قائمة الموقع

رسائل ختمت بالدَّم.. عن الصحفيّ الذي صار خبرًا والمكالمة الأخيرة أثناء طابُور التَّحقيق!

2024-05-03T21:30:00+03:00
صحفيو غزة.. رسائل ختمت بالدم
فلسطين أون لاين 

رغم ارتداء المصور الصحفي محمد الصالحي درعا صحفيا وخوذة كعلامة توفر له الحماية، لم يكترث قناصة الاحتلال لها بل كان الهدف الأول لهم كما أصبح الصحفيون هدفا أساسيا لجيش الاحتلال خلال مسار حربه على قطاع غزة.

استيقظ الصالحي صباح السبت الموافق (7 أكتوبر/ تشرين أول 2023) على صوت الصواريخ وأخبار عبور المقاومة للمستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، وما تلاها من أحداث وقعت على طول السياج الفاصل شرقي قطاع غزة.

امتلأت ذاكرة الكاميرا بصور كثيرة لما جرى شرق السياج، وقبل أن يعود لمنزله لنشرها تهشمت الكاميرا وظلت الصور شاهدة على جريمة إسرائيلية بحق صحفي فلسطيني مارس مهنته المفترض أنها تحميه حسب القوانين الدولية التي ضربها الاحتلال وجنوده بعرض الحائط.

فبينما كان الصالحي يحاول توثيق الأحداث الجارية شرق البريج بتواجده على مقربة من السياج الفاصل وهو يحمل كاميراته، باغته جنود جيش الاحتلال بإطلاق الرصاص عليه أصابت كتفه وصدره، حسب رواية شاهد عيان تواجد بالمكان.

محمود صحفي كان يتواجد بالمكان قال لـ "فلسطين أون لاين" عما جرى حينها: "عندما أصيب الصالحي سقط على الأرض وظل ينزف لمدة ساعة، إلى أن هدأ إطلاق الرصاص واستطاع الشبان سحبه وإسعافه لكنه كان قد استشهد".

لم ينتبه "محمود" -الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته- لما جرى مع "الصالحي" الذي كان يبعد عنه لمئات الأمتار، إلا عندما شاهد شابا يعود بكاميرتين كانت واحدة منهم مهشمة، يقفز المشهد أمامه مجددًا: "كان الأمر صعبًا، عندما بدأ إطلاق النار انبطحنا أرضًا إلى أن هدأ إطلاق الرصاص".

يعمل الصحفي "الصالحي" كإعلامي حر منذ عام 2014، دائما يهتم بتوثيق الأحداث، وغطى مراحل فاصلة في تاريخ الشعب الفلسطيني منها مسيرات "العودة" وكان يتمنى أن ينشئ شركة إعلامية كبيرة.

لم يدرك الصالحي أنه سيكون أول شهداء الصحافة خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع، وأن الاحتلال سيغتال حلمه بأن يكون مصور صحفي على غرار كبار الصحفيين والمصورين الفلسطينيين.

ويصادف يوم 3 مايو/ أيار اليوم العالمي لحرية الصحافة إذ أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم في كانون الأول/ ديسمبر 1993، ومنذ ذلك الحين يتم الاحتفال به في جميع أنحاء العالم بهدف تذكير الحكومات بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة إلى جانب تقييم حالة حرية الصحافة في جميع أنحاء العالم.

ويمثل اليوم هذا العام، مناسبة لتسليط الضوء على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه بحق الإعلام الفلسطيني ومنع حرية العمل الصحفي، ولتخليد ذكرى أولئك الذين قضوا حياتهم أثناء تأدية واجبهم المهني.

