مجدداً، عاد شبح المجاعة يطارد سكان مناطق شمال قطاع غزة في أعقاب استمرار إغلاق سلطات الاحتلال الإسرائيلي معبر كرم أبو سالم جنوبي القطاع وحاجز بيت حانون "إيرز" شماله، ومنع إدخال المساعدات الإغاثية إلى القطاع.
وتواصل قوات الاحتلال إغلاق معبر "كرم أبو سالم" منذ بدء اجتياحها لمدينة رفح جنوبي قطاع غزة في السابع من شهر مايو/ أيار الماضي، حيث تتمركز دباباتها وآلياتها العسكرية أمام المعبر، في حين أنها تواصل توغلها من المناطق الشرقية إلى الغربية في رفح.
وبدا واضحاً شُح السلع الغذائية والمُعلبات والخضروات في عددً من الأسواق الواقع شمالي القطاع التي أصبحت "البسطات" فيها فارغة من البضائع، الأمر الذي أدى إلى قلّة تردد المُشترين الذين يُعانون أوضاعاً اقتصادية ومعيشية كارثية.
ولا يزال العدوان الإسرائيلي الذي انطلق في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مستمراً منذ ما يزيد عن ثمانية أشهر، حيث خلّف أكثر من 36 ألف شهيد وإصابة ما يزيد عن 90 ألف آخرين، حيث ألقى بظلاله السلبية على الواقع الاقتصادي والمعيشي لسكان القطاع.
يقف الشاب كرم جبر خلف "بسطة صغيرة" في سوق الشيخ رضوان "المؤقت" رصّ عليها عدداً من أكياس البهارات والتوابل والقليل من المُعلبات، حيث يقول لمراسل "فلسطين أون لاين" الذي كان يتجول في السوق: "البضائع أصبحت قليلة جداً وبالكاد نجد ما نبيعه هنا لإيجاد قوت يومنا".
يوزع "جبر" نظراته يميناً ويساراً نحو السوق الذي بدا شبه فارغاً من المشترين من قلة البضائع من جهة ومن تردي الأوضاع الاقتصادية من جهة أخرى، ثم يُضيف "لا يوجد مُشترين في السوق لأن البضائع الموجودة أصبح سعرها مرتفع جداً".
ويؤكد أن حركة البيع والشراء كانت أفضل حينما جرى فتح "كرم أبو سالم" وسماح الاحتلال بإدخال المساعدات والمواد الغذائية والخضروات، مطالباً بضرورة فتح المعابر والسماح بإدخال شاحنات المواد الغذائية في أسرع وقت ممكن.
إلى جانب "جبر" كان الشاب وسام لبد يقف خلف بسطة لمواد التنظيف، حيث لم يكن أفضل حظاً من سابقه، إذ أن شُح البضائع بدا واضحاً لديه.
ينظر لبد إلى تلك البسطة الصغيرة ويُشير بأصبعه نحوه "كانت البسطة عندي مليئة بالبضائع لكن اليوم أصبحت شبه فارغة بسبب نقصها من السوق"، مؤكداً أن البضائع القليلة المتوفرة في السوق "مرتفعة الثمن".
ويطالب لبد بضرورة الضغط على الاحتلال لفتح المعابر وإدخال البضائع والسلع الغذائية من أجل تلبية احتياجات المواطنين الذين هم بأمّس الحاجة لها، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
من جانبه، يقول الباحث في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر: "لا يزال شمال غزة يعاني من المجاعة التي عادت لتشتد خلال الأسابيع الأخيرة، وخصوصاً مع اجتياح جيش الاحتلال لمخيم جباليا شمال القطاع وحي الزيتون جنوبه.
وأوضح أبو قمر لـ "فلسطين أون لاين"، أن ترك المواطنين للمواد الغذائية في منازلهم خلال نزوحهم من جباليا إلى مناطق متفرقة وتدميرها من جيش الاحتلال أدى لنقص كبير في السلع وبالتالي ارتفاع أسعارها في الأسواق.
ووفق قوله، يأتي ذلك بالتزامن مع عدد محدود من الشاحنات التي يتم ضخها في الأسواق خلال الفترة الراهنة، وتوقف المساعدات التي يتم إلقائها من طائرات بعض الدول العربية.
وبيّن أن الأسواق تفتقر إلى الكثير من البضائع والسلع الأساسية مثل الخضروات والفواكه واللحوم، وهو ما يزيد من تداعيات المجاعة بين السكان، لافتاً إلى أن هذا الأمر يتزامن مع تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية للمواطنين في شمال القطاع، بعد استنزاف مدخراتهم وعدم تلقي الموظفين رواتبهم.
وذكر أبو قمر أن معدلات الفقر ارتفعت خلال العدوان الإسرائيلي إلى اكثر من 90% بعد أن وصلت إلى 80% قبيل العدوان، فيما فاقت نسبة البطالة الـ 80%، والتي وصلت 45% قبل السابع من أكتوبر، إضافة إلى تدمير ممنهج لأكثر من 95% من المصانع والمنشآت الحيوية.
تجدر الإشارة إلى قوات الاحتلال دمرت سوق "معسكر جباليا" بشكل كامل، خلال اجتياحها الأخير للمخيم الواقع شمالي القطاع والمعروف باكتظاظه بالمواطنين، حيث بات خالياً من الباعة والمشترين الأمر الذي يعكس سياسة الاحتلال الممنهجة في تجويع سكان شمال القطاع وتدمير الاقتصاد فيه.