باتت الأوساط "ألإسرائيلية" قبل العالمية تدرك يقينًا بأن قوة المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام "لن تهزم" رغم مرور أكثر من 7 أشهر على حرب "الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" في قطاع غزة منذ "عملية طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 2023.
ويجمع محللون عسكريون "إسرائيليون"، في أحاديث منفصلة، إن جيش الاحتلال لم يحقق خلال 200 يوم من الحرب أيًا من أهدافه "الاستراتيجية"، أن قوات جيش الاحتلال ما تزال عالقة في قطاع غزة، "كمن يبحث عن عمل مؤقت بانتظار أوامر جديدة"، وأن "إسرائيل" تقف أمام مهود استنزافها في جبهتين، لبنان وغزة، بينما كومة "حجارة اللعب" آخذة في التناقص، سواء بالذخيرة أم بتآكل القوات، في وقت تفيد تقارير "إسرائيلية" بفقدان أعداد كبيرة من الضباط والجنود في الحرب التي تخوضها "إسرائيل" بغزة.
أما عن الجانب الأخر، على الرغم من مرور 200 يوم على بدء الحرب الشرسة على قطاع غزة، إلا أن كتائب المقاومة الفلسطينية لا زالت تخوض "معارك ضارية" تضرب وتهاجم تحشدات الاحتلال في مختلف أماكن تواجده في القطاع، موقعة جنوده في كمائنها ومحققة إصابات وقتلى في صفوفهم.
ويقول الخبير العسكري واصف عريقات، إن 200 يوم من الحرب، قضت على قدرة الردع لدى جيش الاحتلال باعتراف قادة الاحتلال، مستشهدًا بتصريحات زعيم المعارضة الإسرائيلي يائير لابيد الذي قال "هبطت حالة الردع"، إضافة لتصريحات رئيس وزراء الاحتلال السابق إيهود باراك الذي قال "ننتقل من الانتصار للانكسار".
وأضاف عريقات في حديث صحفي، " أنّ إخفاقات الجيش تؤكد بأن ركائزه الثلاثة قد ضُربت، وهي "الردع والإنذار والحسم".
واستدرك: "أمّا حرب الإبادة، وسياسة التطهير العرقي، فهي تحسب على جيش الاحتلال ولا تحسب له في العمل العسكري، وما يحسب هو للمقاومة في قدرتها على الصمود والقتال وايقاع الهزيمة بصفوف الاحتلال، وحرمانه السيطرة والثبات في مواقع تواجده، وتحرمه تحقيق أهدافه".
وتابع: "هذه المدة لم تصمد بها جيوش قتالية متدربة ولا دول مستقرّة، وهذا يعني أننا أمام جنود متدربون مأهلون غير معتادون في التاريخ العسكري المعاصر، وهذا يعني أننا أمام بطولة ستدرس عبر التاريخ جيلا بعد جيل".
وأوضح عريقات أن الاحتلال من الناحية العسكرية هو غارق في وحل غزة، ويبحث عن مخرج عسكري يحقق شيئا من صورة النصر الوهمية، وهذا ما لم يتحقق من الناحية العملية.
معركة دفاعية ناجحة
من جانبه، قال الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد الركن حاتم كريم الفلاحي، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يحقق خلال 200 يوم من الحرب المستعرة في قطاع غزة أيا من أهدافه المعلنة، بينما ساعد عدم قابليتها للتحقق في إطالة أمد الحرب.
وأضاف في تحليل عسكري للجزيرة أن الجيش الإسرائيلي في مواجهاته السابقة اعتمد على الحرب الخاطفة، حيث إنه لا يستطيع تحمل خسائر كبيرة، فضلا عما تشكله التداعيات الاقتصادية من ضغط على الداخل الإسرائيلي.
ويرى الفلاحي أن عدم قدرة الجيش على تحقيق أهدافه في الحرب، يؤكد وجود خلل لدى قيادته التي حددت تلك الأهداف، وهي الوصول إلى قيادات حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتحرير أسراهم وتدمير قدرات المقاومة في غزة.
وأشار الخبير العسكري إلى أن ما حققه الاحتلال هو دمار واسع في القطاع وضحايا تجاوز عددهم 110 آلاف ما بين قتيل وجريح، لعدوان استخدم فيه كافة الأسلحة معتمدا على جسر جوي من الدول الداعمة، وتأييد سياسي في أروقة منظمة الأمم المتحدة، وإمكانات وقدرات لا تتوافق مع الأداء الميداني.
وفي هذا السياق، لفت الفلاحي إلى أن جيش الاحتلال يعود مرة أخرى بعد 200 يوم من الحرب لتنفيذ عملية عسكرية في مناطق كانت أول ما بدأ بها عمليته البرية في القطاع مثل منطقة بيت حانون، وهو ما يعني وجود إشكالية كبيرة على المستوى الإستراتيجي والعملياتي والتكتيكي.
