كشف تقرير حول تحقيق أجرته وكالة "الأونروا" أن القوات الإسرائيلية استخدمت وسائل تعذيب وتنكيل وحشية بحق مئات المعتقلين من سكان قطاع غزة، الذين تم أسرهم منذ بداية الحرب على غزة.
وتضمن التقرير، الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إفادات معتقلين قالوا إنهم تعرضوا للضرب، والتجريد من ملابسهم، والسرقة، وعصب أعينهم، والاعتداء الجنسي، وحرمانهم من الاتصال بالمحامين والأطباء، لأكثر من شهر في كثير من الأحيان.
وتصف مسودة التقرير، نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"، "مجموعة من سوء المعاملة التي أبلغ سكان غزة، من جميع الأعمار والقدرات والخلفيات، عن مواجهتها في مرافق الاحتجاز المؤقتة في إسرائيل"، وأنها "استُخدمت لانتزاع معلومات أو اعترافات، وللترهيب والإذلال والمعاقبة".
شهادات حيّة وأدلة موثقة
ويستند التقرير إلى مقابلات مع أكثر من 100 من أصل 1002 معتقل تم إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى غزة، بحلول منتصف شباط/فبراير. ويقدر أن 3000 آخرين من سكان غزة ما زالوا رهن الاعتقال الإسرائيلي دون السماح لهم بالاتصال بمحامين.
ويعكس تحقيق الأونروا نتائج توصلت إليها العديد من منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والفلسطينية، بالإضافة إلى تحقيقات منفصلة أجراها اثنان من المقررين الخاصين للأمم المتحدة، وجميعهم أكدوا حدوث انتهاكات مماثلة داخل مراكز الاحتجاز الإسرائيلية.
وفي شهادته، قدم أحد هؤلاء المعتقلين، فادي بكر (25 عامًا)، وهو طالب قانون من غزة، قدم أدلة موثقة على أنه تم اعتقاله في "إسرائيل"، ونقلت عنه "نيويورك تايمز" قوله إنه تعرض للضرب المبرح طوال فترة اعتقاله في ثلاثة مواقع عسكرية إسرائيلية مؤقتة.
وأضاف بكر أنه تم القبض عليه في مدينة غزة، يوم 5 كانون الثاني/يناير، وتم إطلاق سراحه في أوائل شباط/فبراير. وقال إنه أثناء احتجازه في موقع احتجاز بالقرب من بئر السبع، تعرض للضرب المبرح لدرجة أن أعضاءه التناسلية تحولت إلى اللون الأزرق، وأنه لا يزال هناك دم في بوله نتيجة لذلك.
وأفاد بكر أيضًا بأن الحراس جعلوه ينام عاريًا في الهواء الطلق، بجوار مروحة تنفخ الهواء البارد، وقاموا بتشغيل الموسيقى بصوت عالٍ لدرجة أن أذنه نزفت. وقال بكر إنه تم إطلاق سراحه بعد أن بدا الجيش مقتنعًا بعدم وجود صلات له بحماس.
وأجرى باحثو الأونروا مقابلات مع أكثر من 100 معتقل تم إطلاق سراحهم دون توجيه تهم إليهم عبر معبر كرم أبو سالم. ثم تمت مشاركة النتائج التي توصلوا إليها مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وأكدت "الأونروا" وجود التقرير لكنها قالت إن صياغته لم يتم الانتهاء منها بعد لنشرها.
تعرضوا للضرب على جروح مفتوحة
ولفت التقرير إلى، أن من بين المعتقلين أفرادًا مصابين بمرض الزهايمر والإعاقات الذهنية والسرطان. وقال التقرير إن العديد منهم تم أسرهم من شمال غزة أثناء لجوئهم إلى المستشفيات والمدارس أو أثناء محاولتهم النزوح جنوبا. وكان آخرون من سكان غزة الذين لديهم تصاريح للعمل في إسرائيل والذين تقطعت بهم السبل واحتُجزوا لاحقًا في إسرائيل بعد بدء الحرب.
وأخبر بعض المعتقلين محققي "الأونروا" أنهم تعرضوا في كثير من الأحيان للضرب على جروح مفتوحة، وتم احتجازهم لساعات في أوضاع مؤلمة وتعرضوا لهجوم من قبل الكلاب العسكرية. وتتطابق العديد من التفاصيل مع الروايات التي قدمها المعتقلون المفرج عنهم، مؤخرا، لصحيفة "نيويورك تايمز".
