"يسقط مشروع النكبة الثالثة ويسقط بلفور وسايكس وبيكو وربائبهم أصحاب مشاريع تمديد مسار النكبة نتنياهو وترمب وسوناك وبايدن"
مشهد محرقة غزة ما يحياه شعب فلسطين والمستضعفون في الأرض إثر عدوان نازي بربري ظالم ومحرقة غزة عبر عصابات يهودية تعيش عقدة العرقية والنرجسية وخرافة الجوييم، وقد استجلبتها بريطانيا ورعتها أمريكا حد السقوط الأخلاقي والإنساني، عصابات هجرت الشعب الفلسطيني من أرضه، وما زالت آثار قرار بريطانيا عبر بلفور قائمة على الأرض ويحاول أن يمدد له بايدن وزمرته من ربائب بلفور وسايكس وبيكو، كل ذلك يستدعي وقفة تجديد وعي وذاكرة لمحو آثار النكبة المتجددة وترسيخ مشروع الحق الفلسطيني بدولة مستقلة كاملة السيادة وتستثمر ملحمة غزة.
لقد تبنت منظومة الظلم الدولية منذ بداية القرن التاسع عشر سياسة إيجاد كيان يهودي سياسي في فلسطين، قدّروا أنه سيظل خاضعاً لنفوذهم ودائراً في فلكهم وبحاجة لحمايتهم ورعايتهم، وسيكون في المستقبل مشغلة للعرب ينهك قواهم ويشتت صفهم ويقسم مشرقهم وليكن الشرق الأوسط ومغربهم وليكن شمال أفريقيا، ويعرقل كل محاولة للوحدة فيما بينهم، وتوجت بريطانيا سياستها هذه بوعد بلفور الذي أطلقه وزير خارجيتها في 2/نوفمبر/1917م، غادرا بالموقف العربي معهم في مواجهة الدولة العثمانية.
وقد صدر وعد بلفور عن وزير خارجية بريطانيا كقرار الإرادة الدولية المنتصرة، حيث وعد بإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين وهذا يفسر حج أباطرة الظلم في منظومة أحفاد بلفور إلى دولة الكيان الوظيفي ما بعد يوم 7 أكتوبر. وحافظ الوعد على الامتيازات السياسية لليهود في بلدانهم الأصلية الأوروبية بحيث يحق لليهودي (مزدوج الجنسية) الترشح والانتخاب في البلد التي هاجر منها ممن ساهم بمزيد من الامتيازات ورغب بالهجرة أكثر حيث أن المهاجر لن يخسر شيء في موطنه الأصلي، وذلك بتقديرنا يحمل بذور النهاية للكيان المؤقت الوظيفي، حيث ساهم في محطات الصراع القاسية في زيادة الهجرة المعاكسة خروجًا من فلسطين، ومن ذلك ملحمة غزة.
وعد بلفور صادر عمن لا يملك الحق حيث في عام 1917 كانت أرض فلسطين تحت سيادة الدولة العثمانية التي رفضت الوعد المشؤوم ولم تكن لبريطانيا أي سلطة لمنح أرض فلسطين لليهود، وادعي الوعد أن اليهود كانوا هم الأكثرية في فلسطين وأن الفلسطينيين هم الأقلية وأنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض! وهذا منافي للواقع التاريخي والحاضر وملايين الشعب الفلسطيني تخرج لهم من تحت الأرض كطائر الفينيق، حيث أن الشعب الفلسطيني تجاوز 98% من سكان أرض فلسطين أي لهم الأكثرية المطلقة، تضمن الوعد إقامة وطن قومي لليهود وهم أقلية وتجاهل الحقوق السياسية والدينية للأكثرية الفلسطينية.
