أظهر تحليل استقصائي أجرته شبكة "سي إن إن" الأمريكيَّة، زيف ادّعاءات رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، التي الاقتراب من تحقيق النصر ضدّ حركة حماس والمقاومة في قطاع غزة، كاشفًا عن كيفية نجاح حركة حماس بالنهوض من جديد وترميم قدراتها العسكرية، رغم مرور أكثر من 304 يوم على حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزّة.
وجدت التحليل " بالتعاون مع معهد دراسات الحرب الأميركي، التي استند إلى بيانات عسكرية من المقاومة و"الجيش" الإسرائيلي ولقطات ميدانية ومقابلات مع خبراء وشهود عيان، أنّ نحو نصف الكتائب العسكرية التابعة لحماس، في شمالي قطاع غزة ووسطه، أعاد بناء قدراته القتالية.
ونقل التقرير عن خبراء عسكريين أميركيين قولهم إن طريقة "إسرائيل" في الحرب، والتي اتسمت بحملة قصف قاسية وغياب خطة لما بعد الحرب، ساعدت في تحفيز حركة حماس على الظهور مجددًا.
وقال ضابط "إسرائيلي" رفيع للشبكة إن الجيش سيدخل إلى أي مكان ترفع فيه حماس رأسها، لكنه شكك في إمكانية استمرار هذه اللعبة إلى الأبد.
ويظهر البحث أنّ حماس نجحت في استخدام الموارد المتناقضة على الأرض بصورة فعالة، إذ إنّ عدة وحدات تابعة لها عادت إلى مناطق رئيسة، زعم "الجيش" الإسرائيلي تفكيك المقاومة وإنهاء وجودها فيها بعد معارك ضارية وقصف مكثّف.
بريان كارتر، مدير "ملف الشرق الأوسط" في "CTP" والشخص الذي قاد البحث المشترك، أكد عدم صحة مزاعم الاحتلال، قائلاً: "يقول الإسرائيليون إنّهم طهروا مكاناً ما، لكنهم لم يفعلوا ذلك بالكامل، ولم يهزموا هؤلاء المقاتلين على الإطلاق".
"النهوض من الركام"
وبحسب التحليل، تضمّ كتائب الشهيد عز الدين القسّام، الجناح العسكري لحماس، 24 كتيبةً منتشرةً في مختلف أنحاء قطاع غزة.
وركّزت التحليلات التي شاركت فيها "سي أن أن" على إعادة بناء 16 كتيبةً، في شمالي القطاع ووسطه، حيث استمرت المعارك الأطول التي خاضها "الجيش" الإسرائيلي.
أما فيما يتعلّق بجنوبي القطاع، فاستبعدت التحليلات الكتائب الموجودة في تلك المنطقة، بسبب "عدم اكتمال البيانات حول وضع الكتائب الـ8 الباقية".
ومن بين الكتائب الـ16، تمكّنت 7 موجودة في شمالي القطاع المدمّر من إعادة بناء بعض قدراتها العسكرية، مرةً واحدةً على الأقل، خلال الأشهر الـ6 الماضية.
وأظهرت الأدلة عودة النشاط العسكري للمقاومة في نقاط اشتعال رئيسة.
ففي مخيم جباليا شمالاً، أقرّت "إسرائيل" بأنّها عادت في أيار/مايو (أي قبل نحو شهرين فقط) إلى مواجهة مقاومة شرسة تمارسها 3 كتائب تابعة لحماس، على الرغم من تدمير المنطقة في قصف إسرائيلي دام 3 أشهر تقريباً في الخريف (أي في بدايات الحرب).
وفي حي الزيتون، في مدينة غزة، نفّذت "إسرائيل" 4 عمليات توغّل، وفقاً للتحليلات.
مصادر ميدانية من شمالي غزة أفادت "سي أن أن" بأنّ أعضاء من حماس يشرفون على الأسواق المدمرة، ويعيدون استخدام المباني المحترقة وتحويلها إلى مواقع للمقاومين. وأكد أحد الفلسطينيين للشبكة أنّ وجود حماس في المنطقة "أقوى مما يتخيّل".
في الـ7 من كانون الثاني/يناير، أي بعد 4 أشهر على اندلاع الحرب، أعلن "الجيش" الإسرائيلي أنّه "قام بتفكيك هيكل قيادة حماس في شمالي قطاع غزة". وبعد أيام فقط، وردت تقارير عن هجمات على دوريات إسرائيلية في الأجزاء الشرقية من مدينة غزة.
