تدور اشتباكات ضارية بين فصائل المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلية، منذ صباح أمس الخميس، في حي الزيتون جنوب شرقي المدينة، حيث اعترف الجيش المهزوم بمقتل 4 من جنوده في المعارك المحتدمة.
والعودة الثالثة لقوات الاحتلال الإسرائيلي المتوغلة بريًا والتي يؤازرها تحليق كثيف لطائرات الاستطلاع ومسيرات "كواد كابتر" المزودة بالرشاشات، لحي الزيتون بمدينة غزّة، كأنها الأولى من حيث قوة المقاومة ورباطة جأش مقاتليها.
فقد تحوّل الحيّ الذي يعد من الأحياء الكبيرة في مدينة غزة، إلى "كابوس" و"جحيم" لقوات الاحتلال التي تواجه كمائن واشتباكات عنيفة مع فصائل المقاومة.
وفي أحدث المعارك، وثقت كتائب القسام مشاهد لسقوط قذائف الهاون بشكل مُكثّف تجاه قوات وتحشدات جيش الاحتلال المتوغّلة في حي الزيتون.
كما وبثت مشاهد لهبوط طائرات مروحية لإجلاء القتلى والجرحى بعد استهداف كتائب القسام لقوات الاحتلال بقذائف الهاون في حي الزيتون بمدينة غزة.
وفي وقت سابق، أعلنت "سرايا القدس" أن مقاتليها قصفوا تجمعًا لآليات وجنود العدو بشارع 8 في حي الزيتون، كما استهدفوا آلية عسكرية إسرائيلية في محيط مستوصف الزيتون بالمنطقة ذاتها بقذيفة "آر بي جي".
نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" عن مصادر في جيش الاحتلال الإسرائيلي قولها إن حركة حماس أعادت تنظيم قواتها بحي الزيتون وسط قطاع غزة، مشيرة إلى أن ذلك يعرض قوات الجيش في محور نتساريم للخطر، في حين أعلنت فصائل المقاومة استهداف قوات إسرائيلية في مناطق مختلفة.
بمعارك شرسة.. لماذا تريد إسرائيل السيطرة على حي الزيتون؟
وفق تقارير عسكرية، فإن الأهمية الاستراتيجية لحي الزيتون بالنسبة إلى جيش الاحتلال تعود إلى:
_هو نافذة على شارعَي الجلاء وصلاح الدين اللذين تسعى إسرائيل للسيطرة عليهما كشارعين رئيسيين، بهدف عزل مناطق القطاع عن بعضها.
_كان يقطنه نحو 78 ألف نسمة، ويعد أعلى الأحياء كثافة في العالم، ومن مصلحة إسرائيل عدم عودة هذا العدد الكبير.
_هو المدخل الجنوبي لمدينة غزة.
_المساحات الواسعة لأشجار الزيتون بالحي ميّزته عسكريًا؛ حيث جعلته أحد أكثر أحياء غزة قدرة على إفشال اقتحامات الجيش الإسرائيلي.
خبراء يتحدثون عن "كتيبة الزيتون" وتكتيكات "المقاومة" النوعيّة
عن تكتيكات المقاومة، يقول الخبير العسكري اللواء واصف عريقات، إن داخل الحيّ تتمترس كتيبة الزيتون، التابعة لكتائب القسام، التي تملك خبرة في حرب الشوارع والعصابات؛ ما تسبّب في أن الجيش ما زال في الجزء الجنوبي الشرقي؛ حيث الكثافة السكانية متدنية.
وأشار إلى، أن حي الزيتون متداخل مع أحياء أخرى من الغرب والشمال؛ ما يسمح بهامش واسع من حرية الحركة والتنقل والتمركز للمقاتلين الفلسطينيين.
وبحسب عريقات، يتبع المقاتلون تكتيك تدمير رأس القافلة الإسرائيلية المدرّعة وهي تندفع داخل الأزقة الضيقة لوقف تَقَدُّم باقي الرتل العسكري؛ ثم اصطياد الجنود داخل مدرعاتهم؛ لذلك اعتمدت إسرائيل على تغيير خطتها بالاندفاع داخل شوارع أوسع، مثل شارع صلاح الدين وشارعي "8" و"10".
كذلك شكّلت الفصائل ما يسمّى بـ"الفريق القتالي"، وهو مكون من 4 مقاتلين مسلحين يُكلفون بمهمات، ويختفون في الأزقة والشوارع الضيقة ضمن أساليب حرب العصابات.
وفي تحليل سابق، يقول الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي لن يستطيع القضاء على كتيبة الزيتون -التي تعتبر إحدى الكتائب الضاربة للقسام- ولن يستطع السيطرة والتثبت وسيجبر على الانسحاب للخلاص من معركة خاسرة.
ويضيف الدويري -خلال تحليله للجزيرة- أن ضراوة المعارك في الزيتون تؤكد أن المقاومة تدير المعركة الدفاعية بنجاعة، وبناء على السيناريو الأسوأ رغم القوة العسكرية الساحقة للاحتلال.
ويلفت إلى أن حي الزيتون بحالة اشتباك مباشر مع قوات الاحتلال منذ اليوم الأول للمعركة البرية خاصة القاطع الجنوبي منه لأنه على تماس مباشر مع وادي غزة موطن قوات وآليات الاحتلال، مشيرا إلى أن طبيعة الأرض تساعد المقاومة على خوض معارك خلف خطوط العدو وتمنحها فرصة لمهاجمة الموجات اللاحقة من قوات الاحتلال.