ويرى الخبير العسكري أن المقاومة أدارت معركتها الدفاعية بشكل ناجح وفعال، وكان لديها إستراتيجية تعامل مع الأهداف، سواء في الميدان بالقطاع أو في مراكز الثقل السياسي بتل أبيب وبقية المناطق الأخرى، كما أنها نجحت في توظيف إمكاناتها وقدراتها بشكل لافت ومبهر.
دقة العمليات ونجاحها ومعلومات استخباراتية دقيقة
حيث أثبتت فصائل المقاومة -حسب الفلاحي- قدرات عسكرية وبدنية قوية جدا في استخدام تلك الإمكانات والقدرات، مما رفع فاتورة الخسائر لجيش الاحتلال، وفي المقابل قام الجيش بقتل عدد من أسراه أثناء محاولته تحريرهم خلال عملياته بالقطاع.
واعتبر الفلاحي استمرار عمليات المقاومة دليل على إعداد مبني على تخطيط مسبق بشكل جيد وحسن توظيف لمقدراتها، وتوزيعها بصورة صحيحة يمكن الاستفادة منها في كل معركة، حيث كان كل لواء في غزة يدير عمليته بمعزل عن باقي الألوية الأخرى في القطاع.
كما يرى أن دقة العمليات ونجاحها في تحقيق خسائر لدى جيش الاحتلال على مستوى الأفراد والمدرعات، يعني توفر معلومات استخباراتية دقيقة، رغم اختلاف أشكال المواجهة وخطط الجيش في القطاعات المختلفة.
وشدد على أنه لا يمكن الحديث عن هزيمة المقاومة أو انتهاء قدراتها القتالية في القطاع، مشيرا في هذا السياق إلى العمليات الأخيرة التي تعلن عنها قوى المقاومة في مقاطعها التوثيقية التي نشرتها مؤخرا، في ظل خروج متتابع لقوى الاحتلال من مناطق مختلفة في القطاع.
أبرز عمليات القسام
منذ الـ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وتخوض كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، معارك ضارية وتكبّد الاحتلال "خسائر باهظة" في إدارة عمليات نوعية معتمدة على "معلومات استخباراتية دقيقة".
أبرزها، "كمين الشجاعية" ففي ذلك التاريخ تم استهداف مدرعة "النمر" بصاروخ كورنيت موجه شرق مدينة الشجاعية، وهو ما أدلى لمقتل 11 جنديًا "إسرائيليًا" كانوا على متنها.
كمين الشجاعية.. كيف يستخدم جنود القسام العبوات الناسفة ضد الاحتلال؟
تحديدًا يوم الأربعاء 13 ديسمبر/كانون الأول الحالي، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل 10 من مقاتليه بينهم ضباط في كمين في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، غالبية مَن قُتلوا كانوا من لواء جولاني، أحد أهم وأقوى ألوية المشاة في الجيش الإسرائيلي، حيث استدرج جنود القسام الإسرائيليين إلى منزل مجهز مسبقا بالمتفجرات، وحينما جاء فريق آخر من الجنود أوقعوه في كمين مشابه.
في هذا النوع من الكمائن عادة ما تستخدم كتائب القسام العبوات الناسفة(1) أو "الأجهزة المتفجرة المرتجلة" (IED)، وهي قنابل محلية الصنع تحتوي على مكونات عسكرية وغير عسكرية، تُستخدم هذه العبوات عادة من قِبَل القوات العسكرية غير النظامية، وتُعَدُّ فعالة للغاية ضد قوة عسكرية تقليدية، قد تُستخدم في الكمائن على جانب الطريق بحيث تعترض القوات المهاجمة أو خطوط إمدادها، ويكون تركيبها في المداخل أو المباني لضرب فرق الجنود، أو قد يكون تركيبها على العربات والدبابات لتدميرها، ويمكن إسقاطها من مسيرات، والواقع أن المقاومة استغلتها في كل تلك النطاقات تقريبا.
وفي السابع من ديسمبر/كانون الأول، قُتل نجل الوزير في مجلس الحرب غادي آيزنكوت في معارك مع القسام أثناء بحث الجنود الإسرائيليين عن أي هدف يحققونه في المنطقة الشمالية.
وفي 18 من الشهر نفسه، استهدف مقاتلو القسام آلية صغيرة مخصصة لنقل قادة ضباط في الجيش، وبعد 12 يومًا فقط (26 ديسمبر/كانون الأول)، استدرجت القسام قوة إسرائيلية إلى منزل مفخخ في بيت حانون وقضت عليها.
