في 8 تموز 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي أن يهودا فوكس، قائد المنطقة العسكرية الوسطى في الجيش، أنهى خدمته وخرج إلى التقاعد، وحل مكانه اللواء آفي بلوط.
يأتي هذا الانتقال في قيادة المنطقة الوسطى في ظل توتر كبير في العلاقات بين المستوطنين التوراتيين وقائد المنطقة الوسطى المنصرف، فوكس، لدرجة وصلت إلى أن تضع المخابرات الإسرائيلية حراسًا مرافقين لفوكس خوفًا على حياته من المستوطنين الغاضبين.
ففي شباط 2023، تم نقل صلاحيات إدارة حياة المستوطنين والتخطيط والبناء في المنطقة "ج" وجزء من عمليات مصادرة الأراضي من القيادة الوسطى للجيش إلى وزارات مدنية، مما أدى إلى تضارب في الصلاحيات بين القيادة الوسطى والوزارات المدنية التي يسيطر عليها المستوطنون.
واجه اللواء فوكس تحديات كبيرة بسبب تآكل سلطته وعدم قدرته على الاستمرار كصاحب السيادة على منطقة محتلة، خاصة مع تعمد الشرطة الإسرائيلية تحت قيادة الوزير إيتمار بن غفير عدم فرض الأمن في شوارع الضفة الغربية وترك المستوطنين المسلحين يمارسون أعمالاً إرهابية.
ما الذي يميز القيادة الوسطى في الجيش الإسرائيلي؟
يتكون الجيش الإسرائيلي من 4 قيادات مركزية: قيادة الشمال، الوسط، الجنوب، والجبهة الداخلية.
قيادة الوسط تحتل مكانة خاصة ومعقدة، كونها تلعب عدة أدوار بشكل متزامن وهي:
السيادة والسيطرة: تعمل القيادة الوسطى كصاحبة سيادة في الضفة الغربية، باعتبارها قوة احتلال، وتشرف على الشؤون المدنية من خلال ترؤسها أجهزة مثل منسق أعمال الحكومة في المناطق والإدارة المدنية. في هذا السياق، تعتبر القيادة الوسطى للجيش بمثابة سلطة تشريعية، قضائية وتنفيذية، في الأرض التي تحتلها.
الموازنة بين الهجوم والدفاع: على العكس من قيادات الجيش الإسرائيلي الأخرى، والتي تدخل حروبا أو نزاعات بهدف حسمها، فإن القيادة الوسطى لا تعمل على حسم الصراع مع الفلسطينيين في الأرض المحتلة فقط بقوة السلاح لأنها من المفترض أن تخلق "أجواء" تمكنها من الاستمرار في حكم الفلسطينيين والأرض المحتلة على الأمد الطويل. ويشمل هذا النهج كلا من الأعمال العسكرية المباشرة والاستراتيجيات النظامية الأوسع نطاقا التي تنطوي على التنسيق الاقتصادي والمدني والاهتمام بحياة سكان الأرض المحتلة.
تنسيق مع أجهزة أمنية أخرى: تنسق القيادة المركزية أنشطة مختلف الجهات العاملة في الضفة الغربية، بما في ذلك جهاز الأمن العام (الشاباك) والشرطة وحرس الحدود، على أن تعمل هذه الأجهزة تحت أمرة القيادة الوسطى، وبالتنسيق المسبق معها باعتبارها صاحبة السيادة على الأرض المحتلة، وهو أمر غير مألوف في قيادة الجيش الأخرى.
إنفاذ القانون والنظام: رئيس القيادة المركزية مسؤول عن فرض القانون والنظام داخل الضفة الغربية، وهو دور يشمل الإشراف على العمليات المدنية والأمنية والتنسيق مع قوات الأمن الفلسطينية للحفاظ على الاستقرار، الأمر الذي يعني أن استراتيجية القيادة الوسطى تتأثر بشكل مباشر من قبل لاعبين آخرين من خارج مؤسسة الجيش وعلى القيادة الوسطى أن تحافظ على هذه المصالح التي لا تتوافق بشكل كامل مع مصالح الجيش نفسه.
