يتحدث جنرالات الاحتلال عن إرهاق للجنود وبحاجة تجنيد واسع واستراحة مقاتلين وقلة ذخائر، ويؤكدون القضاء تقريبا على كتائب حماس، حديث الجيش هذا تزامن مع تصريحات سياسية لنتنياهو وجالانت وغيرهم بتوجيه أمريكي حول المرحلة الثالثة واليوم التالي واقتراب إعلانها في غزة وعدم وجود إسناد عسكري أمريكي لحرب في الشمال، ما يشي بخطة يبدو أن المقاومة وجبهاتها أدركت مخاطرها:
استمرار الحشد العسكري في الحدود الشمالية ووضع الخطط العسكرية وتكثيف التواصل الأمريكي الإسرائيلي ووصول القطع البحرية للمتوسط؛ مؤشرات تصعيد تتجاوز الردع في ظل خطة المرحلة الثالثة التي تُحاك لغزة، حيث أن الإسرائيلي يريد أن يقول للعالم إن الحرب على غزة انتهت وستكون هناك فقط عمليات دقيقة ومحدودة "خديعة إعادة التسمية"، وبالتالي حجة حزب الله والجبهات الأخرى زالت ولم يعد هناك أي مبرر للإسناد الذي أبلغ الحزب فيه الوسطاء الدوليين.
حزب الله أرسل ثلاثة رسائل في عدة أيام منها أمنيّة من خلال الهدهد وما عاد به في حلقته الأولى، وأخرى عسكرية من حديث أمينه العام السيد حسن نصر الله حينما قال "ما يجب أن يصل لبنان وصل"، وثالثة سياسية حسمها بأن جبهة الإسناد لن تتوقف إلا بتوقف كامل للنار في غزة وبعد إعلان المقاومة الفلسطينية ذلك، وبالتالي قطع الطريق على خديعة المرحلة الثالثة التي أرادها الإسرائيلي مخرجا من مأزقه.
حاول الاحتلال ويحاول الاستفادة من فكرة المرحلة الثالثة أن يحيد جبهات الإسناد بحجة انتهاء السبب، وإذا فشل وسيفشل في الخديعة سيستخدم استمرار حزب الله في المواجهة أنه اعتداء تعرض له يستوجب التضامن الدولي، وكأنه يحاول تكرار تجييش دولي على غرار بداية الحرب على غزة، ولكن هنا نقطة ضعفه أن ميدان غزة سيبقى مشتعلا، وهذا واضح من خلال عمليات المقاومة هناك وكذلك إعلان الحزب أن الإسناد مرتبط بوقف كامل للحرب وبتأكيد المقاومة الفلسطينية ذلك رسميا، وبالتالي التجييش لن ينجح.
في سياق آخر بات الإسرائيلي بحاجة لهكذا مرحلة لما فيها من أهمية له على الساحة الدولية القانونية والتخلص من ربط الإبادة باسمه وإنهاء عزلته، وكذلك إرسال رسائل معنوية لجيشه المهزوم ولجبهته الداخلية وفصل الساحات، كما أن لديه مخطط اليوم التالي الذي فيه قوة عربية تتجهز للدخول لغزة وتشترط وقف الحرب لو إعلاميا، ومشاركة سلطة رام الله فيها لتمرير شرعيتها، والدخول بكيس طحين وأسمنت لاستكمال أهداف الحرب، بينما الميدان وقوة حماس والمقاومة إداريا ومدنيا وأمنيا بالإضافة للجانب العسكري والشعبي تُفشل هكذا مرحلة، مع أنها مهمة جدا للخروج المؤقت والشكلي من القالب الذي يخنق "إسرائيل".
الجبهة المتصاعدة والتي لم تكن في حسابات الأمن هي الضفة الغربية وعبواتها التي تتطور نوعا وكمّاً وتنتشر جغرافياً، ما يعني أن وحدة الساحات لن تنجح فيها حيلة المرحلة الثالثة، ويبدو أن ما يحاك في غزة يفشل كل يوم لما للميدان من تصاعد وتطور في الساحات كلها، حيث أن أوراق المقاومة تقوى كل يوم ما يُضعف فكرة التضليل أو الالتفاف الإعلامي.
هم أرادوها مرحلة ثالثة لإنجاح مخططهم، وواضح أن ساعة المقاومة وتوقيتها تبقي رياح الطوفان بما لا تشتهيه قوارب نجاتهم.