قائمة الموقع

​المصالحة المجتمعية ضرورة شعبية لطيّ "الصفحة السوداء"

2017-10-16T06:20:49+03:00

قبل أن تدق بابه لجنة المصالحة المجتمعية، جمع أبناءه الستة، وأخذ يحدّثهم عن أهمية المصالحة بين أبناء الشعب الفلسطيني والمسامحة، وقال لهم إن "حماس وفتح ليسوا أعداءنا، فالاحتلال سارق الأرض والعرض، هو العدو الذي يجب أن نصوب بندقيتنا نحو صدره، ولا أريد للحقد والكراهية أن تبقى مغروسة في نفوس أبنائي وأحفادي، ولا أن يأتي أحد المارة، يومًا، فيشير بأصبعه، ويقول (هذا هو قاتل أخيكم وعمكم)".

هذا ما فعله "خليل اللداوي"، والد الشهيد "محمد"، الذي راح ضحية أحداث الانقسام، عام 2007، قبل أن تزوره لجنة المصالحة المجتمعية، التي استجاب لجهودها بكل إيجابية.

لكن الوطن أغلى

قال اللداوي: "صحيح أن الابن أغلى ما يملكه الإنسان، لكن الوطن أغلى من الجميع، فقد تشبعنا من الحقد والكراهية بين العائلات الفلسطينية، وبين الجار وجاره، وعانينا من أحداث القتل، فكان لا بد من مصالحة مجتمعية، إذ هي الركيزة الأساسية لتحسين الواقع المجتمعي".

وأضاف لـ"فلسطين" أن "الانشغال بالخلافات الداخلية بين أبناء الشعب، هو طريق للتهلكة وضياع الوطن، كما أن الوطن يحتاج من جميع أبنائه لأن يكونوا يدًا واحدة، فوحدتنا في قوتنا، وانقسامنا سبب ضعفنا".

وقد استشهد "محمد" أثناء زيارة لخاله، الذي كان يحب الذهاب عنده بشكل شبه يومي، والتسامر معه وقضاء بعض الوقت في المزاح والضحك، وفي أثناء وجوده هناك سقطت عليه قذيفة أودت بحياته.

وأشار إلى ضرورة وجود مبادرة من الجميع لإنهاء حالة الانقسام والتفرقة، رغم أن "المصالحة التي تم عقدها لن تنسيني ابني، ولكن حبي لوطني وشعبي فوق كل شيء، كما أنها تأتي من أجل تسكين جراح أهالي الشهداء"، على حد قوله.

وأكّد اللداوي: "الوطن أغلى منا جميعًا، ولا بد أن نكون يدًا واحدة من أجل كسر شوكة الاحتلال، فالمصالحة المجتمعية ملف مهم، وإذا تم إبرام مصالحة على المستوى السياسي دون صلح اجتماعي بين العائلات فلا فائدة منه، لذلك فهي البداية لإنهاء الصفحة السوداء".

من أجل فلسطين

وقال مصطفى عبد العزيز، والد الشهيد طارق: إن "الشعب الغزي عاش ويلات الانقسام منذ أكثر من عشرة أعوام، وكان له أثره السلبي على كل النواحي، فطال الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حتى الضفة الغربية استفرد بها الاحتلال ونهش أرضها، لذا يكفينا مآسيَ، وحقدًا، ووجع الحصار".

آثر عبد العزيز الاستجابة لجهود لجنة المصالحة لطي صفحة الانقسام، واحتسب ابنه عند الله.

وأوضح: "لا بد أن تكون مصلحة الوطن أكبر من أي شيء، فالإنسان في سبيل الله، ثم الوطن، نفعل ذلك كي نلتحم مع بعضنا من أجل تحرير فلسطين بكاملها".

وأكد عبد العزيز على "ضرورة الضغط على الجراح، من أجل استعادة الأرض التي سُلبت من الآباء والأجداد، فهذه الحكاية أكبر من سقوط شهيد أو شهيدين"، مشيرا إلى قناعته بأن "المصالحة الحقيقية هي المجتمعية، بعيدًا عن المؤتمرات السياسية والإعلام".

