تساءل بعض السياسيين والمفكرين عن الأسباب التي عجلت بالمصالحة الفلسطينية في هذه المرحلة بالذات، حيث تناغمت خطوات حركة فتح وحركة حماس في اتجاه مصر، التي تفرغت للملف الفلسطيني، بعد أحد عشر عاماً من الإهمال، لتأخذ اليوم على عاتقها، إنهاء الانقسام؟
تعددت الاجتهادات بهذا الشأن، وتنوعت التقديرات، والتي يمكن رصدها بالتالي:
1ـ يزعم البعض أن هنالك صفقة سياسية تسمى صفقة العصر، وهذه الصفقة تحظى بدعم دولي ورضا عربي وقبول إسرائيلي، وهذا ما استوجب وحدة المصير الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، والسير معاً إلى المفاوضات خلف قيادة واحدة، وهذا ما أكده الرئيس السيسي حين أشار إلى أن المصالحة تهدف إلى تحقيق السلام مع الإسرائيليين، وهذا ما أشار إليه المبعوث الأمريكي، الذي اعترف برضا أمريكا عن المصالحة شرط الاعتراف بإسرائيل، ونزع سلاح المقاومة.
أصحاب هذا المنطق يتجاهلون دور الشعب الفلسطيني، ورغبته في إنهاء الانقسام، أصحاب هذا المنطق يصورون تنظيم فتح وتنظيم حماس أنهما بلا إرادة، وبلا شخصية سياسية، ينقادان إلى المقصلة مكرهين، وهذا غير صحيح، ولا سميا أن تنظيم حركة حماس يرفض بالمطلق المفاوضات، وما يطلق عليه صفقة العصر، ويقف بقوة سلاح المقاومة في وجه تصفية القضية الفلسطينية.
2ـ يزعم البعض أن هنالك حقلا من الغاز الدفين في بحر غزة، تقدر قيمته بمليارات الدولارات، ولا يمكن استثمار حقل "مارينا" هذا دون موافقة حماس، وعليه كانت خطوات المصالحة الفلسطينية التي بادرت إليها حركة فتح، بهدف الاستفادة المالية، والاسترزاق.
وهذا منطق غير سوي، ويتنافى مع الأسباب التي أدت إلى الانقسام، فلو كان هدف المصالحة مالياً، لقدمت حركة فتح الكثير من التنازلات لإرضاء حركة حماس، وبادرت إلى رفع الإجراءات العقابية، واعتمدت موظفي غزة جميعهم لدى ديوان الموظفين دون نقاش وحوار، فالمال قادم.
3ـ يزعم البعض أن لدى إسرائيل رغبة في التهدئة لفترة من الزمن، وحتى سنة 2018والهدف هو استكمال بناء الجدار الإلكتروني الفاصل بين غزة وفلسطين المحتلة، حيث بلغت تكلفة المشروع أكثر من4 مليارات شيكل، وأي رصاصة تطلق، كفيلة بأن تفسد المشروع الإسرائيلي.
وأزعم أن هذا منطق يتعامل مع قيادة السلطة وكأنها أداة طيعة في يد إسرائيل، وخادم لها، ويتعامل مع قادة حركة حماس على أنهم بلهاء، ينخدعون بسهولة، وتنطلي عليهم حيلة إسرائيل.
4ـ يزعم البعض أن الحراك الدولي، والدعم الإقليمي للمصالحة الفلسطينية يهدف إلى احتواء المقاومة، والتحايل عليها بعد أن عجز الجيش الإسرائيلي عن تصفيتها، وأصحاب هذا المنطق يتوقعون اشتعال الحرب على الجبهة الشمالية، ولا سيما بعد تصريحات ليبرمان الأخيرة: بأن لا حرب على جبهة واحدة بعد الآن، فالحرب ستكون على جبهتين؛ جبهة الجنوب في غزة، وجبهة الشمال في سوريا ولبنان، وعليه فالمصالحة الفلسطينية تهدف إلى الفصل بين جبهة الشمال وجبهة الجنوب، وذلك من خلال الشراكة الفلسطينية في قرار الحرب.
من المؤكد أن أصحاب هذا المنطق يجهلون آلية تطور المواجهة، ويغفلون عن عدوانية إسرائيل، ولا يقدرون شكل التعاون العسكري بين المقاومة في غزة، والمقاومة في لبنان.
5ـ يزعم البعض أن انكباب حركة حماس على المصالحة، واستعدادها لتقديم التنازلات جاء من منطلق الضعف، وبناء على الضائقة التي يعاني منها الناس في غزة، جراء الإجراءات العقابية والحصار، وهذا ما تفاخر به جبريل الرجوب في لقائه مع فضائية فلسطين، حين قال: لسنا في لهفة على المصالحة، ولدينا المزيد من الإجراءات العقابية إذا لم تتحقق المصالحة، وهذا ما أكده السيد محمود عباس حين قال: أنا مش مستعجل، والإجراءات العقابية هي التي تنجز المصالحة.
ونسي أصحاب هذا المنطق أن الإجراءات العقابية مست حياة الناس، دون أن تلحق الضرر البائن بحركة حماس، والتي بادر قائدها في غزة يحيى السنوار إلى طرح فكرة المصالحة على مصر، وقد أعترف بأنه هو الذي طالب مصر بالتدخل لتحقيق المصالحة، وأبدى استعداده لتقديم كل التسهيلات الممكنة لتمكين الحكومة من تحمل مسؤوليتها عن حياة الناس في غزة.
حتى هذه اللحظة فإن تصريحات قادة حركة حماس العلنية تؤكد أنهم يندفعون باتجاه المصالحة بهدف إنهاء الانقسام، وبهدف حشد الطاقات الفلسطينية كلها للوقوف في وجه المشروع الصهيوني الذي يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية!!!
ذلك ظاهر تصريحات قادة حركة حماس، فماذا يخبئ باطن التصريحات؟
الأيام كاشفة الأسرار.