أصبحوا الخبر والقصة

بعد جريمة استشهاد الصالحي بيومين كان الإعلام الفلسطيني أمام فاجعة جديدة ومؤلمة، فمع ساعات مساء 9 أكتوبر/ تشرين أول 2023، ورد نبأ عن نية الاحتلال قصف برج "حجي" الواقع على شاطئ بحر مدينة غزة، فاتخذ الصحفي هشام النواجحة وزملاؤه الصحفيين سعيد الطويل ومحمد صبح - مواقع تصوير تبعد 500 متر عن البرج المستهدف- وجهزوا كاميراتهم لتوثيق الجريمة الإسرائيلية المرتقبة ووقفوا أسفل عمارة سكنية.

أسفل البرج المستهدف كانت عيون هشام وسعيد ومحمد وتركيزهم متجها نحو البرج، ينتظرون توثيق لحظة القصف لينقلوها للعالم، بينما كانت عينا زوجته ترفض إسدال ستائر النوم منتظرة مكالمة منه.

 أطلقت الطائرة الإسرائيلية صاروخها لكنه لم يتجه نحو البرج بل على أجسادهم، ليستشهد الزملاء الثلاثة وهم يحاولون توثيق الحدث، فأصبحوا الخبر الذي سبق خبر استهداف البرج وكانت بداية سلسلة استهداف الاحتلال للصحفيين.

بدرعٍ صحفي مخضب بالدماء، وخوذة بقيت شاهدة على الرسالة الأخيرة رافقت جنازة التشييع لم توفر لهم الحماية كما نصت القوانين الدولية بل أصبحت كلمة "PRESS" علامة للاستهداف لفقأ عين الحقيقة ومنع نقل الجرائم للعالم، التف الصحفيون بمجمع الشفاء الطبي حول جثماني الزميلين الصحفيين الشهيدين سعيد الطويل ومحمد صبح، يلقون عليهم نظرة الوداع الأخيرة بعدما كانوا قبل لحظات ينقلون الصورة معا.

 ساروا بالجنازة لمواراتهما الثرى، وعادوا لمواصلة رسالتهم الإعلامية بدموع حزن وقلوبٍ يعتصرها الألم بهذا الفقد، لم يلبثوا وقتًا طويلاً حتى رجعوا مرة أخرى لتشييع الشهيد الصحفي هشام النواجحة الذي كان يرافق زميلاه الطويل وصبح لحظة استهدافهما من طائرات الاحتلال، وارتقى متأثر بجراح أصيب بها لحظة القصف.

اختفاء قسري

واستشهد نحو 141 صحفيا وصحفية قتلهم الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة الجماعية منذ 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023، وأصيب أكثر من 70 صحفيا، بينما اعتقل العشرات عرف منهم 20 صحفيا. وفق المكتب الإعلامي الحكومي

ويمنع الاحتلال تواصل الصحفيين المعتقلين مع عائلاتهم التي لا تتوفر لها إلا أدنى المعلومات حول ظروفهم المعيشية داخل السجون.

لأكثر من 30 يومًا ظلت عائلة الصحفي عماد الإفرنجي تجهل مكان اعتقاله وحتى مصيره، عاشت خلالها في قلق وترقب دون أن تحصل على معلومة واحدة، حتى بردت تلك المخاوف مكالمة هاتفية من مكان الاعتقال تحدث فيها الإفرنجي مع نجله الصحفي "مصعب" أثناء وقوفه في طابور تمهيدا لدخوله غرفة التحقيق.

عن تلك المكالمة، يقول الإفرنجي لـ "فلسطين أون لاين: "أخبرني أبي أنه يقف على طابور الانتظار للتحقيق، وطلب منا أن نخبر الاتحادات الصحفية في حال لم نسمع عنه أي شيء خلال يومين".

إضافة لهذه المعلومة اليتيمة، حصلت العائلة على معلومة أخرى زادت من طمأنتها، حينما أخبرهم أحد المعتقلين المفرج عنهم أن والدهم بخير لكنه لم يستطع تحديد مكان اعتقاله.

