سارع مجموعة من المواطنين الباحثين عن رغيف الخبز إلى الاحتماء تحت سقف منزل دمرت طائرات جيش الاحتلال "الإسرائيلي" أجزاءً منه، خشية سقوط صناديق المساعدات الإغاثية الملقاة جوًا فوق رؤوسهم.

في الجوار وقف شبان في العراء يراقبون عن كثب الطائرات وهي تلقي صناديق الطعام والمساعدات الإغاثية دون مبالاة إن كانت مظلاتها ستفتح في الهواء الطلق، أم لا؟

كانوا تواقون للحظة ارتطامها بالأرض للانقضاض عليها وتفريغ حمولتها.

لقد أصبح هذا المشهد جزءًا أساسيًا من حياة المواطنين الصامدين في الجزء الشمالي من قطاع غزة في الشهر السادس لحرب الإبادة والتجويع التي يشنها جيش الاحتلال.
 
ورغم ما تحمله المظلات المذيلة بصناديق ضخمة من وجبات غذائية ودقيق ومواد تموينية، إلا أنها تحولت إلى سبب للموت أيضًا في غزة علاوة على أداة القتل والبطش الإسرائيلية.

ورصد مراسل موقع "فلسطين أون لاين" في مدينة غزة انفصال صناديق المساعدات عن مظلاتها بعد إلقائها من طائرات الإغاثة الجوية ما أدى إلى سقوطها بشكل حر فوق الأحياء السكنية.

وتركز إلقاء مظلات المساعدات على محافظتي غزة والشمال المفصولتيْن عن باقي محافظات قطاع غزة على إثر التوغل البري الذي بدأه جيش الاحتلال يوم 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وتركت عملية الفصل البري تداعيات خطيرة على الأوضاع الإنسانية لدى أكثر من نصف مليون مواطن لم يستجيبوا لتهديدات الاحتلال بالنزوح إلى جنوبي القطاع وبقوا في محافظتي غزة والشمال من القطاع الساحلي.

ودفع هذا الأردن والولايات المتحدة الأمريكية ومصر وفرنسا والإمارات إلى تسيير طائرات ألقت في الأسبوعين الأخيرين المساعدات الإغاثية جوًا فوق شمالي القطاع.

لكن بعد أن تسبب سقوطها العشوائي بمقتل عدد من المواطنين أصبحت هذه المساعدات في نظر إسماعيل أبو سلطان غير مجدية إطلاقًا، ووصفها في حديثه لـ"فلسطين أون لاين" بأنها "جحيم قادم من السماء".

وأبو سلطان يعيل أسرة مكونة من 10 أفراد، وقد فقد مصدر دخله الوحيد بعد تدمير مقر شركة محلية عمل بها لأعوام طويلة قبل أن تطالها الغارات الجوية الإسرائيلية العنيفة.

وينتظر هذا الرجل وهو في العقد الرابع من عمره، بشكل يومي قوافل المساعدات الجوية في الأحياء الغربية من مدينة غزة، حيث اعتادت طائرات الإغاثة على إلقاء حمولاتها هناك في الأيام الماضية.

"أتواجد في ساعات الصباح وكذلك في المساء.. أحرص بشدة ألا أقف في مكان مفتوح حتى لا يسقط فوقي شيئًا" أضاف أبو سلطان وبدا حريصًا على نفسه.

وهذا بعكس الشاب جمال شحادة الذي كان يسير في شارع المخابرات شمال مدينة غزة متجهًا إلى شاطئ البحر.

بدا شحادة البالغ (29 عامًا) ذو بنية جسدية قوية ومفتول العضلات، كان يحمل زعنفتين صغيرتين خاصتين بالسباحة، ويمشي وسط الشارع غير آبهًا بسقوط صناديق المساعدات.

عن سبب ذلك قال لـ"فلسطين أون لاين": إنه يريد استخدامها (الزعانف) للوصول سريعًا إلى صناديق المساعدات حال سقطت في مياه البحر.

وتساءل باستغراب: كيف لطيار يقود طائرة مزودة بأحدث أجهزة الإحداثيات أن يلقي بمظلات المساعدات في البحر؟

وأضاف "من يسعى لإغاثة مواطنين حرموا رغيف الخبز لن يفعل ذلك.. بالتأكيد لهم هدف آخر من وراء ذلك".

وطبقًا لما أفادت به مصادر عبرية، فإن كاميرات مثبتة في مستوطنة "نتيف هعسراه" شرق غزة، وثقت سقوط المساعدات الغذائية على شمالي القطاع دون أن تفتح مظلاتها، في حادثة تكررت مع أكثر من طائرة ولعدة أيام.

ودفع ذلك الشاب حمودة حسنين الذي تزوج قبل بدء الحرب يوم 7 أكتوبر الماضي بأسبوع واحد فقط، إلى اتخاذ قرار حاسم بعدم التوجه إلى أماكن انتظار المساعدات الجوية بعد نجاته بأعجوبة من سقوط صندوق من طائرة مساعدات غذائية بالقرب منه.

وقال حسنين لـ"فلسطين أون لاين": إن "حياتي أهم من أي طعام وغذاء.. سأتدبر أمري أنا وعائلتي".

وفي الآونة الأخيرة تحولت معالم شهيرة في مدينة غزة إلى نقاط تجمع لعشرات آلاف المواطنين في انتظار المساعدات القادمة برًا، وأشهرها مفترق النابلسي على شارع الرشيد، غربًا، ومفترق الكويتي على شارع صلاح الدين، شرقًا.

وهذا كله بسبب المجاعة التي أوجدتها (إسرائيل) في شمالي القطاع وراح ضحيتها مئات الشهداء والجرحى.