ويوضح الخبير الإستراتيجي أن معركة الزيتون هي الثالثة من نوعها بعد دخول شمال قطاع غزة المرحلة الثالثة من الحرب إذ كان الهجوم الأول على أحياء التفاح والدرج ومخيم جباليا، ثم الهجوم الآخر على أحياء الشيخ عجلين وتل الهوى والرمال الجنوبي وشارع النصر.
وهذه العمليات تؤكد -بحسب الدويري- أن مزاعم الاحتلال بتفكيك كتائب القسام وأطرها التنظيمية بالمنطقة غير حقيقية، وضراوة معارك الزيتون المحتدمة تظهر أنه لم يتم تحطيم البنية المقاومة القتالية بالقاطع الشمالي، كما تم إعادة بناء الكتائب القسامية وتعمل بالتشاركية مع بقية الفصائل وتحديدا سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
ويلفت إلى أن درجة الضرر التي لحقت بفصائل المقاومة في الحرب الحالية لو كانت بليغة مثلما يدعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لانهارت هذه الكتائب، لكن هذا لم يحدث مستدلا بتصريحات لجنرالات سابقين بجيش الاحتلال.
ما أهمية حي الزيتون؟
حي الزيتون هو أكبر أحياء مدينة غزة من حيث المساحة، وثاني أكبرها من حيث عدد السكان. يقع في قلب المدينة ويحتلّ نصفها الجنوبي تقريبًا.
ويُعرف حي الزيتون ببسالة عائلاته المقاومة التي قدّمت الشهداء في كثير من الحروب على قطاع غزة، لعلّ أبرزها مجزرة عائلة السموني عام 2009، حين أمرت قوات الاحتلال 100 فرد من العائلة على التجمّع في أحد المنازل، وقصفتهم بشكل مباشر في مجزرة وُصفت بـ"الإعدام الجماعي"، استشهد على إثرها حوالي 70 فردًا، وفق تقديرات الهلال الأحمر الفلسطيني.
تتكرّر حكاية صمود الحي خلال الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث وقف سدًا منيعًا أمام محاولات الاحتلال اقتحام مدينة غزة من المنطقة الشرقية الجنوبية.
وخلال عمليته السابقة في حيي الزيتون والشجاعية، تكبّد جيش الاحتلال الكثير من الخسائر البشرية والعسكرية قبل أن يدّعي القضاء على الإطار العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في المنطقة.
لكنّ المقاومة أجبرت جيش الاحتلال على العودة إلى حي الزيتون مرة أخرى.
ويُعتبر حي الزيتون قريبًا من مناطق تمركز الاحتلال في جحر الديك وسط قطاع غزة، كما أنّه المنطقة الأقرب إلى الفاصل الجغرافي الذي تعمل عليه إسرائيل لفصل الشمال عن الجنوب.
وينظر الاحتلال إلى عملية حي الزيتون على أنّها "محاكاة" أو "نموذج" لتطبيق نواياه في تقسيم القطاع إلى مناطق أمنية والسيطرة على مرافق الحياة المدنية واستبعاد المنظمات الإنسانية الدولية، وإنشاء قيادة مدنية تُدير توزيع المساعدات الإنسانية.
لكن التاريخ يُثبت أن كل محاولات إسرائيل لإقامة أشكال حكم فلسطيني أو عربي في الضفة الغربية وقطاع غزة وحتى في لبنان (جيش لبنان الجنوبي)، قد أخفقت اخفاقًا ذريعًا.
وهو ما سيتكرّر هذه المرة أيضًا، حيث تؤكد "حماس" أنّ الخطط الإسرائيلية هي "نوع من العبث والتخبط ولن تنجح بأي حال من الأحوال".
بـ "القتل" والمجازر.. تهجير قسري بحق سكانه
ووثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ارتكاب الجيش الإسرائيلي جرائم قتل عشوائي في حي “الزيتون” في جنوب شرق مدينة غزة، في إطار عمليته العسكرية المستمرة لليوم الثالث، بهدف فرض تهجير قسري جديد على المدنيين واستكمال خطط تدمير وتفريغ مدينة غزة وشمالها من سكانها.
وأبرز الأورومتوسطي أن العملية العسكرية للجيش الإسرائيلي في حي “الزيتون” تضمنت توغلًا بريًّا بآليات عسكرية وغارات جوية ومدفعية كثيفة، ما أجبر مئات العائلات على النزوح القسري، لا سيما في ظل عمليات نسف لمربعات سكنية.
واستهل جيش الاحتلال الهجوم البري الجديد بشن عشرات الغارات الجوية على العديد من مناطق الحي الذي يعد من الأحياء الأكثر كثافة، بحيث كان يقدر تعداد سكانه بنحو 80 ألف نسمة.
وقصفت أن طائرات الاحتلال قصفت أكثر من 25 منزلا وموقعا في الحي، أغلبها منازل مواطنين، ما أدى لارتقاء عدد كبير من المواطنين، وسط موجة نزوح متكررة.
ووفق مصادر محلية، وصل إلى مستشفيي المعمداني وكمال عدوان 17 شهيدا دفن معظمهم في ساحات المعمداني، إلى جانب عدد من الجرحى.
ولا زال عدد من الشهداء والمفقودين تحت ركام المنازل وفي الطرقات ولا يستطيع أحد انتشالهم بسبب كثافة القصف الإسرائيلي.