فلسطين أون لاين

"غزة.. الطوفان والمحرقة"

آيات القرآن تتجلى

طوفان ومحرقة غزة تجسدت فيها آيات الله تعال في كتابه المجيد بكل تجلياتها شكلت ملحمة خالدة واصطفافًا متجلياً وافتراقا بين مرحلتين سنأخذ منها لمستقبلنا المشرق بالعز والكرامة والتحرير والعودة.

طوفان ومحرقة غزة كانت فرقاناً بين الحق والباطل وامتداداً لهذه المعركة المستمرة حتى تحرير فلسطين حيث يمثل الشعب الفلسطيني رأس الحربة لمشروع الحق والمظلومية, في مواجهة العدوان البربري الصهيوني رأس الحربة لمشروع الباطل والشر (الظلم الغربي). قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إبراهيم :13- 14]. والاحتلال الظالم يستقوى بالقوة المادية ظاناً أنها مصدر النصر (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت: 15]. والله توعدهم (الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يُحشرون) [الأنفال: 36]. والله يقطع على نفسه عهداً بنصر المؤمنين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ) [النور: 55] ووراثة الأرض (الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: 128].

طوفان ومحرقة غزة حملت للفئة المؤمنة على طريق الحق معاني القرآن حين صرف الله عنها التفاهمات فكانت ذات الشوكة (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) [الأنفال: 7]. بينما كانت غزة تعيش على وقائع تفاهمات مع الاحتلال ويتم إدارة الحصار بالقطارة حيث تدخل مساعدات وبضائع وأموال وتصاريح لعمال غزة بالقدر الذي يريده الاحتلال، ولكن الله تعالى أراد لغزة ذات الشوكة التي حملت لها ولقضية فلسطين إحقاق الحق العظيم بالوقائع والتضحية التي قدمتها غزة على غير ما تشتهي الرغبة البشرية الطبيعية (غير ذات الشوكة) فقد أراد الله أن تكون غزة الطوفان والمحرقة محطة حاسمة لإحقاق الحق بتدشين البروفة العملية لتحرير فلسطين وقطع دابر يهود (ضربت عليهم الذلة) في غزة ولاهاي وفي ارجاء الكرة الأرضية.

معركة الطوفان والمحرقة قاسية وصعبة ولا نظير لها كانت اختبارا للإيمان والثبات (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا) [الأنفال: 45] فريقاً ثبتهم الله فخاضوا المحرقة بشقيها هجوماُ ودفاعاً، فريق الثبات الذين اعتصموا جبل الرماة ولم يغادروا ساحة الميدان وقدموا ملحمة عظيمة, هؤلاء الذين أمنوا بقدر الله الغلاب وواصلوا القتال رغم تخلي البشرية (وكأين من نبيٍّ قاتلَ معه رِبِّيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيلِ الله وما ضَعُفُوا وما استكانوا واللهُ يُحبُّ الصابرين) [ال عمران: 146]، الثبات والصبر يحقق النصر وليس بالعدد والعدة (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة) [البقرة: 249], وداوود يتجدد في مواجهة جالوت (وقتل داوود جالوت) [البقرة: 251]. ومن هؤلاء الفئة الأكثر رفعة من لقي ربه ومنهم من ينتظر (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) [الأحزاب: 23]. وهؤلاء هم الذين واجهوا الجيش الذي لا يقهر بأعداده وعتاده وعربدته من نقطة صفر (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) [الأنفال: 65]، وأمنوا بقدرهم الموت في ميدان النزال [ال عمران: 142]، حيث الموت كتابا مؤجلا ولا يخضع للأسباب (لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم) [آل عمران: 154]. وهناك فريق عجل خروجه من أرض المعركة انزواء أو ميمماً شطر الجنوب (ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا) [آل عمران: 155]. هكذا هي الحروب ووقائعها القاسية بإحداث حالة التمايز وهذا ما كان يوم الأحزاب فانقسم أطراف العلاقة وهكذا هي غزة الأحزاب فيها وحالة التمايز وهي النتيجة الطبيعية للابتلاء (احسب الناس ان يقولوا أمنا وهم لا يفتنون) [العنكبوت: 2] (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتمُ الأعلونَ إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قـرحٌ فقد مسَّ القومَ قـرحٌ مثلُهُ وتلك الأيامُ نداولُها بينَ الناس وَلِيَعلَمَ اللهُ الذين آمنوا ويتخذَ منكم شهداءَ واللهُ لا يحبُّ الظالمين * ولـيُمَحِّصَ اللهُ الذين آمنوا ويَمحقَ الكافرين * أم حسبتُم أن تدخلوا الجنّةَ ولمّا يعلمِ اللهُ الذين جاهدوا منكم ويَعلمَ الصابرين) [ال عمران: 140].

