رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والذي ألحق خسائر فادحة بكافة القطاعات الإسكانية، والاقتصادية والصناعية، والزراعية وغيرها، إلا أن جهود الإعمار التي بذلت خلال الفترة التي تلت الحرب لم تصل لكافة القطاعات المتضررة.
وحسب مختصين تحدثوا لـ "فلسطين"، فإن معظم التمويل يتم توجيهه للمشاريع الإسكانية الهادفة لإعادة إعمار المباني بعيداً عن إعمار القطاعات الحيوية الأخرى التي من شأنها أن تعزز من الاقتصاد الفلسطيني وتشغل الآلاف من الأيدي العاملة.
ويأمل أهالي قطاع غزة بأن تؤدي جهود تحقيق المصالحة الوطنية بين حركتي حماس وفتح إلى زيادة نطاق الإعمار ليصل كافة القطاعات، الأمر الذي من شأنه أن يشغل الأيدي العاملة ويقلل من نسبة البطالة والفقر المرتفعة.
الحاجة والمطلوب
وكان تقرير صادر عن وزارة الأشغال العامة والإسكان نهاية شهر آب/ أغسطس الماضي أفاد بأنه بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة فإن مجمل ما تم إعماره في قطاع الإسكان لا يتجاوز 46% فقط.
وبين التقرير أن إجمالي عدد الوحدات السكنية المتضررة جراء العدوان الأخير وصل إلى 173،500 وحدة سكنية، موزعة ما بين وحدات سكنية مهدمة كلياً وصلت إلى 11 ألف وحدة سكنية، و6،954 وحدة متضررة بشكل بالغ وغير صالحة للسكن، و6،464 وحدة سكنية متضررة بشكل جزئي، بالإضافة إلى تضرر 149،081 وحدة سكنية بشكل جزئي وطفيف.
وأشار إلى أن الدول المانحة تعهدت خلال مؤتمر إعادة الإعمار الذي عقد في القاهرة مع نهاية عام 2014 بتوفير مبلغ يزيد عن 5 مليارات دولار، يتم دفع نصفها إلى إعمار قطاع غزة والنصف الآخر لدعم موازنة السلطة الفلسطينية.
وذكر أن إجمالي التمويل المطلوب لإعادة إعمار قطاع الإسكان في قطاع غزة قُدر بحوالي 980 مليون دولار، وتم توفير تعهدات بحوالي 583,5 مليون دولار وهو ما يمثل 59% من التمويل المطلوب لكافة البرامج.
وأفاد أن التمويل المطلوب لبرنامج إعادة إعمار الوحدات السكنية المهدمة كلياً جراء عدوان 2014 وما قبلها وصل إلى 565 مليون دولار، منها 495 مليون دولار لإعادة إعمار الوحدات السكنية المهدمة جراء عدوان 2014.
ولفت التقرير إلى أن ما توفر من تعهدات الدول المانحة هو 288،3 مليون دولار تم تقديمها من خلال دول مثل قطر، الكويت، السعودية، البنك الإسلامي للتنمية، الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، ألمانيا وغيرها، ومثلت قيمة المبلغ ما نسبته 51% من إجمالي التمويل المطلوب للبرنامج.
وبين التقرير أنه تم الانتهاء من إعمار/ تحت التنفيذ 5945 وحدة سكنية من أصل 7757 وحدة تم التعهد بإعادة بنائها، بينما وصل عدد الوحدات السكنية التي لم يتم ترشيحها لعدم توفر تمويل لها حوالي 5243 وحدة سكنية وتمثل 40% من الوحدات السكنية التي هدمت جراء عدوان 2014 وما قبلها.
وأكد التقرير أن التمويل المتبقي والمطلوب توفيره لإعادة إعمار الوحدات السكنية المهدومة كلياً جراء العدوان الأخير وما قبله حوالي 276,7 مليون دولار.
