يتفقد المسن ربحي عاشور البالغ (76 عامًا) معصمي يديه اللذان تظهر عليهما آثار التكبيل من احمرار وتقشف حولهما.
وبينما يفعل ذلك طيلة الوقت يشرح عاشور لمن حوله الظروف القاسية التي عاشها في واحد من أسوأ معتقلات الاحتلال "الإسرائيلي" بعد اختطافه من داخل قطاع غزة.
يقيم عاشور -من سكان بلدة بيت حانون المدمرة بشمالي القطاع- في مدرسة تابعة لوكالة غوث اللاجئين "أونروا" تحولت إلى مركز لإيواء النازحين في مدينة غزة.
وبدأت رحلة نزوح عاشور وعائلته مع بدء جيش الاحتلال حرب الإبادة يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، على إثر تدمير منزليْن للعائلة، ما أجبرهم جميعًا على النزوح إلى مراكز الإيواء.
يقول، إنه "نزح أولاً إلى عدة أماكن في محافظة شمال القطاع قبل أن يستقر في إحدى مدارس وكالة الغوث بمخيم جباليا".
"لكن جيش الاحتلال عندما بدأ عملية عسكرية مؤخرًا في المخيم –استمرت 20 يومًا- استهدف مراكز الإيواء والنازحين فيها وأحرقها، واعتقل المئات من داخلها، وكنت واحدًا منهم"، أضاف عاشور لـ"فلسطين أون لاين".
"لم أتخيل للحظة أن أكون من ضمن المعتقلين بسبب التقدم في العمر، لكن جنود الاحتلال ليس لديهم أي معايير في التعامل مع المدنيين إن كانوا شبانًا أو مسنين".
ومنذ اللحظات الأولى لاعتقاله يوم 15 مايو/ أيار 2024، تجشم عاشور عناءً كبيرًا على إثر تكبيله ووضع عصبة على عينيه عنوةً، ونقله إلى أحد معتقلات الاحتلال.
وتابع، إن "جيش الاحتلال نقله إلى معتقل أشبه بالبراكس، يقبع فيه عدد كبير من المواطنين الذين اعتقلهم جيش الاحتلال من غزة".
ولا يعرف المسن اسم المعتقل الذي زُج به خلف قضبانه، لكن بالتأكيد كان "سديه تيمان" سيء الصيت والسمعة، كما قال.
وكانت تقارير إخبارية نقلت عن معتقلين أفرج عنهم الاحتلال ومحامٍ تمكن من زيارة المعتقل، تفاصيل ما يتعرض له المعتقلين في "سديه تيمان" من عمليات شبح واعتداء وتعذيب وحشي أدت إلى استشهاد العديد منهم.
وشبّه مراقبون "سديه تيمان" بمعتقل "غوانتانامو" الذي أقامته الولايات المتحدة في أقصى جنوب شرق كوبا، وبدأت السلطات الأمريكية استعماله في 2002، وانمحت فيه القيم الإنسانية وانعدمت الأخلاق في التعامل مع المعتقلين بداخله، بحسب مراقبين.
وأضاف عاشور، استمرت مدة الاعتقال شهرًا كاملاً وأنا مكبل اليدين ومعصوب العينيْن.. كنا نقضي وقتنا في المعتقل إما ونحن نجثو على ركبنا أو واقفين لساعات طويلة، ومن يخالف تعليمات جنود الاحتلال يُعاقب بالاعتداء والتعذيب.
وأكمل، "جنود الاحتلال معنيين بشدة بإبقاء المعتقلين معصوبين حتى لا يتمكنوا من رؤية ما يتعرضون له من قهر وتعذيب وجرائم".
وعندما يحتاج المعتقل الذهاب إلى دورة المياه للاستحمام، يمنحه جنود الاحتلال 3 دقائق فقط قبل العودة إلى نافذة صغيرة يدخل يديه فيها لتكبيلها مجددًا، بحسب عاشور.
وبين أن اعتقاله وطريقة تعامل جنود الاحتلال معه تركت تداعيات خطيرة على وضعه الصحي، وهو بحاجة إلى وقت طويل للتعافي.
وأكد أن باقي المعتقلين موزعين على عدة أقسام في السجن الذي اعتقل فيه، يقبع في القسم الواحد أكثر من 100 معتقل، ويعيش جميعهم ظروف اعتقالية صعبة للغاية بفعل سياسات الاحتلال وعمليات القمع والتعذيب الوحشية.
والمسن عاشور لديه 17 من الأبناء والبنات أكبرهم (46 عامًا) وأصغرهم (19 عامًا) يتقاسمون جميعًا مأساة العدوان ومعاناة النزوح بفعل الحرب الممتدة للشهر العاشر على التوالي.