تخيلوا معي لو كان لهذا الطفل الذي لا يتعدى عمره بضعة أسابيع لسان ينطق به.. ماذا كان سيقول؟
أنا يا "أدهم" من سيحكي قصتك..
في يوم اغبرت فيه سماء غزة بدخان الحرب الإسرائيلية، جيء بسيدة فلسطينية مصابةً إلى إحدى المستشفيات.. لم يتمكن الأطباء من إسعافها وهي تحمل في بطنها جنين كان على شفى حفرة من الموت لولا عناية الله التي دفعت الأطباء إلى شق بطنها لإخراجه.. وقد فعلوها.. وأنقذوه
كانت والدة الطفل مجهولة الهوية وقد فارقت الحياة لكن مولودها أبصر حياة جديدة مجهولة المعالم والمعارف والأقارب.. ليس ذلك فحسب؛ فقد أبصر هذا الطفل اليُتمِ مبكرًا وأصبح واحدًا من مجهولي الحرب على غزة لكنه يختلف عنهم أنه بقي على قيد الحياة.. فهناك بين مقابر غزة وأحيائها ومنازلها آلاف المجهولين ممن دفنوا دون علم عائلاتهم أو ما زالوا مفقودون تحت ركام المنازل المدمرة..
لا يعلم هذا الطفل لأي عائلة غزِّية ينتمي، أو إن كان آخرين غير والدته على قيد الحياة أم لا.. بالتأكيد كل ما يعرفه فقط؛ حقه في الحياة.. لكنها حياة مليئة باليتم بعدما أخبروني هناك في مجمع الشفاء الطبي أن "والدته جيء بها من منطقة ممسوحة"، يعني بالعربي الفصيح تم تدميرها بالكامل بالغارات الجوية التي تنفذها المقاتلات الحربية التابعة للجيش الإسرائيلي.
بالمناسبة، الطفل نقل بين أكثر من مستشفى إلى أن استقر في أحضان عائلة أخرى رفضت الإفصاح عن اسمها، وأصبح ابنها بالتبني.. وقد أسموه "أدهم"، والتقيت بهم أيضًا صدفة بين أروقة الصراخ والوجع والمعاناة في مجمع الشفاء..
اسألهم بربك يا "أدهم".. اسأل الساسة والقادة والزنج والافرنج والعربي والأعجمي، اسالهم ولا تَخَف عن ذنبك الذي ارتكبته لتصبح بلا أم ولا تعرف أصلاً من هم أهلك؟
اسألهم: هل يعرف من تبقى من أفراد عائلتك -إن كان هناك باقيًا منهم- أنك على قيد الحياة في كنف عائلة غزِّية كريمة ترضع اليُتم كالعلقكم؟
يعز عليَّا كثيرًا يا أدهم أنك تحمل نفس اسمي.. فقد تمنيت أن أعرفك شابًا لأكتب قصة نجاحك.. لكن لجأت إلى خط هذه الكلمات لأثبِّت الجريمة الإسرائيلية.. فقط هي محاولة مني لإيصال صوت أطفال غزة بل أطفال فلسطين بل جميع الفلسطينيين؛ أننا جميعًا طُلاب حياة أكثر من الموت والحروب التي أزهقت معها عشرات آلاف الأبرياء.. فنحن لم نخلق فقط من أجل أن نموت..