والصحفي الإفرنجي المولود سنة 1968 أحد الإعلاميين الفلسطينيين البارزين، عاصر محطات طويلة في عمر الثورة الفلسطينية، وهو مدير مكتب "الوطن" للصحافة الذي يمثل صحيفة القدس الصادرة من رام الله، وشغل مناصب عديدة منها قناة القدس الفضائية وريس منتدى الإعلاميين وشارك في تأسيس صحيفة فلسطين اليومية، ودرس مساقات بالجامعات الفلسطينية وأشرف على تدريب العشرات من قادة الإعلام.

قبل هجوم جيش الاحتلال المفاجئ على مستشفى الشفاء فجر 18 مارس/ آذار الماضي بساعات، تحدث مصعب مع والده طويلا عبر الهاتف للاطمئنان على أحوالهم، وتفاجأت العائلة بخبر اقتحام المشفى الساعة الثالثة فجرًا.

وطوال الحرب الإسرائيلية لشعبنا مارس الإفرنجي عمله الصحفي متنقلا حسب الظروف التي أجبرته للنزوح إلى مستشفيات ومدارس بعيدا عن عائلته بهدف متابعة مجريات الأحداث، مؤكدًا، أن العائلة لا تعلم شيء عن والده ولا ظروف اعتقاله ولا وضعه الصحي، أمام صمت إعلامي كبير حول قضية الصحفيين المعتقلين.

استهداف بكل الوسائل

هذا الاستهداف المتواصل للصحفيين  يهدف بحسب رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" د. صلاح عبد العاطي، إلى إعاقة قدرة الصحفيين على توثيق الانتهاكات ورصدها، وتغطية الفظائع ونقلها للرأي العام، فحاول الاحتلال استهداف بكافة الوسائل والطرق لثنيهم عن دورهم في توثيق جرائم الحرب.

وقال عبد العاطي لـ "فلسطين أون لاين" إن الاحتلال ضرب بعرض الحائط كل قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني التي وفرت حماية خاصة للصحفيين، لافتا إلى أن الاحتلال ارتكب جرائم ترقى لمستوى جرائم حرب بحق الصحفيين وحرية الرأي والتعبير.

وأكد أن تلك الجرائم مخالفة لكل أحكام اتفاقيات جنيف الرابعة، ومواثيق حقوق الإنسان، هدف الاحتلال منها لفرض واقع جديد من "شريعة الغاب" بديلا عن القانون الدولي، مطالبا، المدعي العام لمحكمة الجنايات الدلية بالعمل الجاد لتسريع التحقيق في جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحفيين، ومحاسبة قادة وجنود جيش الاحتلال.

ولطالما كانت الرواية الإسرائيلية المتفوقة في تلفيق الحقيقة للرأي العام الدولي بتواطؤ من وسائل الإعلام الأجنبية، إلا أن مدير المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة رأى أن الإعلام الفلسطيني تفوق في نقل الحقيقة للعالم في هذه الحرب رغم كل محاولات استهدافه من قبل الاحتلال.

وقال الثوابتة لـ "فلسطين أون لاين": إن "العالم أصبح يعرف مظلومية الشعب الفلسطيني ويدرك أن القضية الفلسطينية هي العادلة، ونحن أمام مفترق طرق واضح المعالم، بالتالي انكسرت رواية الاحتلال وأصبح العالم يعرف الضحية والجلاد".

ويهدف الاحتلال من وراء استهداف الصحفيين وتخويفهم لثنيهم عن مواصلة مهنة المتاعب، والتوقف عن فضح جرائم الاحتلال، بالتالي يستهدف الكلمة والصوت والصورة الفلسطينية. وفق الثوابتة

وأكد أن الاحتلال يخترق القانون الدولي في هذا اليوم الذي وضعه اليونسكو واقرته الامم المتحدة، للتعبير عن حرية الرأي والتعبير، مشيرا إلى أن الاحتلال يقتل الصحفي وينتهك القانون الدولي، ولا يوجد احد يردعه، مما يتطلب إدانة جرائم الاحتلال ومحاسبته عليها.

 

اخبار ذات صلة