التكيف مع التغيرات السياسية: تؤثر سياسات الحكومات الإسرائيلية على عمل القيادة الوسطى للجيش. مثلا، نقل السلطة على الإدارة المدنية من الجيش إلى وزير مدني سينعكس بشكل مباشر، وحرج، على أداء هذه القيادة وعليها أن تتعامل مع الأمر. يمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى تعقيد هياكل القيادة والتأثير على قدرة القيادة على الحفاظ على الاستقرار.
وعليه، تلعب القيادة الوسطى للجيش الإسرائيلي دوراً محورياً في الضفة الغربية، حيث تضم الألوية التي احتلت الضفة الغربية العام 1967 ونصبت نفسها حاكماً عسكرياً مهمته إدارة شؤون الأرض والسكان الواقعين تحت الاحتلال إلى حين إيجاد حل سياسي للمنطقة المحتلة. يعتبر قائد المنطقة الوسطى منذ العام 1967 هو الحاكم العسكري، وصاحب السيادة، والمشرع الذي تسري أوامره العسكرية على منطقة نفوذه، لكن إدارة المنطقة "ج" بدأت تدريجياً تخرج عن السيطرة الشاملة للقيادة الوسطى للجيش مع تحول الاستيطان إلى مشروع مدني تتبناه حركات ومنظمات ووزارات في الدولة.
من هو آفي بلوط: قائد المنطقة الوسطى الجديد؟
ولد آفي بلوط في القدس، ودرس في مدرسة "ما قبل عسكرية" (أو كدام تسفائيت) في مستوطنة عيلي، وهي من أكثر المستوطنات تشدداً وتطرفا، وفيها درس بتسلئيل سموتريتش في السابق. وتجند بلوط في الجيش الإسرائيلي العام 1994 وهو في سن 18 عاما. في مسيرته العسكرية، تطور بلوط ليصبح ضابطاً يترأس سرية حربية، وشارك في حروب على لبنان. وبعد أن درس بلوط الفلسفة والاقتصاد والعلوم السياسية في الجامعة العبرية، شغل منصب رئيس مكتب قائد القوات البرية، بيني غانتس، ما بين 2005 و2007، قبل أن يخرج لاستكمال تعليمه الأكاديمي، وهو تعليم عادة ما يركز على شؤون الإدارة، والاستراتيجيات والتفاعلات بين السياسة والجيش، وهي تخصصات لا بد منها لتولي منصب قائد قوات الاحتلال في الأراضي المحتلة.
في العام 2008، أصيب بلوط أثناء مشاركته في المعارك مع قطاع غزة. وبتاريخ 15 آب 2012 تمت ترقيته إلى رتبة عقيد وعين قائد لواء يهودا (2012-2014)، وهو لواء عامل ضمن القيادة الوسطى للجيش ومتمركز في الضفة الغربية. وعندما أصبح قائد وحدة عوز (2017-2018)، تم اقتحام سيارته وسرقة ملف يحتوي على وثائق سرية الأمر الذي أدى إلى توبيخه واجباره على ترك منصبه في هذه الوحدة.
وأصبحت مسيرة بلوط أكثر إشكالية بعد العام 2018، عندما تمت ترقيته إلى رتبة عميد وتعيينه سكرتيرًا عسكريًا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. في تلك الفترة، تلاعب بلوط بمنصبه من خلال عدم تسليمه قرار رئيس الوزراء بتأجيل عملية إخلاء مستوطنة عامونا، الأمر الذي دفع قيادة أركان الجيش والقيادة الوسطى في الجيش للقيام بالإخلاء على الرغم من قرار رئيس الوزراء بتأجيله.
ثم تولى بلوط في العام 2021 قيادة فرقة "يهودا والسامرة" المسؤولة عن كل العمليات الحربية في الضفة الغربية، وأثناء ولايته أطلقت إسرائيل عملية "كاسر الأمواج". كجزء من العملية، تضاعف عدد الكتائب وترتيب المعركة تحت قيادته.
عندما تولى منصبه، كان مسؤولا عن 13 كتيبة. في تشرين الأول 2022 قاد 24 كتيبة في أنحاء الضفة الغربية، وحولها إلى ساحة حرب حقيقية. ويعزى إلى بلوط، بخلاف سابقه فوكس، تبنيه نهجا هجوميا عنيفاً تجاه الفلسطينيين يصفه حتى بعض الإسرائيليين بأنه مبالغ فيه.