وتتحقق معية الله بالدعاء بملايين الأكف من المؤمنين في أرجاء المعمورة بألا تُهزم هذه الفئة. ويواسي الله تبارك وتعالى هذه الفئة بما قدمت من شهداء (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء) [آل عمران: 140]. وأنه (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ) [آل عمران: 111]. وبما أصابها من امتحان (وإِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران: 140]. ولذلك رفعت غزة في الطوفان والمحرقة شعار رسول الله صلى الله يوم أحد (لسنا سواء قتلاكم في النار وشهداؤنا في الجنة). وحدثت الزلزلة التي يميز الله فيها الخبيث من الطيب ويتحقق بعدها نصر الله (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب :10-11]. وتجسد شاخصاً قول الله تعالى (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب: 22].

طوفان ومحرقة غزة فرقانٌ بين الشعب الفلسطيني الذي أمده الله بقوة وصبر عجيب وسكب في قلبه رضا شديد بقضاء الله وتسليم مطلق لمشيئته وهو يودع خيرة شبابه وعائلاته شهداء في غزوة مباركة فكانت الطمأنينة والسكينة (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً) [الفتح: 4]. بينما قذف الرعب في قلوب العدوان رغم آلة الجبروت والدمار التي يقودها (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) [الأحزاب: 26]. وتجسد رعب المواجهة لدى جند الباطل في الميدان وكان حقاً (لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ) [الحشر: 13].

طوفان الأقصى شباب غض مؤمن دشنوا مرحلة (ادخلوا عليهم الباب) [المائدة: 23] فكانت آيات الله تتجسد بإسقاط كل اعتبارات التحصين والتكنولوجيا والسور تحت الأرض وفوقها وجيش زعموا بأنه لا يقهر، وعلى طول السلك الزائل (فإذا دخلتموه فإنكم غالبون) [المائدة: 23] فكان يوم السابع من أكتوبر المجيد سقوط مدوي وهزيمة استراتيجية عسكرية وأمنية ومعلوماتية ونفسية في ساعات قليلة للكيان المؤقت. ويتجدد هنا التجسيد لآيات الله تعالى في طوفان ومحرقة غزة في 7 أكتوبر وما بعدها في إساءة الوجه الذي توعدهم الله فيه (فإذا جاء وعد الله ليسوؤوا وجوهكم) [الإسراء: 7] هذه الإساءة التي لم يعهدها العالم على يهود بل وتجسدت فيهم اية أخرى (ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا) [ال عمران: 112] رغم انها تعيش مرحلة العلو والافساد الكبير. وهي آيات أخرى تجسدت في محرقة غزة وخروج عصابات الاحتلال وهي تمارس الاجرام النازي وترتكب مجازر الإبادة الجماعية والحرق والتنكيل والتهجير يرى العالم اية الله متجسدة بحرفيتها (لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيرا) [الإسراء: 4] وهذا الافساد المقترن بالعلو الكبير والمدد البشري الظالم الذي يردهم من أمريكا وعديد دول الظلم والافساد وهذه تجسيد لأية أخرى (وحبل من الناس) [ال عمران: 112] حيث أن الافساد اليهودي كما توعدهم الله تعالى يكون بحبل من الله وهو مقطوع وحبل من الناس وهو حبل أمريكا اليوم وهذا الحبل سيقطع قريباً حيث دولة العصابات اليهودية تفقد وزنها الاستراتيجي إثر طوفان الأقصى ككيان وظيفي لم يعد قادراً على القيام بدوره الذي كان سبب وجوده مما سيخرجه عن الخدمة حتماً فيما لا يزيد عن عقد من الزمن والله أعلم.

الطوفان تجسدت آية متجددة فيهم كسنة ماضية (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) [الحشر: 2] حيث كان الطوفان من حيث لم يحتسبوا سواء أنه جاء من غزة التي كانت بتقديرهم مردوعه وأضعف من أن تقوم بخطوة كهذه أو أنها جاءت في مغتصبات غلاف غزة جميعها في طوفان واحد أو من حيث أنها محصنة وجغرافيتها ممتدة وأنها تخضع لحراسة أمنية وتكنولوجية مشددة. ثم لم يحتسبوا من حيث نتيجتها الفائقة وعدد القتلى والأسرى وارتبط هذ بالنتيجة المحققة في ذات الآية (وقذف في قلوبهم الرعب) [الحشر: 2] حيث أنها نتيجة مستمرة لحالة الهزيمة التي كانت في 7 أكتوبر وما تبعها من وقائع سيطر فيها الرعب على كافة مكونات عصابات الإبادة الجماعية.