وذكر التقرير أن المعتقلين والمعتقلات أبلغوا عن عمليات اعتداء جنسي. وذكر التقرير أن بعض المعتقلين الذكور قالوا إنهم تعرضوا للضرب على أعضائهم التناسلية. وقالت بعض النساء إنهن تعرضن "لللمس غير اللائق أثناء عمليات التفتيش وكشكل من أشكال التحرش وهن معصوبات الأعين". وأضاف أن بعضهن أبلغن عن اضطرارهن إلى خلع ملابسهن أمام الجنود الذكور أثناء عمليات التفتيش، ومُنعن من تغطية أنفسهن.
وفي تقارير سابق، قال نادي الأسير الفلسطينيّ، إنّ الاحتلال الإسرائيليّ ماضٍ في تنفيذ جريمة الإخفاء القسري بحقّ معتقلي غزة، وترسيخ هذه الجريمة من خلال المصادقة على مشاريع قوانين، وسط تحذيرات حقوقية.
وأوضح نادي الأسير، أن الاحتلال صادق على مشاريع قوانين تتعلق بسريان اللوائح سواء المتعلقة بحرمان معتقلي من لقاء المحامي لمدة أربعة شهور إضافية، والتي تصل إلى 180 يومًا، أو من خلال إقرار تمديد فترة الاعتقال لمدة 45 يومًا، قابلة لتمديد، لتشكّل قضية المعتقلين من غزة في ضوء استمرار الاحتلال بتنفيذ هذه الجريمة التحدي الأبرز أمام المؤسسات المختصة.
وتابع نادي الأسير، أنّه وفي ضوء استمرار جريمة الإخفاء القسري، وتصاعد الشّهادات المرّوّعة التي تخرج من معتقلي غزة بعد الإفراج عنهم، ومن كافة الفئات بما فيهم النساء والأطفال وكبار السّن، وما تعكسه أجسادهم كشاهد على عمليات التّعذيب، هو تأكيد مستمر على قرار الاحتلال بالاستفراد بمعتقلي غزة، وتنفيذ المزيد من الجرائم في الخفاء بحقّهم، ومن بينها عمليات الإعدام الميدانية، هذا عدا قيام جيش الاحتلال نفسه بنشر صور للمئات من المعتقلين من غزة وهم عرّاة، وفي ظروف حاطة بالكرامة الإنسانية.
وأشار إلى، أنّ غالبية معتقلي غزة هم من المدنيين إلى جانب العمال وجزء كبير منهم صنفهم الاحتلال (بالمقاتلين غير الشرعيين)، إضافة إلى ادعاء الاحتلال باعتقال مقاومين، وبالاستناد لما أقره القانون الدولي، فإن على الاحتلال الإفراج الفوري عن المدنيين من كافة الفئات بما فيهم العمال، والتعامل مع المقاتلين باعتبارهم أسرى حرب، لا يجوز محاكمتهم أو التّحقيق معهم.
يُشار إلى، أنّ الاحتلال يواصل تنفيذ جريمة الإخفاء القسري بحقّ معتقلي غزة بعد مرور 150 يومًا على العدوان والإبادة الجماعية، إذ يرفض الاحتلال تزويد المؤسسات الحقوقية بما فيها الدّولية والفلسطينية المختصة أي معطى بشأن مصيرهم وأماكن احتجازهم حتّى اليوم، بما فيهم الشهداء من معتقلي غزة.
وفي وقت سابق، أفادت المؤسستان، بأن أكثر من 9 آلاف معتقل ومعتقلة في سجون الاحتلال، يواجهون إجراءات انتقامية وتنكيلية غير مسبوقة، منذ بدء العدوان على غزة في السابع من أكتوبر الماضي وحتى اليوم.
وقالت الهيئة ونادي الأسير، أنه “على مدار الفترة الماضية لم تختلف وتيرة الإجراءات التي فرضت على المعتقلين والمتمثلة في أساسها بعمليات التعذيب والتنكيل الممنهجة، والتي تهدف في جوهرها إلى سلبهم إنسانيتهم وحرمانهم من أدنى حقوقهم”.
وأشارا إلى، أن “عامل الزمن يشكل مؤثرًا أساسيًا على مصير المعتقلين، في ظل استمرار وتيرة الإجراءات الانتقامية والتنكيلية بحقهم وبعض السياسات التي تصاعدت وزادت حدة معاناتهم على عدة أصعدة”.