكا) هدف آخر، يتمثّل في تخفيف أجواء الاحتقان بعد إعلان إيران وحلفائها نيّة الرد على الإهانات الأخيرة (ضرب ميناء الحديدة ثم اغتيال فؤاد شكر في بيروت، ثم اغتيال هنية في طهران)، وربما لجم الردود وجعلها في الحد الأدنى.
مؤكدًا على أن الإعلان السريع من مكتب الأخير بالموافقة على دعوة البيان باستئناف المفاوضات منتصف الشهر الجاري، يؤكّد حقيقة أن البيان يصبّ في خدمته لا أكثر.
لتضييق الخناق على محور المقاومة
مردفًا، "نعلم أن قدرة الوسيطين على تحدّي الضغط الأمريكي محدودة ، لكن ذلك لا ينفي ضرورة اتخاذ موقف في الحد الأدنى يفضح موقف نتنياهو، بخاصة أن جزءا من هرطقاته ما زالت تخصّ المصريين فيما يتصلّ بمحور فيلادلفيا ومعبر رفح، فضلا عن انقلابه المفضوح؛ حتى على المقترح الإسرائيلي نفسه".
فيما عقب الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، على البيان الثلاثي، بالقول إن هذا البيان لا يسهم في حل المشكلة بل يزيدها تعقيدًا،
وبيّن المحلل المدهون، في عبر منصته على "تليجرام"، بأن دور الولايات المتحدة في جرّ الوسطاء المصري والقطري للعودة إلى طاولة المفاوضات، بعد أن أغلقت إسرائيل هذا الباب باغتيالها إسماعيل هنية وتصعيدها العدواني على لبنان، يشير بوضوح إلى أن العودة إلى المفاوضات في ظل استمرار المجازر البشعة في قطاع غزة وحرب الإبادة، ليس سوى تضييع للوقت وشرعنة للقتل الذي تمارسه إسرائيل.
وتابع، "من الواضح أن الحديث عن إعادة المفاوضات في هذا التوقيت يعكس تجاهلًا تامًا للجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الفلسطينيين. إن أي محاولة للحديث عن مفاوضات دون وقف العدوان الإسرائيلي بشكل كامل، هي مجرد قفزة في الهواء ومحاولة لفرض الأمر الواقع على المقاومة الفلسطينية".
وقال، "من جهتي، أرى أن التحرك الأمريكي الأخير لا يسعى إلا لتضييق الخناق على محور المقاومة، في محاولة لمنع الردود على جريمة اغتيال الشهيدين فؤاد شكر وإسماعيل هنية، بالإضافة إلى قصف الحديدة في اليمن. إن هذه المراوغة الأمريكية تهدف فقط لفسح المجال أمام الجرائم الإسرائيلية، خصوصًا في ظل القلق العالمي من رد فعل قوي من قبل إيران وحزب الله في لبنان".
ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن دبلوماسيين أميركيين قولهم إن المفاوضات بشأن صفقة التبادل كانت تقترب من تحقيق اختراق قبل وقت قصير من اغتيال إسرائيل كلا من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والقيادي في حزب الله فؤاد شكر.
وقال مسؤول أميركي كبير للوكالة إن هناك فقط 4 أو 5 نقاط خلافية بشأن تنفيذ صفقة التبادل لا تزال بحاجة إلى حل.
وفي هذا السياق، يقول البرفسور وليد عبد الحي بأن البيان الثلاثي هو "بيان ثالوث دبلوماسية الإسفنجة"، الذي يهدف إلى امتصاص الاحتقان داخل المجتمع والدولة الإسرائيلية، التي تعيش حالة من القلق والشلل في ظل التهديدات المتوقعة من قوى المقاومة.
والبيان، بحسب "عبد الحي"، ليس إلا محاولة لمساعدة إسرائيل على استرخاء جزئي من حالة التوتر العالية التي أصابت مطاراتها وموانئها ومصانعها.
ويُبين "عبد الحي" في تحليله، أن الهدف للبيان الثلاثي هو دفع محور المقاومة لتأجيل رده العسكري، مما يتيح للولايات المتحدة وإسرائيل الفرصة لخلق ظروف تجعل رد المقاومة أكثر تعقيدًا على المستويين السياسي والعسكري.
وأضاف أن البيان يحمل في طياته ازدواجية تهدف إلى الترهيب عبر حشد القوى العسكرية من جهة، والترغيب عبر ما وصفه بـ"دبلوماسية الإسفنجة"، التي تهدف إلى امتصاص التوتر دون تقديم حلول فعلية.
ويشير "عبد الحي" إلى أن التركيز في البيان على "عدم قبول الأعذار لمزيد من التأجيل" يكشف عن محاولة لإظهار المقاومة في موقف المتردد، في حين أن إسرائيل لم تظهر أي نية حقيقية لوقف القتال، بل استمرت في تصعيدها وعمليات الاغتيال