كذلك، أظهرت مقاطع فيديو في الأسابيع التي تلت ذلك مقاومين من حماس يخرجون من تحت الأنقاض، ومن المرجّح أن يكون ذلك قد تم من خلال شبكة الأنفاق المترامية الأطراف في القطاع.
ولدى تعليقه على هذا الأمر، قال بريان كارتر من "CTP" إنّ حماس انتعشت بعد أقل من أسبوع على انسحاب "الجيش" الإسرائيلي من شمالي القطاع، في كانون الثاني/يناير. وكما تابع، انسحب هذا الأمر على مختلف أنحاء القطاع، واستمر.
وأضاف كارتر، في السياق نفسه: "كانت هذه (العودة في الشمال) هي العملية الحاسمة التي اتخذتها كتائب حماس".
وتحدّث ضابط إسرائيلي رفيع المستوى إلى "سي أن أن"، التي لم تذكر اسمه لأنّه غير مخوّل بالحديث، ملمّحاً إلى أنّ سعي "إسرائيل" لملاحقة حماس في كل مكان في غزة يتطلّب وقتاً طويلاً جداً.
وقال الضابط: "سندخل كل مكان ترفع فيه حماس رأسها. هل يمكن أن تستمر هذه الحرب إلى الأبد؟ كلا. مجتمعنا غير مهيأ لهذا. والمجتمع الدولي غير مهيأ لهذا أيضاً".
وإزاء ذلك، شبّه الضابط النشاط العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة بـ"عدّاء الماراثون الذي لا يعرف أين يقع الإستاد. يركض ولا يعرف ما إذا كان يسير في الاتجاه الصحيح".
العقيد في الجيش الأميركي بيتر منصور، الذي ساعد في الإشراف على نشر 30 ألف جندي أميركي إضافي في العراق في عام 2007 في الاستراتيجية المعروفة بـ"The Surge" (التي تهدف إلى "مكافحة التمرد")، رأى أنّ "حقيقة أنّ الإسرائيليين ما زالوا في غزة، يحاولون استئصال عناصر من كتائب حماس، تظهر أنّ نتنياهو مخطئ.. إنّ قدرة حماس على إعادة تشكيل قواتها المقاتلة لم تتضاءل".
"بضاعة الإسرائيليين رُدَّت إليهم"
إضافةً إلى ما سبق، قال ضابط إسرائيلي متقاعد رفيع المستوى إنّ حماس "بدأت عملية التجنيد منذ 3 أو 4 أشهر، وانضمّ إليها الآلاف".
وأشارت التحليلات إلى أنّ عملية إعادة البناء تمت بطريقتين مختلفتين، إذ أعادت بعض وحدات كتائب القسّام تنظيم صفوفها، فدمجت خلايا تراجعت من أجل تكوين كتائب قتالية فعالة، في حين أعادت وحدات أخرى نشاطها، فجنّدت مقاتلين جدداً، وصنعت أسلحةً جديدةً من المواد المتفجرة التي خلّفتها القوات الإسرائيلية وراءها، وهو ما أعلنته المقاومة حين أكدت أنّ "بضاعة الإسرائيليين رُدَّت إليهم".
وإذ تم "تقليص الفصائل الأصلية بشكل كبير"، بحسب البحث، عمدت حماس إلى "الاعتماد على تكتيكات حرب العصابات، ووضع الأفخاخ وإقامة الكمائن"، عندما تشنّ القوات الإسرائيلية توغلاً في وسط مخيم أو حي، كما تظهر مقاطع الفيديو من ميدان القتال.
وقد انكشفت دورة الانتعاش في مخيم جباليا، الذي تعرّض تقريباً للتدمير الكامل، حيث استخدمت "إسرائيل" بعض أثقل الذخائر (والتي حصلت عليها من الولايات المتحدة بصورة أساسية) خلال المرحلة الأولى من الحرب.
وبعد 3 أشهر من القصف العنيف، زعمت "إسرائيل" أنّ الكتائب الـ3 في جباليا "تفكّكت". ثم، وبعد أقلّ من 6 أشهر، قالت إنّ الوحدات أعادت تشكيل نفسها. وبعد ذلك، قامت القوات الإسرائيلية بتوغّل آخر في المخيم، وقال "الجيش" إنّه واجه بعض "أشرس المعارك" منذ بداية الحرب كلها.
وعندما انسحبت القوات الإسرائيلية من جباليا، في 31 أيار/مايو، أشار تحليل وضع الكتائب الـ3 إلى أنّ "الجيش" فشل في تدميرها.