في وقتٍ تحول فيها قطاع غزة، لمقبرة تصل مساحتها لأكثر من 225 كيلومترًا مربعًا، وتواصل العائلات منذ اليوم الأول للعدوان "الإسرائيلي"، وعمال الإنقاذ البحث في المباني المدمرة عن الأصدقاء والأقارب المفقودين، باستخدام أدوات بدائية وأحيانًا كثيرة بواسطة الأيدي فقط، وترك الجرحى لموت محقق تحت الأنقاض ودفن آلاف الشهداء تحتها.
سلمت معظم العائلات بأن المفقودين تحت الأنقاض لقوا حتفهم، في وقت تسبب فيه القصف المستمر في جعل عمليات البحث أكثر خطورة، كذلك من دون توفر آلات ثقيلة أو وقود لتشغيلها، وفي كثير من الأحيان، لا يتوفر أي منهما. كما أن أنواع المعدات المستخدمة عادة لإنقاذ الناس بعد الزلازل وغيرها من أحداث الدمار الشامل ممنوعة إلى حد كبير من دخول القطاع.
في جميع أنحاء غزة لا يوجد سوى حفارتان فقط متاحتان لهذه المهمة، وفقًا للدفاع المدني في القطاع، ومن دونها يعتمد رجال الإنقاذ على المجارف والمثاقب وأيديهم وهي مهمة شبه مستحيلة.
في تناقض عجيب، وبعد مرور 6 أشهر على المأساة، شهد القطاع دخول عشرات الآليات الثقيلة والمعدات اللازمة لإزالة الركام، لكن ليس لانتشال المصابين والشهداء، بل لنقل ركام معجون ب، "أشلاء شهدائهم"، لاستخدامه في بناء رصيف بحري على شاطئ غزة تقول واشنطن و"تل أبيب" إنه سيكون مخصصا لإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع.
ركام المنازل المدمرة
من جهته، يقول المهندس المدني الفلسطيني فتحي رياض، إن بناء الرصيف البحري يحتاج إلى مئات آلاف الأطنان من ركام المنازل المدمرة وهذا يعني جمعه من جميع مناطق مدينة غزة باعتبارها الأقرب للميناء الجديد.
ويشير في مقابلة أجرتها معه وكالة "الأناضول"، إلى أن "نقل هذه الأطنان من الركام يحتاج إلى عدد كبير من الشاحنات والجرافات العملاقة وبالتالي لا يمكن الاعتماد على ما هو متوفر من آليات في القطاع لدى الشركات المحلية لأنها ذات إمكانيات ضعيفة".
ويؤكد أن عشرات الآليات الضخمة دخلت إلى غزة خلال الأسابيع الماضية وبدأت بالفعل بنقل كميات هائلة من ركام المنازل إلى الميناء الجديد.
ويتوقع أن يتم الانتهاء من بناء الرصيف البحري الجديد خلال فترة لا تزيد على 3 أشهر في ظل الإمكانيات الضخمة المتاحة لذلك سواء من آليات وقوات أميركية تسهم في المشروع.
ويقول فلسطينيون نزحوا مؤخرًا من مدينة غزة إلى جنوب القطاع عبر شارع الرشيد المحاذي لشاطئ البحر، إنهم شاهدوا عشرات الشاحنات تنقل ركام المنازل التي قصفتها "إسرائيل" في مناطق متفرقة من مدينة غزة إلى منطقة الميناء الجديد.
الممر البحري يثير شكوكًا
ويؤكد شهود عيان في شهادات أدلوا بها لوكالة الأناضول، أن مئات المنازل التي دمرتها غارات الجيش الإسرائيلي ما زالت تحت أنقاضها جثث لشهداء لم تتمكن طواقم الإنقاذ من انتشالها بسبب ضعف الإمكانيات، ومن المؤكد أن كميات الركام الكبيرة التي يتم نقلها ممزوجة بأشلاء ودماء ضحايا الحرب.
من جهته، يقول المحلل السياسي الفلسطيني أسامة عبد الهادي إن "الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل تتذرعان بالإنسانية فيما يتعلق ببناء الميناء الجديد على شاطئ بحر غزة وبالواقع هم بعيدون عن الإنسانية".
