فلسطين أون لاين

كاتب بريطاني: الاحتلال اعتمد على خطّتين "فاشلتين" لإسقاط حماس ونتنياهو سيُصاب بصداع أكبر بعد عملية رفح

...
غزة - فلسطين أون لاين

قال الصحفي البريطاني ديفيد هيرست، إنه في الوقت الذي يفكر فيه نتنياهو بإعلان النصر، عبر هجومه على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، فإن هزيمته باتت وشيكة، خاصة أنه لن ينقذ الأسرى، ولم يتمكن من تدمير "حماس، وبالتالي فإنه لن يحقق أيًا من أهدافه.

وقال هيرست في مقال له، بعد سبعة أشهر من قصف أحال جل غزة إلى حطام، كيف لم يمكن حتى الآن تركيع حماس وإجبارها على الاستسلام؟ لقد قال الجيش "الإسرائيلي" مراراً وتكراراً إنه أباد معظم مقاتلي حماس، وأنه لم يبق لها سوى أربع كتائب داخل منطقة رفح.

وجه الكاتب البريطاني ذلك السؤال إلى مصدر لديه اطلاع جيد على قدرات حماس العسكرية، فأجاب: "في كل مكان ينسحب منه الجيش "الإسرائيلي" تعود حماس للظهور، في الشمال، وفي الوسط، وفي الجنوب. تحتل القوات "الإسرائيلية" ممر نتساريم، ولكن نقاط تفتيشهم هناك لم تزل، وبشكل متزايد، عرضة للهجمات، وهو ما جعلهم في المفاوضات يعرضون الانسحاب من ذلك الخط".

وذكر أن بعض الخبراء والعسكريين في "إسرائيل" يوافقون، وهم على استعداد لشق الصف. مستدلًا على ما كتبه لواء الاحتياط إسحاق باريك في صحيفة معاريف: "يعلم بيبي جيداً جداً بأننا وصلنا عسكرياً إلى طريق مسدود. فبعد أن استولى الجيش على 80 بالمائة من غزة (ولم يبق منها سوى رفح)، تراه يسحب قواته منها لأنه لا يوجد لديه قوات أخرى تحل محلها. والنتيجة هي عودة حماس بشكل كبير إلى جميع المناطق التي غادرها الجيش الإسرائيلي، حيث فرضت سيطرتها عليها من جديد".

وأضاف: "بعد معارضة أولية في بعض الدوائر داخل غزة ليوم السابع من أكتوبر، فإنها ما لبثت جميع الفصائل الفلسطينية أن وقفت صفاً واحداً خلف المقاتلين، حيث بات واضحاً أن حرب "إسرائيل" تمثل تهديداً وجودياً على الفلسطينيين بأسرهم.

هناك الآن موارد لاتنضب من المقاومين، ومعين المتفجرات لا ينضب. فقد أسقطت كميات كبيرة من المتفجرات على غزة منذ السابع من أكتوبر، لدرجة أن إخلاء القنابل غير المنفجرة من المنطقة قد يحتاج إلى أربعة عشر عاماً من العمل الدؤوب، كما توقعت مؤخراً الأمم المتحدة. بمعنى آخر، بمعدل إخفاق يصل إلى خمسة عشر بالمائة، فإن المواد المتفجرة التي تستخلص من القنابل والصواريخ التي لم تنفجر قد تكفي حماس لوقت طويل جداً.

ولقد تم فعلاً إعادة تدوير بعض المتفجرات. وتقول كتائب القسام إنها استخدمت المتفجرات والصواريخ التي أطلقتها الطائرات المقاتلة من طراز إف16 في شن هجوم على منطقة المغراقة في وسط غزة. إذا تمكن مهندسو الشرطة من استخلاص خمسة أطنان من الذخيرة غير المنفجرة من خانيونس ورفح وحدهما من آثار القصف الجوي في عام 2014 والذي استمر لأقل من شهرين، فكم يا ترى يمكن استخلاصه طوال سبعة أشهر من القصف اليومي؟

محاولات فاشلة لإسقاط حماس

واجهت حماس محاولتين دبرتا لإسقاط حكومتها في غزة، وهذه تهديدات تأخذها على محمل الجد. ولكن المحاولتين فشلتا.

كانت الأولى في يناير (كانون الثاني) عبارة عن محاولة من قبل "إسرائيل" لتحريض زعماء العشائر على تقسيم غزة إلى مناطق تخضع لحكم القبائل، التي ستتولى شؤون الإدارة المدنية في قطاع غزة من خلال ترتيبات فردية مع "إسرائيل".

ولكن قبل وقت طويل من وصولها إلى مستوى وزارة الحرب، فقد رفضتها القبائل ذاتها، والتي بقيت على ولائها لحركة حماس. ولقد عبر عن ذلك عاكف المصري، المفوض العام للسلطة العليا للقبائل الفلسطينية، حين قال في تصريح له: "تسعى دولة الاحتلال إلى التغطية على فشلها في غزة من خلال إثارة البلبلة والصراع داخل المجتمع الفلسطيني".

