قائمة الموقع

على بحر "المواصي" .. المنقذون يحرسون أرواح النازحين

2024-07-30T11:40:00+03:00

تجمهر الناس واتجهت عيون مئات النازحين المتواجدين على شاطئ بحر المواصي تجاه شاب فقد المقدرة على السباحة داخل عمق البحر، ودخل في حالة غرق لم يستطع خلالها تحريك يديه أو قدميه اللتين تعرضتا لشد عضلي جعلته عاجزًا داخل الماء عن النجاة بنفسه، فحبس الجميع أنفاسهم.

لم يتأخر المنقذ المتطوع عبد الرحمن اللحام من النزوح لمياه البحر الهائج ووصل إلى الغريق الذي كان ينتظر طوق النجاة من الغرق، فوضع المنقذ رأس الشاب الغريق على صدره وسحبه عن منطقة العمق التي سحبها إليها التيار البحري، في مشهد كان يتابعه كل من كان على الشاطئ في تلك المنطقة.

خرج الغريق بحالة صعبة فكان منهكًا متعبًا بسبب مياه البحر التي شربها رغما عنه أثناء الغرق، فأكمل المنقذ مهمته بإجراء عملية إفاقة بوضع الشاب بطريقة مائلة تجاه البحر لإخراج المياه من جسده، وحوله تجمع الناس يتابعون عملية الإفاقة التي انتهت بعد نحو نصف ساعة وقد استعاد الغريق صحته.

حماية أرواح النازحين

لم تكن تلك حالة الغرق الوحيدة التي سجلها اللحام وزملاؤه خلال تواجدهم بتلك النقطة، فسبقها بدقائق مهمة صعبة خاضها المنقذون الثلاثة عندما تعرض أربعة شباب لحالة غرق أثناء السباحة، فأخرجوهم من البحر واحدًا تلو الآخر.

ويوميًا يأتي المنقذون لشاطئ بحر المواصي بتكليف من وزارة الحكم المحلي بنظام التشغيل المؤقت من الساعة الثانية ظهرا حتى المغرب، وذلك لحماية أرواح النازحين الذين نصبوا آلاف الخيام على رمال الشاطئ وبات البحر ملاذهم من نار الحرب والطقس، وللاستحمام خاصة مع شح المياه بتلك المنطقة.

وتوفي عشرات الشباب والأطفال نتيجة الغرق أثناء السباحة قبل بدء عمل المنقذين، ومع تواجدهم انخفضت حالات الوفاة مما أعطى النازحين "نوعًا من الأمان والاطمئنان على أرواح أطفالهم" قال أبو محمد أثناء جلوسه على رمال شاطئ البحر في لحظة كان أطفاله يسبحون أمامه.

بملامح ترسمها الطمأنينة، يقول أبو محمد لموقع "فلسطين أون لاين": "قبل نزول المنقذين كنا نضع أيدينا على قلوبنا عندما ينزل أطفالنا البحر، فلا أجيد السباحة كي أقوم بإخراجهم في حالة الغرق، لذلك كنت أبقى في توتر وقلق دائم".

وكون النازح يعيش في خيمة على الشاطئ فإنَّ ذلك يمثل هاجسًا له "عندما أذهب إلى عملي، أبقى قلقًا أخشى أن ينزل أطفالي إلى المياه، لكن موجود المنقذين بدأت أشعر بالطمأنينة".

المنقذ محمد الهسي نزح من مخيم الشاطئ بمدينة غزة إلى محافظة خان يونس، يتطوع في عملية الانقاذ مستفيدا من خبرته في السباحة والانقاذ والتي ورثها أبا عن جد، كون العائلة تعمل في قطاع الصيد البحر.

يحاول الهسي الذي انقذ للتو شابا تعرض لغرق مفاجئ التقاط أنفاسه، وبدا آثار التعب والإجهاد واضحًا عليه، يقول بعد أن تمالك نفسه عن مهمته الآخرين: "كانوا ثلاثة شباب تعرضوا للغرق فقمنا بإخراجهم بصعوبة".

يتطوع الهسي وزملاؤه بإمكانيات بسيطة فلا يوجد معهم سوى الصافرة وملابس الانقاذ ويعتمدون على أنفسهم ومهاراتهم في السباحة والانقاذ، في وقت لا تتوفر فيه أبراج انقاذ ولا معدات وهذا ما جعل مهمتهم أصعب موضحًا "غياب المعدات المساعدة في الانقاذ، يجعل مهمتنا صعبة خاصة عندما يغرق مجموعة من الشباب وأنت وزميل لك تغطي مساحة 400 متر".

ولادة حياة جديدة

يصف عملية انقاذ الغريق بأنها "ولادة لحياة جديدة" في لحظة يكون فيها الغريق معلقا بين الحياة والموت، فكل عملية انقاذ تمنح الهسي سعادة في وقت رسمت الحرب آلامها وأحزانها في كل شبر في غزة، "كل عملية انقاذ تذهب آثار التعب فأنام مرتاحا بأني أنقذت روحا كانت قريبة من الموت".

إضافة لغياب المعدات يواجه المنقذ الآخر مراد اللحام وزملاؤه ما يصفه بـ "عناد كبير من الناس" حتى "بحت اصواتهم"، فلا "يستجيب الناس بسرعة لنداءات المنقذين بالابتعاد عن مناطق الخطر التي تكثر فيها التيارات البحرية ولا بالصفارة، ومع ذلك لا يكل المنقذون ولا يملوا من تلك النداءات لحماية أروح الناس".

من دافع وطني وإحساس بالمسؤولية مع كثرة حالات الغرق والوفاة تطوع المنقذون واستلموا أمانة حراسة أروح النازحين، يقول اللحام وقد بدأت الشمس تنسحب من السماء وتنزل وراء الأفق وبدأ المنقذون بالانسحاب أيضًا مطلقين صافرة المغادرة: "نحن هنا من أجل أبناء شعبنا حتى نستطيع التخفيف من الأرواح التي تذهب وهذا الدافع موجود بدمائنا رغم غياب الإمكانيات وعدم توفر المعدات"، مشيرًا لتسجيل حالات غرق كثيرة قبل نزولهم للإنقاذ.

ويعمل اللحام كمنقذ منذ عام 2009، كانت ظروفهم قبل الحرب أفضل عندما كانت أبراج الانقاذ متوفرة وأجهزة مكبرات صوت للمناداة على المصطافين فضلا عن أدوات بحرية كالحسكات وأطواق الانقاذ المختلفة التي كانت تساعد المنقذين في مهمات انقاذ الغرقى، فبات اعتمادهم الكلي حاليا على أنفسهم.

وينزل النازحون للسباحة بالبحر في كل الأوقات خاصة ولا تكون أعدادهم كبيرة في فترة الصباح التي لا يتواجد فيها المنقذون، ويشتد تواجدهم في البحر مع عصر اليوم، لكن قلة أعداد المنقذين وتغطيتهم لمساحات واسعة تزيد من صعوبة مهامهم.

ويعد البحر هو "المتنفس الوحيد" حاليا بعد تدمير الاحتلال لكل المرافق العامة في قطاع غزة، فضلا عن تواجد مئات آلاف النازحين بمنطقة المواصي وعلى ساحل قطاع غزة ما جعل الحركة على الشاطئ مكتظة، الأمر الذي يتطلب متابعة مستمرة لحماية أرواحهم.


 

اخبار ذات صلة