في مشاهد نادرة ومثيرة، نشر الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية في لبنان، اليوم الثلاثاء، مشاهد استطلاع جوي لمناطق في شمال فلسطين المحتلة عادت بها طائرات القوة الجوية في المقاومة، وذلك تحت عنوان: "هذا ما رجع به الهدهد".
وخلال 9 دقائق ونصف الدقيقة ضمن الحلقة الأولى، أظهرت مشاهد مفصّلة وعالية الدقة، عدداً من الأهداف الاستراتيجية والهامة لدى الاحتلال الإسرائيلي في مدينة حيفا المحتلة، منها مجمّع الصناعات العسكرية لشركة رافاييل، ومنطقة ميناء حيفا وما تحويه من بنك أهداف، ومحطة الكهرباء وخزانات المواد الكيميائية والنفط والمطار، وأيضاً مخازن القبة الحديدية ومنصاتها، بالإضافة إلى منطقة "الكريوت" شمالي المدينة.
وحول رسائل حزب الله من المقطع المصور، قال الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد الركن حاتم الفلاحي إن مقطع الفيديو ويتضمن مشاهد التقطتها الطائرات المسيرة لعدد من الأهداف العسكرية والمدنية والاقتصادية في العمق الإسرائيلي يحمل رسائل متعددة ويأتي في توقيت بالغ الأهمية.
وأوضح الفلاحي، أن أهمية هذا الفيديو تأتي من اتجاهات عدة:
أولا: من حيث الدقة الفنية، حيث أشار الفيديو بدقة متناهية إلى العديد من الأهداف في خليج حيفا وجزر كريوت وبعض المواقع العسكرية الحساسة، وتم تسجيل إحداثيات دقيقة جدا لهذه المواقع، مع إعطاء مسافات دقيقة باتجاه لبنان.
ثانيا: القدرة الاستخبارية التي تظهر بنك المعلومات الاستخباري لحزب الله، وهذا أمر غير مسبوق في المواجهات السابقة.
ثالثا: المواجهة العسكرية مع الحزب يجب أن تأخذ في الحساب أن نوعية أهداف حزب الله في المواجهة القادمة ستكون كبيرة ومؤثرة ومؤلمة بالنسبة للجيش الإسرائيلي.
رابعا: التوقيت، إذ جاء الفيديو في توقيت مهم جدا، خاصة لحزب الله، في ظل التهديدات الإسرائيلية باجتياح لبنان لدفع مقاتلي الحزب إلى خلف نهر الليطاني.
وبيّن الخبير العسكري أن حزب الله يريد أن يقول إنه إذا أردتم الإقدام على هذه الخطوة فإن حساباتكم يجب أن تكون دقيقة، لأن المواجهة الآن ستختلف عن المواجهات السابقة من حيث الأهداف والأدوات والأساليب وأهذا الفيديو أظهر أهدافا مهمة ستكون جميعها في مرمى صواريخ حزب الله وطائراته المسيرة، وأن هناك إمكانية كبيرة جدا للوصول إلى هذه الأهداف رغم وجود المنظومات الرادارية التي فشلت في كشف هذه الطائرات المسيرة.
وأضاف، أن الرد على الاستهدافات الإسرائيلية سيكون بالمثل، وهذا يعني أن القدرات والبنى التحتية الإسرائيلية أيضا ستكون تحت مرمى صواريخ حزب الله.
قدرات متفوّقة ومتقدّمة
في هذا السياق، رجّح محلل الشؤون الأمنية والعسكرية، العميد شارل أبي نادر، أنّ حزب الله استخدم مسيّرة "هدد 3" إيرانية الصنع، موضحاً أنّها "طائرة كهربائية بلا بصمة حرارية أو صوتية، ما يُصعّب اكتشافها وملاحقتها".
وأضاف أبي نادر، أنّ مسيّرة "هدهد 3" "لديها القدرة على أن تحمل مجموعة متنوّعة من الكاميرات، فيما صوتها منخفض"، و"تبلغ سرعتها القصوى 70 كيلومتراً في الساعة، وبإمكانها التحليق لأكثر من ساعة".
وعقّب قائلاً إنّ "مسيّرة الهدهد، كما يبدو، هي طائرة متفوّفة ومتقدّمة جداً في هذا المجال"، فهي "دخلت إلى عقر دار القدرات العسكرية الإسرائيلية، حيث أظهرت "مرفأ حيفا، والقاعدة البحرية الشمالية، وعدة نماذج لمدمّرات ساعر، ومصنع رافاييل الذي يشكّل عصب الصناعات العسكرية للاحتلال، ولاقتصاده الذي يمدّه بالتجهيزات غالية الثمن".
وتابع أبي نادر أنّ "دخول المقاومة الإسلامية إلى هذه المنطقة الحساسة والاستراتيجية هي قدرة تُسجّل لطائرات الهدهد ولمن أدارها".
