قائمة الموقع

عائلة "بارود" ..أربعة أشقاء استشهدوا بين جدران المساجد والعمل الإغاثي

2024-07-20T14:03:00+03:00

داخل إطار صورة تذكارية يتوسط الأبُ د. محمود بارود أبناءه الأربعة يشعُ الفرح من ملامحهم، يقفُ متباهيًا بشبابه الذين ترعرعوا بين "حبات عينيه" وعلى موائد القرآن الكريم الذي أتم أربعتهم حفظه، وقد اشتد عودهم وأصبحوا مثل قامته، يحملون ملامحه وأخلاقه وصفاته التي زرعها في قلوبهم.

تطل حنين محمود بارود كل صباح من ذاكرتها المليئة بالشوق لوالدها المفقود، ومن قلبها الغارق بالفقد على أشقائها الذين استشهدوا خلال الحرب، ولم يتبق من رائحتهم إلا صورة جمعتهم بين إطارها كما جمعهم البيت والحياة قبل أن يتناقص أضلاع الصورة فردًا فردًا حتى رحلوا جمعيا، تمضي أيامها غارقة في حيرتها على مصير والدها المجهول والذي انقطعت أخباره ولم يعرف إن كان شهيدًا أم أسيرًا.

شهيدا "المسجد الأبيض"

يوم 13 يوليو/ تموز الجاري، تقابل الشقيقان مؤمن (19 عاما) وأحمد (16 عاما) على ركام المسجد الأبيض بمخيم الشاطئ بمدينة غزة، جمعتهما صلاة الظهر بعد أن فرقتهما الأعباء المنزلية منذ الصباح، فأديا صلاة الجماعة التي تربيا على المحافظة عليها حتى في أهلك الظروف، لم يهمهما تهديد الاحتلال للمساجد وقصفه للمصلين.

انتهت الصلاة وأديا ركعتي السنة، وبينما "كان مؤمن ساجدا وأحمد يرفع إصبع السبابة بالتشهد الأخير، حدث انفجارٌ هز المخيم، ليستيقظ المخيم الجريح على فاجعة مجزرة دموية ارتقى على إثرها نحو 22 شهيدًا ضمت القائمة شقيقي" تنقل حنين لموقع "فلسطين أون لاين" عن شهود عيان آخر لحظات لشقيقيها.

قبل خروجهما للصلاة تشارك الاثنان في تعبئة المياه لعائلتهما، والمشاركة بأعمال تنظيف البيت، كان مؤمن ميقنًا أنه سينال الشهادة فيردد دائمًا "أنا حلق أخوتي" هذا ما استحضرته ذاكرة شقيقته عن آخر أيامه.

أنهى مؤمن التوجيهي قبل الحرب وكان يحلم أن يدرس تخصص الإلكترونيات وتعلق في كل شيء بهذا المجال، أما شقيقه أحمد فكان في الصف العاشر تميز بأسلوب الخطابة والحديث الشريف وكان يحلم أن يصبح خطيبا ليزرع في نفوس الناس من على منبر النبي منهاج النبوة وتعاليم القرآن الكريم.

لحق مؤمن وأحمد بشقيقهما الشهيدين مالك ومحمد، والأول هو أكبر الأبناء للدكتور محمود وفرحته يبلغ من العمر 30 عامًا، متزوج ولديه طفلان محمود الذي يحمل اسمه جده وعبد الوهاب، استشهدا في الأشهر الأولى من الحرب.

تنافس الأشقاء الأربعة على حفظ القرآن الكريم، بعضهم أتمه والبعض الآخر تبقى له أجزاء قليلة، عاشوا حياتهم بين موائد القرآن وجدران المسجد الذي لم يتركوه حتى عندما حوله الاحتلال إلى ركام، فأقاموا الصلاة على انقاضه وحافظوا على رفع الآذان في سماء المخيم، واستشهدوا على ذلك.

عمل إنساني

مع بداية حرب الإبادة الجماعية ترأس محمود بارود لجنة الطوارئ بمخيم الشاطئ، وكان يسهر طوال الوقت على تقديم الخدمات للسكان بما فيها المياه الصالحة للشرب، ساعده أبناؤه في ذلك، وكان مالك "ذراعه الأيمن" تقول حنين.

تتذكر بعضًا من مهام أشقائها في توفير الماء، والتي كانت بعضها أشبه بعمل "فدائي": "كان أبي يرسلهم لبعض المؤسسات التي تبقى لديهم مخزون من السولار بالتنسيق مع الوزارات والجهات المعنية لتوفير المياه على طريق محطات التحلية".

آخر مهمة إغاثية كلف بها مالك كانت بتاريخ 6 نوفمبر/ تشرين ثاني دون هذا اليوم تاريخ "استشهاد أول أبطال العائلة" التي وهبت نفسها منذ اليوم الأول للحرب لخدمة النازحين، حيث زرع الأب بذور العمل الإنساني في قلوب أبنائه.

بينما كان مالك يستقل سيارة برفقة اثنين من المساعدين، وعند وصولهم بالقرب من محطة فارس عند جامعة الأزهر كانت قوة إسرائيلية تتمركز بالقرب من المكان، فجرى استهدافهم بصاروخ أطلقته طائرة إسرائيلية، نجى من الصاروخ الأول لكنه لم ينجُ من الصاروخ الثاني فاستشهد مع المرافقين. 

شاءت الأقدار أن يستشهد الأخوة بالترتيب من الأكبر حتى الأصغر، ولم يمر أكثر من شهرين على جرح العائلة بفقد أكبر أبنائها، فكانت يوم 24 ديسمبر/ كانون أول الماضي على موعد مع توديع محمد (26 عاما) وهو يعمل مسعفًا.

استهدف محمد عندما حاول اسعاف مصابين ونقل شهداء قصفهم الاحتلال بالمخيم قبالة المسجد الأبيض، وقبل أن ينقل المصابين جرى استهدافه فنقل شهيدًا معه ليدفع ثمنًا من دمائه، ويعاقبه الاحتلال على عمله الإنساني الذي كفلته قوانين حقوق الإنسان.

عن مصير والدها، لا زالت حنين تتقفى أية معلومة عنه تبرد قلوبهم، تقول بنبرة ممزوجة بين الأمل والألم: "لا نعلم أي شيء عنه، فقط عرفنا أنه خرج من مستوصف الأونروا بمنطقة الشاطئ واختفت آثاره ولا نعلم إذا كان شهيدا أم أسيرا".

يغلف الحزن صوتها "الفراق صعب، والحزن قائم بهذا القلب، فلا نقول إلا الحمد لله رب العالمين الذي صبرنا".

كغيرها من العائلات التي اختارت التشبث في مدينة غزة وشمالها وعانت من التشريد والتجويع والتنقل بين مراكز الإيواء والبيوت، لكنها تعالت على آلامها وجراحها واختارت أن يتطوع أبناؤها في العمل الإغاثي والإنساني، في طريق سار فيه الأبناء على درب والدهم.

اخبار ذات صلة