ويضيف عبد الهادي "لو كانوا صادقين لقاموا بإدخال الشاحنات والجرافات العملاقة التي دخلت غزة لبناء الميناء، من أجل إنقاذ آلاف الجرحى الذين ظلوا ينزفون حتى الموت تحت أنقاض المنازل التي دمرتها دولة الاحتلال".
ويتابع "هذه الآليات والمعدات دخلت غزة من أجل بناء ميناء يحقق مصالح إسرائيل بالسيطرة على شاطئ غزة ومحاولة تهميش معبر رفح البري على الحدود مع مصر وانتزاع السيادة الفلسطينية عليه، إضافة لتشجيع الفلسطينيين على الهجرة عبر الرصيف الجديد".
ويعتقد عبد الهادي أن الترحيب "الإسرائيلي" بإنشاء الميناء وتفعيل الممر البحري يثير شكوكًا، فـ "إسرائيل" تحاصر غزة وتغلق معابرها وتعرقل دخول المساعدات ومن غير المعقول أن تقدم على هذه الخطوة إلا إذا كانت تحقق لها مصلحة خفية ويبدو أنها مرتبطة فعلاً بتشجيع هجرة الفلسطينيين من القطاع.
ويعزز هذا الحديث، تصريحات نتنياهو بأن "الميناء يمكن أن يسهل إخراج الفلسطينيين من غزة"، مضيفًا أنه "لا يوجد أي عائق أمام مغادرة الفلسطينيين لقطاع غزة، باستثناء عدم رغبة الدول الأخرى في قبولهم".
وكان المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري، ندد في وقت سابق خلال الشهر الجاري بالمبادرة الأميركية ببناء الرصيف البحري.وقال "إنها المرة الأولى التي أسمع أحدا يقول إننا بحاجة إلى استخدام رصيف بحري. لم يطلب أحد رصيفًا بحريًا، لا الشعب الفلسطيني ولا المجتمع الإنساني".
ووصف فخري الاقتراح الأميركي، بأنه "خبيث وجاء استجابة لمصالح انتخابية"، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة تقدم في الوقت نفسه قنابل وذخائر ودعمًا ماليًا لإسرائيل في حربها على غزة
وفي خطاب "حالة الاتحاد" في 8 مارس/ آذار الجاري، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أنه أصدر تعليماته للجيش بإنشاء ميناء مؤقت قرب ساحل غزة، مبينًا أن المزيد من المساعدات الإنسانية ستدخل إلى غزة بحرًا عبر الميناء دون أن تطأ أقدام الجنود الأمريكيين أرض القطاع.
ووفق التصريحات الأميركية فإن الجسر البحري يحتاج إلى أسابيع حتى يعمل، فقد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن عملية بناء الميناء العائم ستستغرق 60 يومًا، وسيشارك فيها على الأرجح أكثر من ألف جندي، ووفق تقديرات أوروبية فإنه يمكن أن ينقل ما يعادل 200 شاحنة فقط يوميا".
وجراء الحرب وقيود "إسرائيلية"، بات سكان غزة ولا سيما محافظتي غزة والشمال على شفا مجاعة، في ظل شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود، مع نزوح نحو مليوني فلسطيني من سكان القطاع الذي تحاصره إسرائيل منذ 17 عامًا.
ووفق تقرير أممي، حول الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، فإن آلاف الأشخاص ما زالوا مفقودين جراء الحرب "الإسرائيلية" على غزة، مبينًا أن كثيرًا من المفقودين مطمورون تحت منازلهم المدمرة.
ولليوم الـ 172 تواصل "إسرائيل" عدوانًا وحشيًا ضد قطاع غزة رغم مثولها أمام محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، بتهمة ارتكاب جرائم “إبادة جماعية” في حق الفلسطينيين.
وبالإضافة إلى الخسائر البشرية تسببت الحرب الإسرائيلية بكارثة إنسانية غير مسبوقة وبدمار هائل في البنى التحتية والممتلكات، ونزوح نحو مليوني فلسطيني من أصل حوالي 2.3 مليون في غزة، بحسب بيانات فلسطينية وأممية.