قائمة الموقع

النزوح المتكرر للعائلات الغزية يرهق الأجساد و"الجيبوب الفارغة"

2024-05-18T17:29:00+03:00
النزوح المتكرر للعائلات الغزية يرهق الأجساد و"الجيبوب الفارغة"
فلسطين أون لاين 

يطرق النازح سعيد المجدلاوي بمطرقة حديدية فوق وتد خيمته التي أقامها في ساحة عامة بمخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة.

يمسح عرق جبينه بين صراخ وآخر على أبنائه في محاولة لتجهيز خيمته قبل حلول المساء والاحتماء داخلها بعد رحلة نزوح جديدة.

وبالفعل، نجحت أسرته مع حلول الساعة 7 مساء، ترتيب أغراضها ومستلزماتها داخل الخيمة القماشية بينما استراح الأب بين خيام النازحين على كرسي حديدي متهالك.

بدأ حديثه لمراسل "فلسطين أون لاين" عن معاناته مع النزوح المتكرر؛ بحثا عن الأمان من جحيم القصف الإسرائيلي.

يذكر المجدلاوي (40 عاما) خمس مرات من النزوح، أولها خروجه من بيته الواقع في حي التفاح شرق مدينة غزة إلى بيت شقيقه في مخيم الشاطئ غربا ثم النزوح إلى مخيم النصيرات.

مكث الأب برفقة أطفاله الأربعة آنذاك في النصيرات شهرين لينزح لاحقا مع أقاربه إلى مدينة دير البلح التي مكث فيها أسبوعا واحدا داخل قطعة أرض صغيرة.

ونظرا لكثرة أعداد النازحين في المكان، اضطر إلى النزوح إلى محافظة رفح، وهناك حصل على الخيمة الموسومة بعلم المملكة العربية السعودية.

يشير بإصبعه إلى خيمته، ويقول: "هذا ما قدمته لنا الدول العربية طوال فترة الحرب .. خيمة وحصة غذائية (كابونة)".

يشكو سعيد - الذي لم يحالف من اسمه نصيب في هذه الحرب – تضرر مركبته (الأجرة) وشقته السكنية بفعل قصف إسرائيلي في حيه السكني.

وإثر ذلك، اضطر لبيع ذهب زوجته بنحو (ألفي دولار) كنفقات لأجرة النزوح من مكان إلى آخر ومصاريف عائلية ومعيشية.

ويضيف: "كل رحلة نزوح تكلف أسرتي وحدها 700 شيقل" أي ما يعادل (200 دولار).

يعترف الزوج بدور زوجته "السند" في هذه الحرب، ويتمنى انتهاءها ليتمكن من علاجها بعدما أجرت "عملية إجهاض لجنينها" داخل المستشفى الإماراتي في حي تل السلطان غرب رفح.

يتنهد ومن حوله أطفاله ويكمل حديثه "النزوح وحياة الخيام لم تسقط الجنين من بطن أمه فقط .. بل أسقطت أجسادنا جميعا صغارا وكبارا".

ويتمنى سعيد في رحلة نزوحه الحالية أن تكون الأخيرة على أمل العودة لجميع النازحين إلى مدينة غزة وشمالها.

يشار إلى أن جيش الاحتلال فصل شمال القطاع وجنوبه عقب عملية التوغل البري التي بدأها في وسط القطاع بتاريخ 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وأوعز الاحتلال آنذاك لسكان غزة وشمالها بالنزوح إلى جنوب القطاع بزعم أنها "منطقة آمنة". 

الدمار والأمراض

وليست أهوال الحرب والنزوح وحدهما تثقل "عمود" خيمة الحاج باسل داوود (60 عاما) بل اجتمعت العديد من الأمراض والهموم على جسده.

تغطى قطعة "قطن طبية" عينه اليمني، ويمسك بيده "كيس البول" أثناء وقوفه أمام خيمته التي شيدها من قطع قماشية بالية.