قطاعات مستبعدة
أما بخصوص القطاعات الاقتصادية والصناعية، فقد أكد الوكيل المساعد في وزارة الاقتصاد الوطني بغزة عبد الفتاح الزريعي أن 6800 منشأة اقتصادية دمرت أو تعرضت لأضرار كلية أو جزئية خلال العدوان الأخير.
وأوضح الزريعي في حديث لـ"فلسطين" أن قيمة الأضرار في قطاع الصناعة وصلت من 130-135 مليون دولار، بينما مجمل المنح التي تم توفيرها لإعمار هذا القطاع حتى الآن تتراوح من 26-27 مليون دولار وهي لا تلبي سوى 22% من إجمالي الأضرار".
وأضاف أن "أول هذه المنح هي بقيمة 9 ملايين دولار من دولة قطر ووصلت بالتنسيق مع مجلس الوزراء في رام الله والفريق الوطني لإعادة الإعمار، واستفاد منها 3194 منشأة حيث حصلت على تعويض كامل عن الأضرار التي لحقت بها".
وأردف: "تم تعويض كامل لكل من كانت أضراره أقل 7610 دولارات وهذا يعني أن معظم الوحدات المتضررة تضررت بشكل جزئي أو طفيف، ثم جاءت المنحة القطرية من خلال جمعية قطر الخيرية بتمويل البنك الاسلامي للتنمية".
وتابع :" كما تم توفير المنحة القطرية بتنفيذ جمعية قطر الخيرية وبتمويل من البنك الإسلامي للتنمية، وتم خلالها تعويض أصحاب المنشآت في قطاع الصناعات المعدنية، الغذائية، الورقية والألمنيوم بشكل جزئي ووصلت قيمة التعويض من 10-15% حسب طبيعة الضرر الموجود.
وبين الزريعي أن إجمالي المنحة القطرية كانت 6,5 ملايين دولار ليستفيد منها حوالي270 منشأة اقتصادية في القطاعات سابقة الذكر، وتم تقسيم المنشآت ال270 لثلاث فئات: الأولى والثانية استلموا 50% من المبلغ والفئة الثالثة والدفعة الثانية لكل الفئات من المبلغ لم يتم تسليمها.
أما بخصوص المنحة الكويتية، أشار إلى أنه كانت بـ 8,6 ملايين دولار وتم تخصيصها للصناعات الانشائية والخشبية وتم تجهيز الملفات الخاصة بهما، إلا أن عملية صرف الدفعات لم تبدأ إلا في شهر أغسطس الماضي 2017، واستفاد من المنحة 240 منشأة في القطاع الصناعات الانشائية والخشبية، بالإضافة إلى احتمالية صرف تعويض لـ277 منشأة خلال الشهر الحالي.
وقال الزريعي إن:" هناك العديد من القطاعات الصناعية لم تعوض مثل: الصناعات البلاستيكية، الهندسية، الكهربائية وصناعة الملابس، بالإضافة إلى الكثير من المنشآت في القطاعات السياحية والتجارية والخدمات لا يوجد من يتكلم فيهم مطلقاً ولم نستطع أن نصل لأي جهة لديها رغبة بالتمويل في هذه القطاعات".
إهمال كبير
من جانبه، أكد مدير عام السياسات والتخطيط في وزارة الزراعة، نبيل أبو شمالة أن قيمة الأضرار والخسائر المباشرة التي لحقت في القطاع الزراعي خلال العدوان الإسرائيلي الأخير وصلت إلى 322 مليون دولار.
وأوضح أبو شمالة في حديث لـ "فلسطين": أنه خلال السنوات الثلاث الماضية لم يتم توفير سوى 100 مليون دولار، بنسبة تقدر بـ 30% من مجمل الخسائر المباشرة"، لافتاً إلى أن التمويل الذي وصل للوزارة عبر حكومة الحمد الله في رام الله بسيط.
