اربك رد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على مقترح الوسطاء القطريين والمصريين والولايات المتحدة، حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو، وعمّق الشرخ والاستقطاب السياسي بالخارطة الحزبية لدى إسرائيل، والتباين بالمواقف من سير الحرب على غزة وأولويات إعادة الأسرى، على الصعيدين الداخلي والمواقف الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي محاولة من حكومة نتنياهو تصدير الأزمة الداخلية عقب رد حماس، سارع جيش الاحتلال -بحسب مراقبين، وبناء على تعليمات المستوى السياسي- إلى تنفيذ عملية برية محدودة شرق رفح، وسط غارات مكثفة وقصف مدفعي عنيف، في رسائل داخلية وخارجية تحمل تناقضات.
وأجمع المحللون الإسرائيليون في الصحف الصادرة اليوم، الثلاثاء، أن حركة حماس فاجأت إسرائيل، أمس، عندما أعلنت موافقتها على مقترح لصفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق نار في قطاع غزة، فيما سيحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إفشال الصفقة مرة أخرى، لأنه ليس لديه إستراتيجية للخروج من الحرب.
وعن عملية رفح، يقول المحلل السياسي في صحيفة "معاريف"، بِن كسبيت، فإنه حتى لو احتلت إسرائيل رفح، وقتلت 500 مقاتل فلسطيني، فإن هذا لن يكون انتصارًا إسرائيليًا، "فالانتصار على حماس سيتحقق بمجهود كبير ومتواصل يستمر لسنوات".
ولكن إحباط ’نعم’ حماس بطرق ملتوية
واستحضر المحلل العبري، عملية "السور الواقي" العسكرية التي اجتاح الجيش الإسرائيلي خلالها الضفة الغربية، في العام 2002، معلقًا: "لم تحقق شيئا"، وأن ما حدث في الضفة حينها "يُفترض أن يحدث في غزة، لكن بشكل أصعب وأخطر، لأن حماس في العام 2024 أخطر وأقوى من الإرهاب الفلسطيني في بداية الألفية.
وتابع كسبيت أن "إنهاء الحرب يعني لجنة تحقيق، احتجاجات أكبر وأسئلة صعبة" في إسرائيل. وبدأ الجيش الإسرائيلي، أمس، استعدادات لعملية عسكرية في رفح. "وإذا سألتم الجيش ماذا يريد المستوى السياسي منه، فإن الجيش لا يعرف الإجابة. ولا يعرفها المستوى السياسي أيضًا".
ولفت كسبيت إلى، أن إسرائيل تعلن أنها ستجتاح رفح في أكثر توقيت حساسية في المفاوضات. "أي أنها تلمح لوفد حماس أن يوقف الاتصالات من دون قول ’نعم’. وهكذا بالإمكان منح تفويض لطاقم المفاوضات (الإسرائيلي) لقول ’نعم’ للمقترح المصري، ولكن إحباط ’نعم’ حماس بطرق ملتوية. وهذا سيستمر في الأيام القريبة أيضا، لأن كلا الجانبين ليس بحاجة إلى صفقة وإنما للوقت".
كما ويرى خبراء أن إعلان مجلس الحرب عكس في طياته التناقضات والخلافات بالمشهد السياسي الإسرائيلي حيال أولويات الحرب وما إذا حققت الحرب الأهداف المعلنة، وكذلك الموقف الضبابي لحكومة الطوارئ من موافقة حماس على التهدئة وصفقة التبادل، وهو الموقف الذي وضع نتنياهو على مفترق طرق، حيث يسعى للتنصل من استحقاقات التهدئة التي قد تفرضها الضغوطات الدولية والإدارة الأميركية.
وخلصت تقارير عبرية أخرى، إلى أن تعمد مكتب نتنياهو القول إن "اقتراح حماس بعيد عن مطالب إسرائيل" وهو ما يضع نتنياهو ما بين خيار قبول مقترح الوسطاء ورد حماس أو مواصلة المناورة في هامش يتقلص، والتعنت باستمرار الحرب والتضحية بالأسرى لتجنب تفكك ائتلاف حكومته.
مرجحين أن نتنياهو يقترب من نهاية مساحات المناورة ونهاية الحرب على غزة، وهو ما يشير إلى اشتعال الصراعات السياسية الداخلية. وعليه، لا يستبعد أن تصدر حكومة نتنياهو أزماتها الداخلية نحو اعتماد سياسة تكثيف العدوان السريع والطلقة الأخيرة على رفح، في محاولة لمنع تفكك وانهيار الحكومة.
حماس دقت أسافين بين إسرائيل والولايات المتحدة
ويؤكد المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، أنه "مثلما أدركنا في جميع حروب إسرائيل، وبشكل أكبر في حرب غزة، فإن ما يخطط له الجيش الإسرائيلي وما يحدث على أرض الواقع هما قصتان مختلفتان"، وذلك بسبب المقاومة الفلسطينية وتوحل القوات الإسرائيلية.
وأضاف أنه منذ الأسبوع الأول للحرب، "يحذر ضباط إسرائيليون سابقون وحاليون من أنه ليس لدى نتنياهو إستراتيجية خروج. ولنفترض أننا سننجح في السيطرة على محور فيلادلفيا، فماذا سيحدث حينها؟ لمن سنسلم المنطقة التي احتللناها؟ فلا أحد في إسرائيل، باستثناء اليمين المتطرف، يريد أن يخدم هو أو أولاده في حكم عسكري في غزة".
وتابع برنياع، أن البيت الأبيض أوضح لنتنياهو أنه إذا أوعز بشن عملية عسكرية واسعة في رفح، فإنه "سيفرض حظر إمداد شحنات أسلحة إلى إسرائيل. وتعهد بايدن في بداية الحرب بالوقوف إلى جانبنا ضد حماس. وبعد سبعة أشهر، إسرائيل عالقة في غزة، وفي لبنان أيضا. وهذه ليست إسرائيل التي سعى بايدن إلى مساعدتها".
بدوره، اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن احتلال الجيش الإسرائيلي للجانب الفلسطيني في معبر رفح ومحور فيلادلفيا جاء "على خلفية المفاوضات على الصفقة".
وأضاف أنه في أعقاب إعلان حماس عن موافقتها على مقترح الصفقة، أمس، "ادعوا في المستوى السياسي الإسرائيلي أنه من الجائز أن المصريين والأميركيين توصلوا إلى تفاهمات مع حماس من وراء ظهر إسرائيل، من خلال تعديل المقترح المصري الذي ردت إسرائيل عليه بالإيجاب قبل حوالي أسبوعين".
ورأى هرئيل أن إعلان مكتب نتنياهو عن إيفاد فريق عمل، ليس رفيعا، إلى الوسطاء لمواصلة المفاوضات وفي موازاة ذلك بدء عملية عسكرية إسرائيلية في رفح، "هو على ما يبدو تلميح أولي من جانب نتنياهو بشأن عزمه رفض المقترح، بعد رد حماس الإيجابي عليها".
وأضاف أن احتمال حدوث تقدم في المفاوضات حول الصفقة لا يزال ضئيلا، "لكن من الجائز أن قادة حماس، بإجابتهم الإيجابية، دقت أسافين بين إسرائيل والولايات المتحدة. فالكثير من عائلات المخطوفين طالبت نتنياهو، أمس، بالموافقة على المقترح المصري، بعد رد حماس، والبدء بإعادة المخطوفين إلى الديار".