استقر به النزوح الحالي وسط سوق مخيم النصيرات، بعدما نزح بداية الحرب من منزله في منطقة الصفطاوي شمال مدينة غزة إلى حي الزيتون (جنوب المدينة) ثم مخيم النصيرات.

تنقل داوود بين الخيام و"المخازن التجارية" في النصيرات ودير البلح وصولا إلى رفح ثم العودة إلى المخيم مجددا.

وبدأ جيش الاحتلال في 6 مايو/ أيار الجاري عملية برية واسعة لاجتياح رفح الأمر الذي فاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.

يسرد على أصابع يده المجعدة بهموم ستة عقود من العمر، فقد خلالها نجله شهيدا، وأصابه داء السكري وضغط الدم والقولون العصبي وكسور دائمة في قفصه الصدري وضعف في النظر.

يتساءل المسن المريض بقهر: "وين نروح؟ وين في مكان آمن في غزة؟".

"أعيش على صدقات أهل الخير .. وأنزح عبر شاحنات أهل الخير" هكذا لخص داوود ثمانية أشهر من الحرب قضاهن بعيدا عن منزله الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية بداية الحرب.

ولا يتمنى النازح سوى العودة لمنزله وبناء خيمة فوق ركامه ثم "الرحيل عن الحياة".

ووفقا لوكالة الأمم المتّحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فإن مليونا و900 ألف من سكان غزة نزحوا من منازلهم منذ بداية الحرب الإسرائيلية.

الحوالات ونقص السيولة

وكأية حرب سابقة على غزة، اعتقد طبيب العيون (ت. ز) أن مكوثه في مستشفى العيون بمدينة غزة سيكون آمنا.

مارس الطبيب الشاب – الذي طلب عدم الكشف عن اسمه– عمله داخل المستشفى الحكومي وسط محاولات متكررة للاطمئنان على أسرته، لكن وحشية القصف الإسرائيلي صعبّة الأمر للغاية.

اصطحب زوجته وطفليه من شقتهما السكنية في حي الرمال وسط مدينة غزة للإقامة داخل المستشفى ليومين، ليقرر لاحقا النزوح إلى بيت شقيقته في مدينة خان يونس (جنوبا) عبر مركبة إسعاف طبية.

وأعلنت وزارة الصحة في غزة تدمير الاحتلال 33 مستشفى و53 مركزا صحيا و133 سيارة إسعاف حتى اللحظة.

وبعد نحو شهرين من النزوح في خان يونس، اضطرت العائلة النزوح إلى مخيم النصيرات،

وبعد مكوثها شهرا داخل بناية سكنية تتبع لعائلة زميله في العمل، نزحت كعائلات المخيم إلى رفح وأقامت داخل نقطة طبية في خيام النازحين (غربا).

ومع بدء الاجتياح الإسرائيلي لرفح، عادت أسرة الطبيب إلى النصيرات مجددا لتستقر حاليا في شقة سكنية للإيجار بقيمة (300 دولار).

وبحسب وكالة (أونروا) فإن أكثر من 300 ألف شخص نزحوا من رفح خلال أسبوع، ووصفت عملية النزوح بأنها "قسرية وغير إنسانية".

ويشكو الطبيب ذو العينين الخضراء من الانقطاع الطويل لصرف الدفعات المالية لموظفي حكومة غزة، عدا عن استغلال "مكاتب الصرافة" لصرف "الحوالات المالية" التي يرسلها شقيقه المقيم في دولة أوروبية له بين الحين والآخر.

وفاقم إغلاق البنوك المحلية منذ بداية الحرب وتدمير فروعها بالقصف الإسرائيلي من معاناة الموظفين والعملاء الأمر الذي دفعهم للجوء لمكاتب الصرافة التي تصرف بين الحين والآخر بنسبة فائدة مرتفعة.

ولاحقا توقفت أغلبية هذه المكاتب عن العمل بفعل "نقص السيولة المالية".

اخبار ذات صلة