ودعا المصري بدلاً من ذلك إلى إنهاء الانقسام السياسي بين حماس وفتح، مشيراً إلى الحاجة إلى قيادة وطنية موحدة "تعمل على تعزيز صمود الشعب وتقطع الطريق على أي فرص قد يستغلها الاحتلال في مخططاته".

أما المحاولة الثانية فكانت أكثر خطورة. يقال إن الخطة كانت من تنفيذ ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات في السلطة الفلسطينية – وهو الرجل الذي رشح لاستلام مقاليد الأمور في غزة ما بعد الحرب، رشحه لتلك المهمة كل من وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت وزعيم المعارضة يائير لابيد. 

اخترق غزة العشرات من عملاء المخابرات التابعين للسلطة الفلسطينية، إذ تمكنوا من التسلل متخفين داخل قوافل المساعدات التي عبرت من الحدود المصرية. تمكنت بعض عناصر هذه المجموعة من الوصول إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة شمالاً، ويقال إنهم وفروا المعلومات الاستخباراتية للقوات الإسرائيلية، ما مهد السبيل نحو شن هجوم على المرفق الطبي. ولكن معظم عناصر المجموعة بقيت في رفح، حيث سعوا إلى إقامة مقر رئيسي لهم داخل بناية جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.

وبحسب مصدر مطلع نقلت عنه قناة الجزيرة، فقد امتطت عشر فرق، تتكون كل فرقة من عشرة أشخاص، عشر شاحنات في معبر رفح، تحت ستار توصيل المساعدات إلى جمعية الهلال الأحمر.

وانكشف وجود عناصر السلطة الفلسطينية في خضم الفوضى التي أحاطت بالشاحنات، وذلك عندما هاجم الفلسطينيون الذين يعانون من المجاعة الشاحنات، فقد شهرت قوات أمن ماجد فرج السلاح في وجوههم. تم فيما بعد اعتقال هذه العناصر من قبل حماس، وخضعوا للاستجواب. تم التعرف على أربعة من الضباط الذين ألقي القبض عليهم، وتبين أنهم دربوا في الأردن، وأرسلوا من قبل السلطة الفلسطينية، وما لبثوا أن أسقط في أيديهم حين واجهوا الواقع الذي تعيشه غزة.

صداع أكبر

كل ذلك يزيد من ثقة حماس أن بإمكانها النجاة ومواجهة أي محاولات أخرى قد تحيكها القوات البرية "الإسرائيلية" من أجل إبادتها.

قال أحد المصادر: "ثقتهم مرتفعة بأن لديهم القدرة على المضي قدماً في المقاومة. حاولت "إسرائيل" استخدام الدمار الذي ألحقته بالقطاع كذراع لإجبار الحركة على الاستسلام. ولكن ذلك الدمار تحول إلى سيف ذي حدين. فقد كشف "إسرائيل" بشكل غير مسبوق، حتى غدت "إسرائيل" نفسها الآن في مأزق، وليس حماس. بل إن الدعم الذي تحظى به حماس الآن هو الأعلى منذ أن بدأت الحرب. ولقد بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن يلمس ذلك، وكل هذا يمنح حماس الثقة التي تنعكس على الطريقة التي بها يفاوضون".

لا يمكن تجنب حقيقة أن المعركة القادمة على رفح سوف تكون سلسلة من المذابح، تتحمل المسـؤولية عنها بموجب القانون الدولي "إسرائيل". سوف يكون الثمن البشري مرتفعاً للغاية.

إذا ما فعلت القوات الإسرائيلية برفح مثل ما فعلته بخانيونس، فسوف تسوى رفح بالأرض. وُصفت خانيونس من قبل بأنها المقر الرئيسي لحماس، ولكن القوات "الإسرائيلية" انسحبت بعد ما يزيد على أربعة أشهر من القصف دون أن تحقق شيئاً من حملتها سوى إلحاق الدمار الشامل بالمدينة.

وبعد أن تنال رفح نفس المعاملة، فسوف لن تتمكن "إسرائيل" من استرجاع الأسرى الذين ما زالوا على قيد الحياة، ولن تتمكن من أسر أو قتل قادة حماس، وحماس واثقة من ذلك.

وتلك هي النقطة التي أشار إليها باريك في مقاله حين قال: "كما يدرك بيبي أن دخول رفح لن يجلب له شيئاً. بل إن العكس هو الصحيح، حيث إنه سوف يفاقم ذلك من المشكلة عشرات المرات. وسوف نُجبر على مغادرة رفح بعد احتلالها. سوف يؤدي دخولنا إلى رفح إلى تدمير علاقاتنا بشكل كامل مع بلدان العالم ومع البلدان العربية التي صنعنا معها السلام. ولسوف يكون لذلك تداعيات بالغة الصعوبة، وفي مقدمتها عزل دولة إسرائيل في المجالات السياسية والاقتصادية، وفرض حظر على التسليح بدأنا بالفعل في رؤية تباشيره. كما أن دخول رفح لن يبقي أحداً من المختطفين على قيد الحياة، ولسوف يكون لدينا العديد من الضحايا".

بعد رفح، سوف يصاب نتنياهو بصداع أكبر من ذلك الذي يعاني منه اليوم: فكيف له أن يعلن النصر بينما الهزيمة وشيكة؟