يجتاح الجوع بطون آلاف الغزيين القاطنين في محافظتي غزة وشمال القطاع، بفعل الحصار المجحف الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مدار أكثر من 4 شهور ضمن مسلسل الإجرام الإسرائيلي في خضم العدوان الممنهج على القطاع الذي اشتعل نيرانه في السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتتخذ (إسرائيل) أطفال ونساء القطاع وقوداً لحربها الطاحنة منذ أكثر من 4 أشهر، في ظل انخفاض الامدادات الغذائية إلى أكثر من النصف مقارنة لما جرى الاتفاق عليه بالدخول شمال القطاع خلال هذا العام، وهو أنتج حالة من الاكتظاظ وتدافع في طلب المساعدات بين السكان هناك. وفق منشور لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" عبر حسابها على منصة "أكس".
المواطن محمود عايش يتجول بين أرجاء سوق "أبو إسكندر" المقام مؤقتاً شمال مدينة غزة، وهو يحاول جلب الاحتياجات اللازمة لعائلته، "دون جدوى"، بفعل قلة المواد الغذائية من جهة وارتفاع أسعارها من جهة أخرى.
يتنقل "عايش" الذي يعيل أسرة مكونة من 6 أفراد، من "بسطة بيع" إلى أخرى وعلامات القهر تجتاح تقاسيم وجهه القمحي، حيث أمضى عدة ساعات دون حصوله على أي من مستلزمات عائلته الأساسية، نتيجة الارتفاع الجنوني للأسعار.
ويقول عايش الذي يعمل سائقاً على سيارة أجرة لمراسل صحيفة "فلسطين": "كل يوم تزداد الأوضاع سوءاً عند عائلتي بسبب نقص الطعام في منزلي، وعدم توفر أي مساعدات إنسانية منذ عدة أشهر".
ويتساءل "من وين بدنا نجيب أكل لأولادي خاصة أنني اعتمد على الدخل اليومي؟"، مناشداً الدول العربية والإسلامية بضرورة التدخل وإنقاذ قطاع غزة من المجاعة التي تنخر بطون سكان شمال القطاع نتيجة عدم دخول المساعدات بفعل القرارات الإسرائيلية المجحفة".
لا يختلف الحال كثيراً لدى المواطن أحمد زيدان الذي يصول ويجول بين أرجاء ذات السوق "صغير المساحة"، بحثاً عن أدنى مقومات ومستلزمات الحياة اللازمة لأفراد عائلته الأربعة.
يوزع زيدان نظراته يميناً ويسارًا نحو السوق المكتظ بالمواطنين والحسرة تملأ عينيه، ثم يُعدد "أبسط الأصناف أصبح ثمنها مرتفع جداً (..) كيلو العدس بـ 50 شيكلاً، والحمص بـ 35 شيكلاً"، ثم يضرب كفيه يميناً وشمالاً ويقول: "شو بدنا نشتري للأولاد حتى نسد جوعهم!!".
ويتابع زيدان الذي يقطن في حي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة "منذ عدة أشهر لم يتناول أولادي الخبز بشكل نهائي، لا سيّما أن الدقيق الموجود حالياً هو من أعلاف الحيوانات ومع ذلك سعره مرتفع جداً، حيث يصل سعر الكيلو إلى أكثر من 30 شيكلاً".
وتفاقم هذه الحالة من الوضع الاقتصادي للمواطن "زيدان"، حسب قوله، خاصة أنه أصبح بلا عمل بعدما قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي مصدر رزقه الوحيد وهو "سوبرماركت صغير".
ويطرح سؤالاً ممزوجاً بالقهر والألم علّ آذاناً عربية أو إسلامية تصغى له "إلى متى سيبقى هذا الحال؟ هل ينتظرون موت أطفالنا بالبطيء؟"، موجهاً صرخاته لكل الضمائر الحية في العالم بالضغط على الاحتلال لوقف عدوانه الممنهج ضد قطاع غزة، والسماح بإدخال المساعدات "قبل فوات الأوان".
وتطال سياسة التجويع نحو 400 ألف شمال قطاع غزة، وفق إحصائيات رسمية لمنظمات أممية، بسبب العراقيل المجحفة التي تضعها (إسرائيل) على المساعدات لتمنع وصولها لمختلف مناطق القطاع ولا سيما الشمال.
على الطرف الآخر يقف الشاب يونس خلف "بسطة صغيرة" رصّ فوقها بعض المواد التموينية القليلة، ويتابع "حركة المواطنين القادمين إلى السوق" إذ يقول: "السلع قليلة في السوق وأسعارها عالية جداً، مما جعل المواطنين غير قادرين على شرائها".
ويضيف يونس لمراسل "فلسطين": "تزداد الأوضاع صعوبة يوماً بعد آخر، حيث أصبح السوق خاوياً من قلّة السلع لا سيّما الأساسية منها، وهو ما يزيد من حالة الجوع لدى المواطنين".
ينظر إلى "بسطته الصغيرة"، ويشير بأصبعه إلى السلع الآخذة بالتناقص يوماً بعد آخر، ثم يلتفت مرّة أخرى قائلاً: "الأوضاع أصبحت صعبة جداً وملامح الجوع تظهر على المواطنين بشكل واضح"، مشيراً إلى أن حركة البيع والشراء لديه تقلّصت بشكل ملحوظ.
ويطالب بالضغط لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وإدخال المساعدات إلى مناطق شمال القطاع قبل حدوث المجاعة التي من شأنها قتل الأطفال لا سيّما الرضّع منه، كونهم الفئة الهشة.
ولا يزال العدوان "الإسرائيلي" مستمرًا على قطاع غزة منذ الـ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حيث خلّف أكثر من 30 ألف شهيد ومفقودٍ وعشرات آلاف الإصابات في صفوف المواطنين، عدا عن الدمار والخراب الكبيرين اللذين أصابا كل محافظات قطاع غزة.