أشد خطورة

"فلسطين" توجهت لعضو في لجنة المصالحة المجتمعية عن حركة المقاومة الإسلامية حماس زكريا معمر، للحديث عن عمل اللجنة، وتعامل أهالي الضحايا معها.

قال معمر: إن "لجنة المصالحة المجتمعية تعمل وفق اتفاق القاهرة، الذي وُقع عام 2011، والذي نصّ على اتفاقية واضحة بخصوص عمل اللجنة، إذ تُركز جهودها على معالجة ملفات ضحايا الانقسام".

وأضاف في حديثه لـ"فلسطين" أن مهام اللجنة تنقسم إلى ثلاثة ملفات، الأول الشهداء الذين سقطوا خلال الاقتتال الداخلي، والثاني الجرحى الذين أصيبوا خلال الأحداث ذاتها، والثالث ملف الأضرار المادية التي أصابت ممتلكات خاصة أو عامة.

وأوضح أن عددًا من الفصائل تشارك في اللجنة، وقد بدأت عملها منذ ثلاثة أشهر تقريبًا، وأنجزت خلال الفترة الماضية ملفات ما يقارب 27 شهيدًا من كافة الفصائل وعامة الناس، لافتا إلى أنه من المقرر إقامة حفل مصالحة لذوي 13 شهيدًا آخرين في منطقة شمال غزة، غدًا الثلاثاء، ليصبح الإجمالي 40 شهيدًا على مستوى قطاع غزة.

وبين معمر أن اللجنة تتواصل مع عائلات الشهداء مسبقًا، ومن خلال تعاملها معهم لم تواجه اللجنة أي حالة رفض أو معارضة، مؤكدا: "بل على العكس، هناك دعم شعبي وفصائلي واسع لعمل اللجنة، وأهالي الضحايا يرحبون بهذا العمل، ويوافقون على التصالح والتنازل عن دماء أبنائهم من أجل القضية الفلسطينية ووحدة الشعب".

وقال: "يحدث الصلح مع تأكيد الجميع على أن دماء أبنائهم غالية، ولكن الوطن أغلى، فبعد سنوات الانقسام، نعيش حالة تفهم عام، وإجماعا على ضرورة إنهاء هذا الملف، خاصة أن الانقسام الاجتماعي لا يقل خطورة عن الانقسام السياسي والإداري الحاصل في الشعب الفلسطيني".

وأضاف أن "الانقسام الاجتماعي أشد خطورة، كونه يمس الناس في علاقاتها الشخصية والعائلية"، متابعا: "وإنجاز المصالحة الاجتماعية أمر في غاية الأهمية، ولا يمكن أن تحصل مصالحة سياسية إذا كان الخلاف الاجتماعي بين أبناء الشعب ما يزال قائما".

ويشير معمر إلى أن كل عائلة يزورها وفد كبير، لا يقل عدد أفراده عن 30 شخصية من الشخصيات الوطنية والعشائرية والمجتمعية، وقد توصلت اللجنة إلى تقديم مبلغ 5000 دولار لكل عائلة شهيد، وهو عبارة عن "جبر للضرر"، وبالمفهوم الشرعي "دية".

وأشار إلى أن العمل مع ملف الجرحى سيكون مرتبطا بحجم الضرر الجسدي الذي وقع على الجريح، وسيتم التعامل مع كل جريح وفق حالته الصحية ونوع الإصابة.

وأكّد معمر أن الأجواء الإيجابية والتفاهمات الأخيرة بين حركتي حماس وفتح من شأنها أن تسهّل عمل اللجنة، لافتا إلى عدم وجود مدة زمنية محددة لعملها، خاصة أن الأمر مرتبط بمدى توفر الأموال، التي تمثّل المحدد الرئيس لمدة العمل.

اخبار ذات صلة