وبعد أسبوعين، أي في العاشر من يناير/كانون الثاني، تم استدراج قوة أخرى إلى فتحة نفق في حي الشيخ رضوان قبل تفجيره. وبعد 11 يومًا فقط، قتلت القسام 21 من أفراد سلاح الهندسة في جيش الاحتلال عندما فجرت منازل كانوا يفخخونها شرقي مخيم المغازي.
وفي السابع من فبراير/شباط، تم قنص ضابط إسرائيلي ببندقية "الغول" محلية الصنع. وفي العاشر من مارس/آذار أسقطت مسيّرة تابعة للقسام قذيفة فوق تمركز للجنود في بيت حانون.
جنرال متقاعد: "كمين خانيونس" فضيحة ليس لها سابقة في"إسرائيل" وفوضى مطلقة
وفي التاسع من أبريل/نيسان، قتلت القسام 9 من جنود الاحتلال في كمين أوقعتهم فيه بمنطقة الزنة شرقي خان يونس، وذلك تزامنًا مع مقتل 5 آخرين غربي المدينة.
واعتبر لواء متقاعد في جيش الاحتلال الإسرائيلي، "كمين خانيونس" الأخير والذي أدى إلى مقتل ثلاثة جنود - على الأقل- خلال المعارك الدائرة مع المقاومة الفلسطينية في محاور التوغل جنوب قطاع غزة، أنه "فضيحة ليس لها سابقة في حروب إسرائيل، وفوضى مطلقة في الانضباط العسكري".
أعلن جيش الاحتلال مقتل 3 عسكريين وإصابة 14 آخرين بينهم 5 بحالة خطيرة، جراء انفجار عبوات ناسفة في أحد المباني بمدينة خان يونس، قبل ذلك بيوم.
وقال اللواء إسحاق بريك في تصريحات لصحيفة "معاريف" العبرية، الأحد، مُعلّقاً على الواقعة: "الجيش الإسرائيلي يدخل في القتال سريعًا بوحدات احتياط لم تتدرب منذ سنوات، ودون خطط مسبقة".
ولفت إلى، أن بعض الجنود النظاميين ليسوا على دراية بالقتال والتدريبات في المناطق المبنية، متابعاً: "عندما يدخل جنودنا مبنى دون أي وسيلة للتفتيش، تنفجر قنبلة تؤدي في بعض الأحيان إلى مقتل وإصابة العشرات من جنودنا بجروح خطيرة".
وقال القائد المتقاعد: "هذه فضيحة ليس لها سابقة في حروب إسرائيل، وفوضى مطلقة في الانضباط العسكري. كل قائد سرية يقرر بنفسه كيف يتصرف وفق فهمه، دون أي إرشاد من قادته".
كل يوم نذهب إلى المقبرة
وأضاف: "يجري السماح بتكرار ذلك مراراً، ويُقتل الجنود ويصابون بجروح خطيرة بالجملة، وهذا ليس قدراً، بل يحدث بسبب الإهمال الإجرامي من أعلى المستويات في الجيش".
ورداً على سؤال بشأن ما لا يعرفه الإسرائيليون عن الوضع العسكري الحقيقي لجيش بلادهم في الحرب، أجاب بريك: "اليوم نخسر المواقع في شمال قطاع غزة، وفي مدينة غزة وجباليا والزيتون والشجاعية، التي احتلها الجيش الإسرائيلي قبل شهرين فقط، بثمن باهظ من قتلانا وجرحانا".
وشدد بريك على أن "الجمهور الإسرائيلي لا يفهم أنه إذا استمرت هذه العملية على هذا النحو فسنصل إلى وضع رهيب وفظيع، ولن نحقق تدمير حماس، ولن نحقق إطلاق سراح آمن لمختطفينا، وسيكون لدينا مئات آخرون من القتلى".
ومضى مستدركًا: "لم يمر سوى شهرين لنفقد السيطرة الكاملة على شمال قطاع غزة. وعاد مقاتلو حماس بأعداد كبيرة عبر الأنفاق إلى الأماكن التي أخلى فيها الجيش الإسرائيلي كافة قواته ولم يستبدلها بقوات أخرى بسبب النقص، لتسيطر حماس مرة أخرى على السكان، وتعيد بناء قدراتها في المنطقة".
وقال، إن أفراد "القوات الإسرائيلية" في شمالي قطاع غزة "يُقتلون ويصابون جراء انفجار عبوات ناسفة وأفخاخ تجهزها حماس مسبقا في المنازل والمواقع التي يدخلها الجنود".
وتابع: "كل يوم نذهب إلى المقبرة، كل يوم يتعرض جنودنا لإصابات خطيرة. شاركت في حروب إسرائيل، ولم يسبق لي أن واجهت مثل هذه الثقافة التنظيمية الخطيرة".