وكذلك آية أخرى تحققت في ذات السياق وهي حالة التهاوي السريع المرتبك والمرعوب ليتجدد فيها الدعم الدائم (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) [العنكبوت: 41] وبدا أن دولة الكيان الوظيفي المؤقت في أضعف حالته وأوهنها فيغدوا بيتاً ساقطاً بضربة واحدة، وعزز هذا المعني القرآني حالتهم الداخلية في الفرقة والانقسام والتشظي لتتجسد آيات الله تعالى فتجسد فيهم قوله تعالى (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) [الحشر: 14]. واليوم رأى العالم بأسره كيف أنهم شتى وكانوا يحسبونهم موحدين فسقطت هيبتهم بالنزاع الداخلي (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) [الأنفال: 46] فذهبت ريحهم وجثوا على ركبهم مجسدين حالة فشل ذليل وهذا ينسجم مع (لا يقاتلونكم جميعاً) [الحشر: 14] فهم (بأسهم بينهم شديد) [الحشر: 14]. فشتت الله شملهم ومزق صفهم وجعلهم (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون: 53] [الروم: 32]. وسبب ذلك حقيقة يهود (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) [البقرة: 96]. حيث تجلى في كافة مواجهاتهم الحقيقية مع جند الله وهم يفرون من الموت ويصرخون متشبثين بحياة.

طوفان ومحرقة غزة فرقانٌ بين الإيمان والنفاق حين يلوم البعض بصوت خافت على المقاومة بإنهاء التفاهمات وأن حماس وغزة جنت على نفسها وجلبت القتل والذبح (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ) [آل عمران: 156]. بل ويتوهم فريق النفاق أن أيامها معدودة وأن عليها أن ترفع الراية البيضاء سريعاً قبل أن يستفحل فيها القتل (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12) وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا [الأحزاب:12-13] وحين يسألوا لماذا لا تعلنوا برنامج مقاومة بعد فشل وموت خيار التسوية (وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) [القصص: 57]. والناس في تقدير الموقف على فريقين (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ) [النساء: 88].

طوفان ومحرقة غزة كانت فرقاناً بين أصحاب الإعلام والسياسة وأصحاب القلم والتحليل الذين وقف فريق منهم مع الحق. ولكن برز فريق التطبيع الذين ابتلعوا ألسنتهم باعتبارهم أصدقاء للظلمة (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْل) [النساء :108]، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) [البقرة :11]. أولئك الذين جسدوا قول الله تعالى (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً [18] أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ [19] [الأحزاب :18-19.

طوفان ومحرقة غزة أظهرت فريقاً من الناس عن قصد حسن يستهويهم نقل الأخبار وإشاعة الأنباء دون تحقق من صدقها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6]. والبعض يسعى لذلك قاصداً إشاعة الفتنة (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83]، (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [التوبة: 47]. هؤلاء وأولئك علينا الحذر منهم بالوعي والإيمان والحرب والاستئصال فهم الذين يعد الفشل في هزيمة المقاومة شعارهم غير المعلن (وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) [هود: 91].

طوفان ومحرقة غزة حسمت الخيارات السياسية ولكن هناك فريق ما زال يتلظى بنيران الحيرة، ولا يحسم خياراته. وبقي معلقاً بين خيارات التنسيق المذل التي لا يؤمن بها وخيارات الشعب التي لا يستطيع الإقدام عليها وهؤلاء لا يؤمنون بقيادتهم ولا يملكون أمراً أمام سيف الراتب المسلط على رقابهم (مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) [النساء: 143]. (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا) [النساء: 91].

طوفان ومحرقة غزة سينجلي غبارها بملحمة تاريخية عظيمة وقلب للطاولة وبعثرة لأوراق الاحتلال ورعاته ومن دار معه وبثبات شعبي أسطوري وانتصار للدم على السيف وللكف على المخرز وبقوله تعالى (وَلاَ تَهنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين) َ [آل عمران: 139]. وستبدأ الحشود في العمل من أجل الإعداد لإعمار غزة بأموال عربية! وسيخرج ذات فريق النفاق ليقول إنه من المستحيل منح أموال الإعمار لحماس كي تقود عملية الإعمار (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا) [المنافقون:7].

وأخيرا تتجسد في يهود بهزيمة مدوية حين (فتل داوود جالوت) [البقرة: 251] والعالم يرى كيف أن عدد قليل من المقاتلين (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) [البقرة: 249] ورغم ذلك يخرج داوود الفتي من أزقة غزة وبيوته المدمرة ليقتل جالوت المتغطرس المدرع بكل أشكال القوة والظلم بالتأكيد كل هذا يقود الى المشهد الأخير الذي نحيا على أنغامه ونرقبه جميعاً (وليدخلوا المسجد) [الإسراء 7] (يسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا) [الإسراء: 51] (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) [هود: 81].