فلسطين أون لاين

تقرير "الصّوت الأخير".. "عبد الرحمن" والكابوس الذي يلاحقه منذ 7 أشهر

...
غزة/ فلسطين

بمجرد أن يخلد العشريني أشرف عبد الرحمن، إلى النوم يستيقظ مفزوعًا على صورة خاله الذي لا يزال عالقًا في مخيلته وهو مدرج بالدماء ويطلب منه النجدة قائلًا: "الحقني الحقني طلعنا من هون يا أشرف".

ولا يزال يوم الـ17 من نوفمبر الماضي، محفورًا في عقل عبد الرحمن، الذي فقد شقيقه عبد العزيز، ووالده وأمه وجدته بالإضافة إلى 25 شخصًا من أفراد عائلته.

ومنذ الـ7 من أكتوبر 2023م، تشن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" حربًا مدمرة على قطاع غزة، ارتكبت خلالها آلاف المجازر خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، إلى جانب تدمير البنية التحتية.

مجزرة جديدة

وعن ذلك اليوم، قال عبد الرحمن: إن الساعة كانت تشير بعقاربها إلى الثانية بعد منتصف ليل الـ17 من نوفمبر الماضي، حين باغتنا صاروخ ألقته طائرة من نوع "أف 16" على منزل أخوالي الذي نزحنا إليه والمكون من خمس طبقات في شارع النفق بمدينة غزة، لترتكب مجزرة يروح خلالها نحو 25 شهيدًا.

وأضاف: أنه وبعد لحظات من القصف وجد نفسه ملقىً على سطح منزل أحد الجيران مكون من ثلاث طبقات، عالقًا بين كومة من الركام، فبعد محاولات عدة تمكن من الخروج وإزاحة بعض الحجارة التي علقت على جسده رغم الآلام التي كان يشعر بها في مختلف أنحاء جسده.

ويكمل: ما أن تمكنت من الخروج وإذ بي أسمع صوت تأوهات تخرج من تحت الأنقاض لأكتشف أنه خالي "محمود" والدماء تملأ المكان ويقول: "الحقني الحقني طلعنا من هون يا أشرف".

وأمضى يقول: حاولت رفع بعض الحجارة التي كانت عليه لكن لم أتمكن بسبب ثقلها لأذهب لإحدى زوايا السطح وأصرخ لطلب المساعدة من أحد لكني سقطت من الطابق الثالث أرضًا ولم أشعر بنفسي إلا وأحد المسعفين يحاول رفعي لاستيقظ وأخبره أن رجلي اليمني ويدي اليسرى تؤلماني.

وأشار إلى أن أحد المسعفين نقله بعيدًا عن مكان القصف ليجد نفسه بجانب توأم روحه شقيقه "عبد العزيز"، وكانت رجله ويده اليمنى قد بترت وفق ما أبلغني به أحد المسعفين في وقت لاحق، بسبب القصف فبقيت أتحدث معه دون أن أراه وهو يتأوه وأطلب منه الصبر وأننا سنخرج من هنا أحياء.

ويردف: "لكن دون جدوى فما هي إلا لحظات حتى اختفى صوته ونطق الشهادتين لأرددها بعده وأغض في غيبوبة استيقظت بعدها بساعات وأنا في عيادة الدرج بمدينة غزة".

دائرة الاستهداف

ويلفت عبد الرحمن، إلى أنه وبسبب خطورة وضعه الصحي وإصابته بنزيف لم يتوقف نقل إلى المستشفى الأندونيسي لتجرى له عملية جراحية لوقف النزيف ولزراعة بلاتين في رجله اليمنى بسبب إصابته بكسور وقصور في العظم إلى جانب بتر في أصابع يده اليسرى باستثناء أصبع السبابة، بعدها بأيام نقل لمستشفى العودة لإجراء عملية مماثلة لسابقتها.

ويتكئ عبد الرحمن، على عكازين طبيين يساعدانه على التنقل والحركة بعد الإصابة التي تعرض لها محاولًا استجماع قواه والتأقلم على الواقع الجديد الذي يعيشه هو وشقيقته العشرينية بعد أن فقدا أسرتهم ومنزلهم الكائن في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة عقب تدميره من قبل آليات الاحتلال خلال توغلها البري في المنطقة.

وأردف: "كنا نظنّ أن نزوحنا إلى شارع النفق والعيش بمنزل أخوالي سيحمينا من بطش الاحتلال لكن دون جدوى فقوات الجيش لا تفرق بين أحد والجميع في دائرة الاستهداف".

ويحاول عبد الرحمن، اصطناع ابتسامة، بعد أن جلس بالقرب من منزله المدمر ويطيل النظر لهاتف شقيقه عبد العزيز، قائلا هذا ما تم إخراجه من المنزل ليبقيني على ذكرى العائلة، مشيرًا إلى أن شقيقه كان يلتقط الصور -بين الفينة والأخرى- لأفراد أسرته ويوثق بعض المشاهد "وكأنه كان يريد أن نبقى على تواصل رغم استشهادهم".