فلسطين أون لاين

صورة تؤنس وحدة زوجها على مائدة الإفطار

تقرير سلمى مخيمر.. قدمت في زيارة مؤقتة لغزة فاستقرت بقبر دائم

...
سلمى مخيمر.. قدمت في زيارة مؤقتة لغزة فاستقرت بقبر دائم
غزة/ يحيى اليعقوبي:

انقطعت المكالمة الهاتفية فجأة، ما أوقد نيران القلق داخل قلبه، وأجج هواجسه التي انحصرت بأن يكون الإنترنت قد انقطع في غزة الغارقة في ظلامٍ دامس أو نفدت بطارية الهاتف فجأة.

عشر دقائق فصلت بين مكالمة هاتفية طويلة أجراها علاء أبو شاور من الأردن مع زوجته الصحفية سلمى مخيمر التي كانت في زيارة لعائلتها بعد ثلاث سنوات من الغربة، حينما أشارت حينها عقارب الساعة إلى الثالثة و20 دقيقة فجر الرابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين أول 2023، وبين رسالة من صديقتها الصحفية من غزة تنقل له خبر استهداف منزل عائلة زوجته.

مرَّ الوقت بطيئًا وهو ينتظر أي خبرٍ يبرد قلبه المشتعل بحرائق خوفٍ أضرمت نيرانها داخله واجتاحته توقف عند آخر كلمات قالتها له: "الملتقى الجنة يا حبيبي. لا تنسونا من الدعاء" في لحظة دار صراع داخله بين الموت والحياة والحزن والفرح كان يقف على مفترق طرقٍ ومسار حياة مستقرة تهدده (إسرائيل) وهو البعيد عن غزة.

عادت الصحفية ذاتها، رفضت نقل الخبر مباشرة بل جعلته يرى الصور ليتجرع مرارة الخبر وقسوته وحدها، مفضلة أن لا تتفوه بكلمة واحدة كافية قسم قلبه لنصفين.

بنظرة اتسعت لتجرع الصدمة، ولذرف دموع تهاوت من حواف عينيه، كان يتعرف على صورة تلو الأخرى من أفراد العائلة، يقف الحزن على عتبات قلبه مستعدا للدخول والاستيطان فيه. مرت عليه صورة زوجته وطفله وكأن روحه خرجت من تنهيداته وهو يراها مضرجة بدمائها، استشهد في المجزرة والدا زوجته وأربعة أشقاء لها (شقيقان وشقيقتان) إضافة لعدد من النازحين كانوا في منزلهم.

زيارة مؤقتة

بداية شهر آب/ أغسطس 2023، حملت سلمى طفلها الرضيع الذي تجاوز العام وسافرت إلى غزة لرؤية عائلتها وللمكوث فترة في القطاع بسبب سفر زوجها في الكويت، "كان الموقف مؤلمًا، عندما رأيت طفلي الصغير مخضبا بدمائه هو ووالدته، وهي التي كنت أتحدث معها قبل لحظات" بصوته المكلوم يتحدث زوجها عبر الهاتف لنا.

بصوت يغلفه الحزن، يستحضر اللحظات التي سبقت سفرها قائلا: "كانت متشوقة للسفر إلى غزة وتنتظر الموعد لحظة بلحظة، خاصة أن أهلها لم يروا طفلنا وكانوا متشوقين لرؤيته".

درست مخيمر صحافة ولغة عربية، وكانت صاحبة طموح فلم يمنعها السفر والغربة من التخلي عن مهنتها، فكتبت بمواقع أردنية عديدة وحازت القضية الفلسطينية على جزءٍ كبير من اهتمامها وحررت بمواقع إخبارية متعددة، وجعلت صفحتها على مواقع التواصل منبرًا للتفاعل مع مستجدات الأحداث الجارية في فلسطين.

كان زوجها شاهدًا على هذا الطموح "اعتبرت الإعلام رسالة سامية توصل الحقيقة للعالم، يجب المحافظة عليها، وكانت في البيت نعم الزوجة والرفيقة، فكانت خير مثال للزوجة الفلسطينية التي أنجبت وربت".

على مائدة إفطار اختفت منها ملامح زوجته وابتسامتها، وصوت مناغاة طفله، وضع علاء صورة تجمع ثلاثتهم، على جدار غرفته خلف المائدة لتؤنس وحدته كلما حان موعد آذان المغرب، ترافقه فيها دموع الفقد والحزن، في لحظة يأتيه صوتها القادم من جيوب الذاكرة فيحرك أمامه تفاصيل حياة عامرة في رمضان على مائدة كانت تجمعهم سويًا تزين بقدوم طفلهم "علي".

"لغاية اللحظة لا أستوعب أنها فارقتني، حتى اللحظة لم أفق من الصدمة، فعندما سافرت لغزة كنت أتحدث معها 24 ساعة، فالتعلق بيننا كان كبيرا جدا، أتحدث عن حجم حب وصداقة بيننا لا يمكن وزنه" قالها بصوت مختنق بالدموع.

وجع في قلبه يتحول لكلمات ينهمر من صوته "مر أول رمضان صعبًا وقاسيا، عدت إلى البيت فجاءتني غصة، وأنت ترى الضوء المشع فجأة اختفى. شعور جدا صعب، وضع صورة لهم على برواز كبير حتى أشعر بوجودهم ويؤنسون وحدتي".

كان الزوجان بالأصل جيران في محافظة رفح منذ تسعينات القرن الماضي، وسافر علاء للأردن وروسيا ثم عاد للأردن، وشاء القدر أن يجمعه بجارته لتكون زوجته.

طموح كبير

جمعت سلمى مخيمر علاقة صداقة مع الصحفية إسراء المدلل، بدأت من مقاعد الدراسة الجامعية في تخصص الصحافة والإعلام، وكانت الصديقتان تترددان على الصحف والقنوات الفضائية المحلية لصقل مهارتهن الإعلامية ولتهيئة أنفسهن للدخول في سوق العمل مبكرا.

تقول المدلل وهي ترثي فقد صديقتها المقربة "تميزت سلمى بالإبداع في الكتابة الأدبية والإنسانية، تحب مشاركة زميلاتها في كل شيء، وتحب مشاركتهن في النزهات، كنا ندرس مع بعضنا، ونذهب ونعود للجامعة معا كوننا من سكان محافظة رفح والجامعة تقع بمدينة غزة".

رغم العلاقات الكبيرة التي نسجتها المدلل بحكم عملها الصحفي كمذيعة حظيت على شهرة واسعة من شاشة قناة الكتاب الفضائية، حرصت على المحافظة على صداقتها مع سلمى، تنقلها الذكريات لأيام مضت "كان بابي دائما مفتوح لها، تعرف أسراري، وكانت هي تتحدى الصعوبات وصاحبة طموح وتتحدى الصعوبات".

تميزت سلمى بأسلوبها مع صديقاتها فكانت تترك عبارات الامتنان وكلمات تتدفق من قلبها على قصاصة ورقية تتركها ذكرى، تصفها المدلل بأنها "إنسانية مثابرة ومثقفة وامتازت بالخجل" إلا أنها كانت دائما تحفز صديقاتها على الارتقاء في حياتهم وعملهم الإعلامي.

المصدر / فلسطين أون لاين