كما أشار إلى أنّ الموضوع لا يتعلق فقط فيما صوّرته المسيّرة، بل "يتعلق في ما يملكه حزب الله من قدرة على تحديد المواقع وتحليلها وتمييزها"، إذ إنّ ما نُشر من مشاهد "يُضاف إلى المعلومات التي أتت بها الطائرة، لكي تتشكّل قاعدة بيانات استعلامية أساسية"، وهنا "الحديث عن مستوى متقدّم جداً من الاستعلام".
وعليه، شدّد أبي نادر على أنّ "كلّ القدرات العسكرية، البرية والجوية، وحتى الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي، أصبحت مهدّدة من جانب المقاومة الإسلامية في لبنان".
لماذا تسمية الهدهد؟
بدوره، أشار العميد محمد عباس إلى أنّ "المقاومة أثبتت أنّ لديها وسائل متطورة جداً"، فمسيّراتها "تجاوزت كل وسائل الدفاع الجوي وعادت من دون أن تتمكّن هذه الوسائل من كشفها".
وأضاف العميد عباس، أنّ الفيديو كشف عشرات الأهداف "السوبر حيوية" في حيفا المحتلة، موضحاً أنّ تسمية "الهدهد" تُعبّر عن المسافة البعيدة التي قطعها وعودته مع الخبر اليقين.
"أثمن بنك أهداف"
من جانبه، وفيما يخصّ أهمية الأماكن التي نشرها الحزب، أكّد الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية اللواء واصف عريقات أنّ ما كشفه حزب الله في الفيديو الأخير يُشكّل أثمن بنك أهداف لدى الاحتلال، مشيراً إلى أنّ "الرسالة وصلت".
وأضاف عريقات إلى أنّ "ما يجري الآن ليس حرباً ميدانية، بل هي حرب على الوعي، وأثبتت أنّ الجيش الذي لا يقهر قهر وانهزم وتقهقر".
كما لفت إلى أنّ "وصف إسرائيل للفيديو بالخطير جداً، يقرّ بقوة المقاومة وقدرتها على رد الصاع صاعين وتفوّقها في مجال الدقة والمعلومات".
رسائل ردع
أيضاً، تحدّث محللو عن الرسائل التي أراد حزب الله توجيهها من خلال الفيديو، خصوصاً وأنّ نشر الفيديو يتزامن مع زيارة المبعوث الأميركي، آموس هوكستين، إلى بيروت، حيث بحث مع المسؤولين اللبنانين التصعيد عند الحدود مع فلسطين المحتلة ومستجدات الحرب على غزة ولبنان، وأيضاً يتزامن مع تزايد التهديد الإسرائيلي بشأن توسيع الحرب.
وقال العميد شارل أبي نادر إنّ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو "ربّما كان يريد أن يهرب إلى الأمام نتيجة ما حقّقته المقاومة من ضغط غير مسبوق على العدو في الجبهة الشمالية، وهو يتدحرج بشكل كبير".
وعليه، أكّد أنّ "المشاهد تُظهر، في هذا السياق، رسالة ردعية بمستوى مرتفع جداً".
بدوره، قال الخبير العسكري، خالد غرير، إنّ ما نُشر يُشير إلى أنّ "الردع أصبح لبنانياً وليس إسرائيلياً، بما معناه أنّ المقاومة هي من تردع الجيش الإسرائيلي".
وأضاف غرير للميادين أنّ "هذه المشاهد سيقف عندها العسكريون طويلاً"، فيما "الحديث عن حرب مفتوحة بات مشكلة كبيرة".
ولفت إلى أنّ هذه المشاهد "هي جزء من عامل الردع الذي تمكّنت المقاومة من صياغة حدوده ووضع معادلة ثقيلة جداً وصعبة على الحل بالنسبة إلى الإسرائيليين".
كما أوضح أنّ "الإعلان عن أنّ هذه هي الحلقة الأولى هو إعلان كارثي للاحتلال، إذ إنّه يعني أنّ هناك خروقات في مناطق أخرى وأنّ ما نُشر من بنك أهداف ما هو إلّا جزء من بنك أهداف كبير تعِدّ له المقاومة العدّة".
وبيّن غرير أنّ "حزب الله، يقول من خلال هذه المشاهد، إنّ لصواريخه الدقيقة أهدافها المحدّدة".
وبالنسبة إلى الحديث عن أنّ هذه المشاهد يمكن الحصول عليها من "غوغل إيرث"، أكّد غرير أنّ "غوغل إيرث" متواطئ مع كيان الاحتلال ويُخفي عمداً المواقع ويحجب الكثير من المعلومات"، مشدّداً على أنّ "المقاومة لا بدّ وأن تستخدم المسيّرات لإبقاء حالة الاستعلام قيد التحديث بشكل دائم، ولقراءة الميدان بشكل أفضل".
في هذا السياق، شدّد على أنّ "الاحتلال يعاني من إخفاق استراتيجي أمام الهوّة الكبيرة بين قدراته وقدرات المقاومة"، بحيث إنّ المقاومة "ألغت التفوّق الإسرائيلي ميدانياً وباتت قادرة على توجيه ضربات مؤلمة له".