وبين أن النصيب الأكبر من الدعم للقطاعات الزراعية المتضررة تم جلبه من خارج الحكومة من خلال تنسيق الوزارة مع المنظمات الأهلية المحلية والدولية "والتي عملت على جلب التمويل باتجاه إعادة إحياء القطاع الزراعي".
وشدد على أن وزارته بذلت مجهودا كبيرا بالتنسيق مع المنظمات التي تهتم بالأمن الغذائي، وعملت على توجيه التمويل نحو أولويات تنمية القطاع الزراعي، مشيراً إلى أنه تم تحقيق بعض الانجازات في مجال تأهيل الآبار والدفيئات وتوفير الدعم لقطاع البستنة الشجرية والثروة الحيوانية.
وبخصوص قطاع الثروة الحيوانية، ذكر أبو شمالة أنه لم يتم تعويض المزارعين عن الضرر الذي لحق بهم بسبب نفوق أعداد كبيرة من الحيوانات أثناء العدوان، على عكس قطاع الثروة السمكية الذي حظي باهتمام خاص وتوفير دعم كبير له".
وشدد على أن القطاع الزراعي يحتاج لأضعاف الـ300 مليون دولار التي تم تقديرها لإعادة تنمية القطاع الزراعي الذي تضرر خلال العشر سنوات الماضية بفعل الحصار والانقسام.
وطالب أبو شمالة الحكومة بالعمل على تعزيز القطاع الزراعي وجعله ذا أولوية وذلك من خلال توفير كافة المستلزمات التي حرم منها على مدار السنوات الماضية، مثل تعزيز الخبرة لدى الكوادر العامة، وتوفير الأجهزة والآليات اللازمة للمختبرات وإيجاد حل لمشاكل المياه التي يعاني منها المزارعون.
وأضاف:" كما نؤكد على ضرورة زيادة حصة وميزانية القطاع الزراعي ضمن الموازنة العامة للحكومة والتي لا تتجاوز 1% وأن يتم رفعها لحدود تغطي مستلزمات التنمية الزراعية سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة".
تشجيع المانحين
في السياق، أكد الخبير الاقتصادي أسامة نوفل أن ملف إعادة إعمار قطاع غزة يسير ببطء كبير مما أدى إلى تباطؤ المانحين في الايفاء بتعهداتهم بخصوص المساعدات التي كانوا قد تعهدوا بها للإعمار.
وأرجع نوفل في حديث لـ"فلسطين"، التباطؤ في إعادة الإعمار للبعد السياسي وتعطل المصالحة وغياب الأفق السياسي"، مضيفًا: "أما الآن وفي ظل إعادة تنشيط موضوع المصالحة فهذا سيشجع الدول المانحة للإيفاء بتعهداتها تجاه القطاع".
وبين نوفل أن "حجم الإعمار في القطاع السكني بلغ 76%، بينما في القطاعات الانتاجية كالزراعي، والصناعي، والسياحي والخدماتي لم تتجاوز النسبة 7%، بمعنى أن المصالحة قد تُنشط عملية إعادة الإعمار في هذه القطاعات الانتاجية".
ولفت إلى أنه في ظل اتفاقيات المصالحة يجب أن تدعو السلطة الفلسطينية الدول المانحة للإيفاء بتعهداتهم بخصوص اعادة اعمار القطاعات الانتاجية في غزة، مبينًا أن الشرط الذي كان يضعه المانحون وهو ضرورة وجود السلطة في غزة أصبح متوفرا في ظل المصالحة "وبالتالي لا عذر لهم بالتلكؤ للوفاء بالتزاماتهم الخاصة بإعادة الإعمار".
وذكر أن ملف إعادة الإعمار سيأخذ حيزاً كبيراً من اهتمام الحكومة بعد اتضاح الأمر في المفاوضات الجارية في القاهرة، وبالتالي سيؤدي هذا الأمر إلى تحسن كبير في هذا الملف، ويمكن أن نتجه لمشاريع التنمية مثل مشاريع البنية التحتية مثل الكهرباء والمياه وغيرها .