مستقبل القضية الفلسطينية لا ينفصل البتة عن المحيط العربي، والإقليمي، والدولي، ومن هنا نرى مستقبل فلسطين في مستقبل عمقها العربي والإسلامي والدولي، وإن بلفور كان مفترقاً مفصلياً في ماضٍ، وحاضر فلسطين، والذي جسده وعد بريطانيا وما مارسته بريطانيا ومنظومة الظلم الدولية منذ 107 سنة لتكريس العصابات الصهيونية على أرض فلسطين. ومن هنا نؤكد على رسالة فلسطين وشعبها باعتذار بريطانيا ومنظومة الظلم بقيادة أمريكا عن وعدها وممارستها للسادية والظلم والإبادة الجماعية حتى يومنا هذا في طوفان ومحرقة غزة، وما يترتب على ذلك من آثار قانونية، وسياسية، ومعنوية، ومادية، وعد بلفور أرادوه أن يستمرئ الأعداء العبث بالمنطقة وأن يطرحوا مشروعهم للإبادة الجماعية والتهجير المتجدد بنكبة ثالثة للتمديد لوعد بلفور وتقسيم سايكس بيكو، وإعادة تقسيم المنطقة على أساس طائفي وجغرافي في مشروع إعادة رسم خرائط المنطقة برمتها.
بعد وعد بلفور (النكبة الأولى) والنكبة الثانية 1948 يريدون المحرقة نكبة ثالثة ومازال الشعب الفلسطيني يستبسل في الدفاع عن حقه في أرضه، وينتقل من ثورة إلى انتفاضة إلى حرب إلى تهجير واعتقال وعدوان ومحرقة، يقدم عشرات آلاف الشهداء ومئات ألاف الجرحى وملايين اللاجئين، بحثاً عن موطئ قدم في مواجهة منظومة ظلم دولية تزدوج المعايير ولا ترى العربي فضلا عن الفلسطيني وتغرق غزة بأطفالها ونسائها في لحمهم المتناثر ودمهم في الطرقات ودمار بيوتهم وكنائسهم ومساجدهم ومشافيهم ومدارسهم فوق رؤوسهم وتجعل من غزة مقبرة جماعية, لأن شبابها تجرأوا فأسقطوا بضربة واحدة كل مشاريعيهم منذ بلفور وحتى بايدن فجثى كيانهم الوظيفي على ركبتيه مع دقائق الطوفان الأولى. وفي ميادين النزال شاهد العالم جيش الكيان المؤقت الكرتوني أنه يحتاج الحماية بالأساطيل والجيش الأمريكي لتسقط نظرية الجيش الذي لا يقهر والكيان الوظيفي الذي يمثل شرطي أمريكا ومنظومة الظلم الدولية في المنطقة.
أثبت الفلسطيني مع ملحمة غزة الطوفان أنه قادر على تقديم الأفضل في مواجهة مشروع الكيان الوظيفي الذي دشنته منظومة الظلم الدولية، وما زالت الفرصة سانحة للمزيد، فاليوم فلسطينيًا المطلوب أكثر من أي وقت مضى، وبعد تفاقم آثار محرقة غزة، وباتخاذ خطوات للتهجير وتدشين مرحلة النكبة الثالثة فعلًا على الأرض والتي هي عمليًا رغبة بنار الظلم والعدوان إعلان تمديد 100 سنة اخرى لوعد بلفور وأيضًا كما تذكرون, تعمد ترمب إطلاقها بعد 100 سنة وفي ذات تاريخ دخول اللنبي القدس في ديسمبر 1917 ثم تعمد نقل السفارة في 14 مايو2018 في ذكرى 70 سنة على النكبة الثانية معلنًا الرغبة الجامحة في تصفية القضية الفلسطينية والتمديد لبلفور، خاصة في مرحلة تفتح أبواب عواصم عربية لاستقبال قادة الاحتلال ووزرائه ووفوده، وقد بلغ التطبيع حينه مستوى غير مسبوق من المجاهرة بالخطيئة.
ومن هنا، مواجهة نتائج غزة الطوفان تكمن في الحفاظ على القضية الفلسطينية من التصفية اليوم، وكذلك إبطال مشاريع الاستنساخ والتقسيم والتهجير والتطبيع، وإعادة الاعتبار للمنطقة، لحماية فلسطين من ضياع مداه الزمني الطويل وغزة اليوم تدفع الفاتورة كاملة مجسدة حديث الطائفة المنصورة بالخذلان العربي المخجل والصمود والصبر الأسطوري والحق الأبلج الذي لا مراء فيه.